الصورة إلتقطته قاتلاً وحيدًا معزولاً لا ينتسب إلى بيروت
مجزرة كاملة: إنتصار quot;حزب اللهquot; على مدينة لم تحاربه

شادي علاء الدين من بيروت: كان واضحًا ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في كلمته التي وجهها أخيرًا إلى اللبنانيين إذ أعلن أن أحدًا لا يشك في قدرة quot;حزب اللهquot; ومن معه على إحتلال العاصمة بيروت في ساعات قليلة. وحده quot;حزب اللهquot; ومن معه لم يكونوا قادرين على تصديق هذا الواقع الذي لا ينكره أحد لذا كان يحتاج إلى حرب معلنة وواضحة حتى يستطيع أن يثبت لنفسه هذا الأمر.

دخل بيروت دخولاً عسكريًا مبالغًا واستعراضيًا وهو ينتظر قتيله الأول الذي يتيح له رسم خطابه وبناء كلامه في لحظته الراهنة. كان ينتظر من بيروت أن تثبت له قوتها بقتله ومحاربته لذا كان امتناعها عن ذلك أمرًا يفوق قدرة الحزب على الإحتمال مما دفعه إلى المبالغة والإسراف.

علم أولا أن عليه ضرب الذاكرة والقيام بعملية تحويل للجغرافيا بحيث لا تعود قابلة سوى لما يسقطه عليها من معنى. هكذا صارت بيروت quot;حزب اللهquot; هي بنت لحظة العمالة والخيانة والإرتهان للمشروع الأميركي الصهيوني وانمحت بلحظة كل ذاكرتها المقاومة وانتقلت الجغرافيا العدوة لتحل في أحياء بيروت وتغدق عليها كل حمولة خرائطها. مقاتل quot;حزب اللهquot; الذي يستعرض مفاتن سلاح المقاومة في شوارع بيروت التي كانت سباقة في صناعة عنوان المقاومة الذي سرقه لاحقًا إنما يقوم بعملية جهادية لا لبس في مضمونها وفي طبيعة إحالاتها .
قتل ودمر وأقفل المؤسسات الإعلامية ولم تأت حربه.

تحتاج المجزرة لكي تكون كاملة إلى أن يكون ضحاياها محكومين ببراءتهم وانتفاء أي سبب موجب لقتلهم. تمتنع المجرزة عن امتلاك وصفها حين تكون في الحرب فالحرب هي فن إنتاج المجازر وتحويلها خطاباً.
بيروت التي انتهكها الطاعون الأصفر هي مدينة مجزرة فهي مكان مفتوح لم يقفل أبوابه في وجه أحد في أي لحظة وإن كانت محسوبة على طرف طائفي معين فإن بنيتها لا تتحمل تحويل هذه النسبة وقائع مادية سياسية وإجتماعية. بيروت مدينة محاصرة بكونها مدينة مفتوحة تحتضن كل سجال.

لم تنف يوما حتى هؤلاء الذين اجتاحوها الآن فها هي مراكزهم تنتصب في قلبها ومراكز إعلامهم تتمركز في قلبها ولم تتعرض لأي إعتداء. فعلى رغم كل التوتير لا تزال جريدة quot;الأخبارquot; حية ترزق في حين أن كل وسائل quot;تيار المستقبلquot; الإعلامية أقفلت تحت وطأة التهديد بالقصف .

كان quot;حزب اللهquot; ومن معه من مقاومين للمشروع الاميركي يريدون ان تكون هناك حرب. كانوا يسعون إلى خلق الحرب بكل ما أوتوا من قوة. كانوا يشتهونها مع كل ضربة موجعة توجه إلى أبناء بيروت من أنصار تيار المستقبل وغيرهم . كانوا يرجون إنتقامًا وحربًا سينتصرون فيها فعلاً بمجرد أن تقع.

كان كل جهده منصبًا على خلق صورة تلتقطها الكاميرات لمشهد ثنائي لا يكون فيه وحيدًا. كان يسعى إلى مؤانسة عزلته المسلحة بآخر من جنسه ليسيطر على الصورة. كان يفتش تحت إضاءة القنابل عن ظلاله في سكان بيروت. كان يستجدي أشباحه ويستحضر أرواحه السوداء ليسميها ناسا ينسبهم إلى بيروت التي لم تهده حربه المنشودة.

صمت بيروت كان عاليا وكان أعلى من أصوات سلاح اكتسب مشروعيته برعايته خطابا يقوم على نفي ما يقوم به الآن فعليا. نفى سلاح المقاومة شرعيته وقام بتوكيد كل المخاوف منه في لحظة موت خاطفة.
انتصر quot;حزب اللهquot; على بيروت التي لم تحاربه. من هنا كانت المجزرة الكاملة هي العنوان الوحيد الممكن لانتصاره المدجج بالعزلة. أغلق quot;حزب اللهquot; حدوده على نفسه فبيروت المدينة الأم المنفتحة على الجميع كانت هي المجال الذي يتحرك فيه مناصروه ممن لا يلتزمون إكراهاته العقائدية الصارمة بحرية ويساهمون في بناء التلاوين التي يحتاج إليها للإيحاء بانفتاح خطابه على عناوين وطنية شمولية.

أجبر فتح بيروت الحزب على العودة إلى حدوده الضيقة المحصنة بالواحدية. فالمدينة التي لم تطرده ومناصريه باتت مضطرة الآن إلى ممارسة عملية نفي نهائية، إن لم تتبلور مباشرة في نفي فعلي، فإن نفيًا أخلاقيًا وعاطفيًا ونفسيًا قد تبلور بشكل لا يمكن محوه.
رسم الحزب حدود سجنه بنفسه.
انتصر quot;حزب اللهquot; بلا حرب والصورة التقطته قاتلاً وحيدًا معزولاً بصمت ضحايا يتفرسون في وجهه مذهولين غير مصدقين لذا كان موتهم أليمًا ومضاعفًا وينزع دومًا نحو دفع مفهوم المجزرة إلى أقصى كمالاته.

انتصر quot;حزب اللهquot; وبسط نفوذه على بيروت لفترة بالحديد والنار والدم، وهذا يعني أن ايا من أعضاء حزب الله لم يعد قادرا على نسبة نفسه إلى بيروت. لم يعد أي عضو من أعضاء quot;حزب اللهquot; قادرا أن يكون بيروتيا بعد الآن .

المجزرة حين تكتمل فإنها تخلق سخريتها الخاصة فهي تجبر أبطالها على أن يغسلوا أيديهم منها مرارًا وتكرارًا بشكل وسواسي قهري.
المجبر على طقس الإغتسال الدائم هذا لا يستطيع أن يفعل شيئا آخر ولا يستطيع أن يمارس السياسة. جل ما يستطيعه هو تكرار مجزرته ليس إلا.
انتصر quot;حزب اللهquot; ولكن هل يستطيع تحمل مثل هذا الإنتصار؟