غزة: ثمة حالة من القفز والإستخفاف بالحقوق وتسجيل صريح لتجاورات وانتهاكات لأبسط الشروط الإنسانية للمواطنين الفلسطينيين، تمارس هذه المرة ليس من قبل إسرائيل، بل من القائمين على السلطة في كل من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.
فقد أنتقد التقرير السنوي الثالث عشر الصادر عن الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن التجاوزات والانتهاكات التي يتعرض لها المواطنين الفلسطينيين في أراضي السلطة في الضفة الغربية، وخاصة ما تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وعناصر حركة فتح ضد مؤيدي وأنصار حركة حماس.
كما انتقد كذلك الانتهاكات التي تمارسها حركة حماس ضد معارضيها في قطاع غزة، مشيراً إلى أن الحركة لم تسمح للهيئة المستقلة أن تمارس دورها في رصد التجاوزات والانتهاكات، وخصوصاً منذ سيطرت على القطاع في يونيو/ حزيران 2007.
صدقية التقرير شككت بها بشدة حركة حماس، قالت إنه quot;تحدث عن نظام بوليسي للسلطة الفلسطينية، وأنها قدمت الاعتبارات الأمنية على حقوق الإنسانquot;، ووصفته بأنه يشكل دليلاً على quot;حجم جرائم أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية.quot;
ووصف المتحدث باسم حماس، فوزي برهوم، ما جاء فيه بأنه quot;دليل قاطع على سياسة قمع الحريات والتطهير الفئوي والحزبي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في الضفة الغربيةquot;، معتبراً أن هذه السياسة تشكل أكبر خطر على حرية التعبير وحقوق الإنسان والتعددية السياسية.
عشراوي: يبدو أن حماس لم تقرأ التقرير جيداً
ورداً على تصريحات حركة حماس فيما يتعلق بالتقرير، تمنت حنان عشراوي، عضو الهيئة، لو أن قطاع غزة يتمتع بالحرية ذاتها، الذي يتيح للهيئة لتقصي وضع حقوق الإنسان فيها.
ففي تصريح هاتفي لـCNN بالعربية، لفتت عشراوي إلى أن الأرقام الواردة في التقرير يمكن أن يساء تفسيرها، وقالت:quot;يبدو أن حركة حماس لم تقرأ التقرير جيداً.quot;
وأضافت: quot;في الضفة الغربية هناك حرية تقديم شكاوى وحرية اعتراض وحرية تعبير عامة.. وهناك عناوين لتقديم الشكاوى.quot;
وتمنت عشرواي وجود مثل هذه الحريات في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة حماس، الأمر الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى نتائج أكثر دقة، موضحة أن غياب المعلومات الموثقة هو السبب في عدم كشف الكثير من الأمور في التقرير.
وكشفت عضو الهيئة عن أن المعلومات المتاحة تشير إلى أن الأوضاع في غزة أكثر سوءاً بكثير مما هي عليه في الضفة الغربية، وأن القطاع في ظل حركة حماس أكثر انغلاقاً وقمعاً، وأن الوضع فيه أصعب بكثير منه في الضفة، على أنه من الصعب متابعة ومراقبة ما يحدث هناك على غرار الضفة.
وقالت إنه كانت هناك محاولات للبحث في أوضاع حقوق الإنسان في غزة، غير أن الحركة quot;تجاهلت، ولا تزال، الرد على الرسائل التي أرسلت إليهاquot; في هذا الشأن، في حين أننا نستطيع طرح وإثارة قضايا مختلفة في مناطق السلطة في الضفة، كقضايا التعذيب، وغيرها من الأمور المثيرة للجدل.
ووصفت عشراوي التقرير بأنه حيادي ومهني، رافضة تماماً أن يتم استخدامه لأسباب سياسية، ومؤكدة أن quot;الوطن واحد.. وللمواطنين الحقوق نفسها.quot;
وأعادت التأكيد على أن عدم المقدرة على الوصول إلى المعلومات في قطاع غزة لا يبرر ما يحدث في الضفة من تجاوزات.
زقوت: جرائم خطيرة في القطاع
من جانبه، تحدّى مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني، جمال زقوت، في تصريح لـCNN بالعربية رداً على تصريح برهوم، حركة حماس أن تسمح لأي منظمة حقوقية عقد مؤتمرات صحفية في قطاع غزة، لتتناول الأوضاع هناك بحرية كما حدث في رام الله.
وقال زقوت إنه شارك في المؤتمر الصحفي للهيئة الفلسطينية لحقوق المواطن، وأن الهيئة سلمت تقريرها لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، كما سلمته لرئيس الوزراء، سلام فياض.
وذكر أن المفوض العام للهيئة، ممدوح العكر، تحدث عن جرائم خطيرة في قطاع غزة، خاصة بعد أحداث يونيو/حزيران عام 2007.
وقال زقوت: quot;إن بعض ملاحظاتهم (الهيئة) على أجهزة الأمن في الضفة تأتي في سياق اعتبار السلطة في الضفة هي السلطة الشرعيةquot;، مشيراً إلى أن quot;الهيئة سجلت بعض المخالفات الفردية التي يجب أن تحظى بالاهتمام من قبل المسؤولين، وعلى رأسهم محمود عباس.quot;
وأكد مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني أن ما يحدث في غزة quot;حالة غير قانونية بالمطلقquot;، مبيناً أنه إذا كانت هناك تجاوزات في الضفة فإن هذا لا يعفي القطاع من حجم التجاوزات الأكبر.
ولفت زقوت في هذا الخصوص إلى ممارسات حركة حماس في غزة، ومنها تشكيل الحركة لمجلس العدل الأعلى، كمجلس بديل ومواز لمجلس القضاء الفلسطيني، حيث اعتبر ذلك حالة انشقاق، مشيراً إلى أن غياب المؤسسات القضائية أو المحاكم في القطاع يبرز حجم تراجع المرجعية في ظل غياب القانون.
وكشف زقوت أن الهيئة الفلسطينية لحقوق المواطن ستصدر تحقيقاً توضح فيه التوظيف السياسي الذي سعت إليه حماس لاستغلال التقرير.
هيومان رايتس: الأوضاع مماثلة في غزة
أما فريد أبراهام، المختص في الشؤون الفلسطينية لدى منظمة حقوق الإنسان التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، فقال في تصريح لـCNN بالعربية، إنه على معرفة باللجنة التي أصدرت التقرير.
وأضاف أن لديه موقف مماثل حول الأوضاع في غزة، quot;فهناك بالفعل اعتقالات مخالفة للقانون، وحالات مؤكدة من التعذيب والتضييق على الحريات ووسائل الإعلام، ومن المهم الإشارة إلى أن ما يحدث في القطاع هو بشكل رئيسي تحركات من حركة حماس ضد حركة فتح ومناصريها.quot;
وتابع يقول إنه في الضفة الغربية quot;يمكن لنا أن نشاهد الممارسات عينها، ولكن من قبل حركة فتح ضد حماس ومناصريها. فنحن نرى اعتقالات في السجون لأكثر من 15 أو 30 يوماً بحق أشخاص بصورة مخالفة للقانون، وأحياناً رغم صدور قرار قضائي يقضي بالإفراج عنهم، وهناك حالات تعذيب كثيرة.quot;
وأضاف: quot;ويبرز هنا ممارسة ما يسمى بـ'الشبح' أي إرغام الأشخاص على الوقوف في وضعيات مزعجة لساعات طويلة.quot;
وأوضح قائلاً إن الفارق بين ما يحدث في الضفة والقطاع هو أن السلطة الفلسطينية المسيطرة على الضفة تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل والغرب، وهي تتلقى أموالاً ودعماً من الغرب الذي يسلح ويمول أجهزتها وقواها التي ترتكب هذه الخروقات، دون أن يقوم (الغرب) بمراقبة عملها.
وقال: quot;نحن أرسلنا إلى واشنطن ورئاسة الاتحاد الأوروبي في بروكسل رسائل بهذا الصدد، دعينا فيها إلى القيام بتحرك سريع لوقف هذه الممارسات.quot;
وأشار إلى أن هناك quot;صمتاً ونفاقاً دولياً تجاه ما يحدث في الضفة،quot; كاشفاً أن quot;الفارق أن غزة محاصرة وخاضعة لسيطرة حماس التي قبضت على السلطة فيها بتحرك مسلح، لكن الضفة فيها أجهزة تعتبر تابعة لدولة مدعومة من الغرب.quot;

وعن مصداقية الهيئة الفلسطينية المستقلة وتوازن التقرير، قال أبراهام quot;هذه المنظمة جدية وذات مصداقية، ولديها مكاتب بالضفة وغزة، وأنا مسرور لوجودها لأنها تهتم برصد الخروقات التي تجري بين الفلسطينيين، في حين أن سائر المنظمات ترصد فقط الخروقات التي يتعرض لها الفلسطينيون من الجانب الإسرائيلي، دون أن أقلل من أهمية ذلك.quot;
ويذكر أن رئيس السلطة، محمود عباس، تسلم التقرير من المفوض العام للهيئة، ممدوح العكر.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن العكر قوله إن الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية تحسن كثيراً، مشيراً إلى أن القانون يسمح بضبط الأمن ولكن وفق سلطة القانون.
وذكرت الوكالة أن العكر أشار إلى أن عباس تجاوب مع الملاحظات التي أبداها التقرير، وأنه وعد بالعمل على تحسين أوضاع السجون في الأراضي الفلسطينية.