عملية (على أجنحة النسر) نفذت ما بين عامي 1949-1950
المجهول في هجرة يهود اليمن إلى فلسطين

أسامة العيسة من القدس: قليلون من المتابعين لقضايا الهجرات اليهودية إلى فلسطين، يعلمون بأنه خلال الحرب العالمية الثانية، تم تهجير 4267 من يهود اليمن إلى فلسطين، وهو ما كشفت عنه صحيفة يديعوت احرنوت، في حين أن المعلومات السائدة لدى الباحثين حول هجرة اليهود اليمنيين، تتعلق بعملية تهجير نفذتها المؤسسات الصهيونية في وقت لاحق، والحديث عن عملية ( على أجنحة النسر ) التي نفذت ما بين عامي 1949-1950، والتي تم بموجبها نقل أعداد كبيرة من اليهود اليمنيين إلى دولة إسرائيل الحديثة الولادة آنذاك. وما كشفت عنه الصحيفة العبرية، في الذكرى الستين للنكبة، يتعلق، بنقل 4267 من يهود اليمن، إلى فلسطين خلال عامي 1943-1944، وهو الأمر الذي بقي مجهولاً، على الأقل بالنسبة إلى الروايات المتداولة بشأن هجرة يهود اليمن إلى فلسطين.

وتعتبر هذه العملية مثالاً نموذجيًا، لما حدث بعدها من عمليات تهجير لليهود العرب من بلدانهم الى فلسطين، ففيها يظهر الاصرار والرغبة والقدر لدى المؤسسات الصهيونية، والتعاون من جهات وقوى دولية، وتواطئ غير مفهوم من السلطات العربية الحاكمة. واضطلع بمهمة تهجير اليهود اليمنيين، الوكالة اليهودية، وغيرها من مؤسسات، عملت خلال فترة الحرب العالمية الثانية، على تهجير اكير عدد من يهود العالم إلى فلسطين،
واستغلت المؤسسات الصهيونية، ما تصفه يديعوت احرنوت، بالظروف الصعبة التي كانت تعيشها اليمن آنذاك، مثل ما تقول انه الجوع والشدة، والجفاف، من اجل إقناع إمام اليمن بالتعاون بتسهيل هجرة مواطنيه اليهود، وبدأت بنقل أفواج منهم، من الشمال إلى عدن التي كانت مستعمرة بريطانية. وتم تجميع اليهود في معسكر صحراوي قرب قرية (فايوش)، وبني أيضًا لهم معسكرًا آخر، يبعد 3 كيلومترات، بجوار معسكر للسجناء أقيم في أثناء الحرب في قرية (ميحازبين).

وادار معسكرا فيوش وميحازبين، طواقم بريطانية، بإشراف من الحكومة البريطانية في مستعمرة عدن، وفي وقت لاحق، تم

إرسال طبيب وثلاث ممرضات يهود من فلسطين، للعمل على التخفيف مما اسماها تقرير يديعوت، الظروف القاسية التي عاشها اليهود اليمنيين في المعسكرين. وتمت الاستعانة بشلومو يفيت، المولود في عدن عام 1921، والذي كان في عام 1943، مدرسًا للطائفة اليهودية في المدينة التي ولد فيها، من اجل المساعدة في تقديم الدعم لليهود في المعسكرين، واصبح يفيت جزءًا من طاقم المعسكر ومسؤولاً عن مخازن الأغذية.

وتم بناء مختبر وعيادة، لتقديم العلاج لليهود في المعسكرين، اللذين كانا يعانيان من سوء التغذية والأمراض، وتولى الإشراف الطبي الدكتور ديفيد المان، والممرضتان تزبورا فريدمان، وراشيل ماشات. وفي عام 1944، بدأت المؤسسات الصهيونية، بمساعدة البريطانيين، بنقل اليهود في المخيمين إلى فلسطين، في رحلة طويلة، بحرا وبرا، عبر السودان، السويس، عين موسى، سيناء، وفي النهاية، إلى مخيم (شار هاليه) قرب حيفا.

وبهذه الطريقة تم نقل 4267 يهوديًا ويهودية من اليمن، إلى فلسطين، التي كانت تغلي آنذاك، ويستعد كل من الفلسطينيين، والمنظمات الصهيونية، لما بعد انتهاء الانتداب البريطاني. وسارت الأمور في فلسطين، كما هو معروف، وتشرد الشعب الفلسطيني، وفقد القسم الأكبر من أرضه التي اصبحت يسمى إسرائيل، واصبح اليهودي اليمني شلومو يفيت عضوًا في قوات الجيش الإسرائيلي، بعد أن تطوع لدى وصوله إلى البلاد قبل إنشاء إسرائيل، في المنظمة العسكرية الوطنية الصهيونية.

وفي عام 1950، طلب شلومو، من ممثلي الجماعات اليهودية الأميركية، المساعدة في العودة إلى عدن، من اجل جلب آلاف من اليهود الذين تبقوا هناك، ونجح في مسعاه، وعاد إلى مسقط رأسه، كمندوب للجماعات الصهيونية، مسلحًا بخبرته السابقة في تهجير اليهود في عام 1944. وساهم شلومو، في عملية التهجير الجديدة، واكثر من هذا وثقها بالصور، التي نشرتها صحيفة يديعوت للمرة الأولى، وفيها تسجيل ليوميات اليهود اليمنيين، والأطباء والممرضات، والعاملين في مختلف المرافق، في مخيمات الترحيل، عن الوطن الام اليمن، إلى وطن آخر جديد، ظهر حديثا على الخريطة اسمه إسرائيل.

وطلبت الصحيفة الأكثر انتشارًا في إسرائيل، وهي تنشر الصور بمناسبة الذكرى الستين لإنشاء إسرائيل، من الجمهور تزويدها بأسماء أصحاب الصور إذا تعرفوا على أي واحد منهم. وما كشفت عنه الصحيفة العبرية، يضاف إلى ملف شديد المأساوية في تاريخ العرب المعاصر، ويظهر فيه لاعبون من الحركة الصهيونية، والاحتلال البريطاني، وربما الأخطر دور السلطة اليمنية في ذلك الوقت، في ظل غياب أي وثائق أو رواية عربية موازية، عمّا حدث في تلك السنوات الفارقة، والتي ما زالت مفاعيلها مستمرة حتى الان، وبشكل يصفه بعضهم بالكارثي.