الرياض: مثلت دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات دعوة سلام وتعايش بين جميع الشعوب حيث تبنت جميع دول العالم الإسلامي المبادرة الملكية وتفاعلت معها لتؤكد للعالم بأسره أن دين الإسلام هو دين السلام والتعايش مع الآخر ونفت أية صلة أو ترابط بين الإسلام والإرهاب وأن الإرهاب موجود في جميع دول العالم حيث لا يفرق بين دين وآخر.

وجاء المؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي في مدريد خلال المدة من 16 إلى 18 يوليو 2008م برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليجسد أمال وتطلعات العاهل السعودي ومسعاه النبيل والرائد لتحقيق التفاهم والتعاون بين الأمم التي تجتمع على مبادئ كبرى وتشترك في قيم عظمى.

وكان المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد في مكة المكرمة مؤخرًا اعتمد الدعوة التي أطلقها الملك عبدالله للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات.

وبهذا الإنجاز التاريخي، نشرت وكالة الأنباء السعودية تقريرا مطولا عن دور الملك عبدالله في تأسيس مبدأ الحوار، حيث سجل خادم الحرمين الشريفين إسمه من نور في التاريخ المعاصر كونه واحداً من أبرز دعاة السلام والحوار كما وصفته بذلك شبكة تلفزيون، سي إن إن الإخبارية بأنه صانع تاريخ بدعوته لحوار الأديان وذلك في تقرير بثته الشبكة بعد الإعلان عن موعد عقد المؤتمر .

وقالت مراسلة السي إن إن أوكتا فيا ناسر، إن الملك عبدالله بن عبدالعزيز صنع التاريخ بمبادرته تلك ووجدت دعوته ترحيبا لدى الأوساط الدينية. كما قال رئيس لجنة حوار الأديان دافيد روسن اليد الممدودة تجاه المسيحيين واليهود ينبغي مقابلتها بالمصافحة.

أما المحلل السياسي الدكتور موريس جونز فقال في تصريح نشر في وكالة الأنباء السعودية إذا كان بمقدور أحد القادة إنجاز أمر السلام فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو القائد الأقدر على فعل ذلك. وأوضح أن الولايات المتحدة الأميركية يملؤها الأمل بأن في إمكان الملك عبدالله فعل الكثير لتحقيق السلام في المنطقة بأسرها .

وأردف يقول إن الولايات المتحدة لا يمكنها صنع السلام لوحدها وتحتاج لأصدقاء أقوياء ورغم الصعوبات الكثيرة التي تواجه المنطقة فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ينجز الكثير ومن ذلك مكافحة الإرهاب.

ورأى الدكتور موريس جونز أن من الأمور المهمة جداً البدء بحل مسألة سلام الشرق الأوسط التي طال أمدها، وقال إن الكثير من الناس في العالم يعولون على الملك عبدالله بن عبدالعزيز ويتفاءلون بنهجه واستراتيجيته.

جهود الملك عبدالله لتعزيز الحوار

وتبرز جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز الحوار بين الحضارات المختلفة وهو ما أكده في كلمته أمام المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار حيث خاطب المشاركين قائلا إنكم تجتمعون اليوم لتقولوا للعالم من حولنا وباعتزاز أكرمنا الله به إننا صوت عدل وقيم إنسانية أخلاقية ، وأننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل ، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن تلبية لقوله تعالىquot; أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسنquot; .

وأضاف يقول quot; ما أعظم قدر هذه الأمة وما أصعب تحدياتها في زمن تداعى الأعداء من أهل الغلو والتطرف من أبنائها وغيرهم على عدل منهجها.تداعوا بعدوانية سافرة ، استهدفت سماحة الإسلام وعدله وغاياته السامية.ولهذا جاءت دعوة أخيكم لمواجهة تحديات الانغلاق ، والجهل ، وضيق الأفق ، ليستوعب العالم مفاهيم وآفاق رسالة الإسلام الخيرة دون عداوة واستعداء يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمquot;.

ورسم العاهل السعودي الطريق للحوار مع أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات وحددها في القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الإلهية لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته وتعزيز قيم الأخلاق والتعاملات التي لا تستقيم والخداع وتنبذ الخيانة وتنفر من الجريمة وتحارب الإرهاب وتحتقر الكذب وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل .

وكان من أبرز القرارات التي توصل إليها المشاركون في المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للتواصل بين الحضارات بهدف إشاعة ثقافة الحوار وتدريب وتنمية مهاراته وفق أسس علمية دقيقة. وإنشاء جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للحوار الحضاري ومنحها للشخصيات والهيئات العالمية التي تسهم في تطوير الحوار وتحقيق أهدافه

السعودية صوت عدل

والمملكة العربية السعودية التي تؤكد على الدوام أنها صوت عدل نادت به على لسان قائدها، نحو القيم الإنسانية والأخلاقية ودعوة للتعايش والحوار العاقل والعادل لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته وتعزيز قيم الأخلاق مازالت تكتسب يوما بعد يوم احترام وتقدير قادة دول العالم والعلماء من الدول الإسلامية وغير الإسلامية كافة لسعيها المخلص والدؤوب نحو السلام والاستقرار في العالم .

وخلال السنوات الماضية ظل الملك عبدالله يدعو في مناسبات عدة ومنابر متنوعة إلى إحلال السلام محل النزاعات والصراعات، واتخاذ الحوار منهجا لتقريب المسافات بين أتباع الرسالات الإلهية والثقافات والحضارات .

وتبرز في هذا السياق مبادرته للسلام في الشرق الأوسط التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 م وأصبحت تعرف بالمبادرة العربية للسلام .

وفي إطار حرص الرياض على تكريس دور منظمة الأمم المتحدة وتعزيز التعاون الدولي شارك الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليا للعهد في شهر سبتمبر عام 2000 م قادة دول العالم وممثليهم في قمة الألفية للأمم المتحدة التي نظمتها الأمم المتحدة بمقرها في نيويورك .

وألقى خلالها كلمة أمام قادة دول العالم ورؤساء وفودها جاء من ضمنها: لقد نص الميثاق على ممارسة التسامح وحسن الجوار ولنا أن نتساءل أين نحن من ذلك .كما قال أين نحن مما نص عليه الميثاق من صون حقوق الإنسان الأساسية .

وأضاف إن حقوق الإنسان كما نفهمها نحن المسلمين هي هبة من الخالق لا يملك أحد حق مصادرتها أو سلبها وليست شهادة حسن سلوك يقدمه بعض البشر لبعض من زاوية ادعاء خاطئ لتفوق أخلاقي على الآخرين . إن هذه الحقوق والمبادئ توجد في أعماق كل الحضارات الإنسانية ولا يصح النظر إليها بمعزل عن الحضارة التي نشأت منها كما أنه من الصعب أن نفرض على إنسان أو مجتمع مفاهيم ترفضها معتقداته ومبادئه وأخلاقه.

لقاءات وكلمات راسخة

وفي شهر شعبان 1422 هـ كانت للعاهل السعودي دعوة خلال ندوة صورة الإسلام في الإعلام المعاصر التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة حيث قال quot;إن المملكة العربية السعودية تدعو إلى الحوار و التفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والحضارات وتتطلع إلى أن تقوم رابطة العالم الإسلامي بالتهيئة لبرنامج عالمي حول الحوار بين الحضارات والتعايش بين الثقافات والتواصل بين الشعوب وذلك وفق القواعد الإسلامية التي سجل التاريخ عظمتها في التفاهم والتعاون بين الأمم وسجل للمسلمين مآثر حضارية نقلت إلى الإنسانية معاني السلام والمحبة والتواد والتواصل والتعاون من أجل الإنسان الذي كرمه الله تعالىquot;.

واستشعارا من الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمدى ما تعانيه الأمة الإسلامية رأى أهمية وضرورة عقد لقاء لقادة الأمة الإسلامية للنظر في هذه التحديات والقضايا الملحة التي تواجه الأمة وكانت مبادرته لعقد مؤتمر قمة استثنائي لقادة الدول الإسلامية في مكة المكرمة وذلك لوضع خطة عمل شاملة لمعالجة المعوقات التي تقف دون تحقيق طموحات الدول الإسلامية وتنسيق مفاهيم ومبادئ التسامح والوسطية المستنيرة وتعميق ثقافة الحوار بين الأمم والحضارات الأمر الذي يمكن الأمة من القيام بدورها المناسب في الإسهام من جديد في مسيرة الحضارة الإنسانية.

وتلبية للدعوة الموجهة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إخوانه قادة الأمة الإسلامية فقد عقدت الدورة الثالثة لمؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة في 7 و 8 ديسمبر 2005م.

وألقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة أكد فيها أن المؤمن القوي بربه لا يقنط من رحمته وأن الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء كما يزعم المارقون بضلالهم من الغلو والتطرف . والتكفير لا يمكن له أن ينبت بأرض خصبة بروح التسامح ونشر الاعتدال والوسطية .

وأعرب عن تطلعه إلى أمة إسلامية موحدة وإلى حكم يقضي على الظلم والقهر وإلى انتشار الوسطية التي تجسد سماحة الإسلام وإلى مخترعين وصناعيين مسلمين وتقنية مسلمة متقدمة إلى شباب مسلم يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته.

وقد أكد المؤتمر أن الحوار المبني على الاحترام والفهم المتبادلين والمساواة بين الشعوب أمر ضروري لبناء عالم يسوده التسامح والتعاون والثقة بين الأمم . كما أكد المؤتمر تعميق الحوار وتعزيز الاعتدال والوسطية.

وخلال استقباله في فبراير عام 2006 ضيوف مهرجان الجنادرية من العلماء والأدباء والمفكرين ورجال الإعلام قال في هذا الخصوصquot; في هذه الظروف التي تتعرض لها الأمة لهجوم يستهدف شريعتنا ورموزها وفكرها يصبح من واجب أبنائها ومفكريها على وجه الخصوص أن يبرزوا الوجه الحقيقي للأمة, وجه التسامح والعدالة والوسطية وأن يوضحوا للعالم كله أن ما تقوم به قلة قليلة من المتطرفين المتعصبين لا يعكس روح الأمة ولا تراثها ولا أصالتها بقدر ما يعكس الأوهام المدمرة التي تسكن عقول هؤلاء المجرمينquot;.

وأضاف يقول quot;إنني أمام هذه الصفوة من أهل الفكر والرأي أدين فكرة الصدام بين الحضارات وأدعو إلى أن تحل محلها فكرة التعايش السلمي البناء بين الحضارات وأدعو أمامكم إلى أن تكون المرحلة القادمة في العلاقات بين الدول والأمم مرحلة حوار حقيقي يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر ويحترم مقدساته وعقائده وهويتهquot;.

وفي حديث لوكالة أنباء ايتارتاس الروسية في الحادي والعشرين من شهر فبراير 2007 م أكد الملك عبدالله ذلك قائلا quot;ينبغي أن ندرك بأن جميع الحضارات الإنسانية تنبع من منهل واحد كما أن الحضارات استفادت من بعضها البعض وحقائق التطور الإنسانية تثبت بصورة جلية حقيقة التكامل فيما بين الحضارات . وهذا ما ينبغي علينا أن ندركه ونعمل على ترسيخه بين الشعوب ضمانا لاحترام ثقافات بعضها البعض والوقوف في وجه كل دعاوى التقسيم والتفرقة والتمييز فيما بينهاquot;.

وخلال زيارة العاهل السعودي لبولندا في عام 2007 م دشن مركز الملك عبدالله لتشجيع الحوار والتبادل الثقافي في مدينة ياني كوفو الذي أنشئ بمبادرة من أهالي المدينة بعد عملية فصل التوأم السيامي البولندي اولغا وداريا اللتين تنتميان للمدينة تثمينا من أهالي المدينة لمبادرة الملك عبدالله بإنهاء معاناة التوأم السيامي وفصلهما على حسابه الخاص . ويعنى المركز بدعم الحوار بين الثقافات بما فيها الثقافة الإسلامية وتعليم اللغات بما فيها اللغة العربية .

وفي كلمته خلال استقباله رؤساء بعثات الحج العام 1428 هـ قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز quot; إن الأديان السماوية وما أنزل على سيدنا إبراهيم من حنيفية سمحاء تجتمع على مبادئ كبرى وتشترك في قيم عظمى تشكل في مجموعها مفهوم الإنسانية وتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات . مبادئ الصدق والأمانة والتسامح والتكافل والمساواة وكرامة الإنسان والحرص على تلك اللبنة الأساس لكل مجتمع ألا وهي الأسرة فبدون الحرص على تماسك الأسرة والمحبة والاحترام وروح التضحية بين أفرادها بدون // الأسرية // لما كان هناك مجتمع متماسك ولفقدنا ذلك الخيط الذي يربط أوصال المجتمع quot; .

وركز على ما يجمع الأديان والمعتقدات والثقافات حيث قالquot; أدعوكم وأدعو كل من تصل إليه كلماتي هذه أيا كان أن نتذكر ما يجمع بين الأديان والمعتقدات والثقافات وأن نؤكد على ما هو مشترك وأن نتمسك بمفاهيم الأخلاق والأسرة وأن نعود إلى الرب عز وجل . فبهذا نتجاوز خلافاتنا ونقرب المسافات بيننا ونصنع سوية عالماً يسوده السلام والتفاهم ويصبح التقدم والرخاء غرساً نقطف ثماره جميعناquot; .

وجاءت دعوة الملك عبدالله إلى الحوار لتبرز وتؤكد مسعاه النبيل في هذا الاتجاه وذلك حين استقبل في قصره بالرياض المشاركين في المنتدى السادس لحوار الحضارات بين اليابان والعالم الإسلامي الذي عقد في الرياض خلال الفترة من 15 إلى 17 / 3 / 1429 هـ . حيث قال quot; قد سنحت لي هذه الفرصة لأطلعكم على ما يجول في خاطري وأرجو منكم أن تصغوا لهذه الكلمات القصيرة لأقتبس منكم المشورة. فأنا أتأمل منذ سنتين الأزمة التي تعيشها البشرية جمعاء في وقتنا الحاضر أزمة أخلت بموازين العقل والأخلاق وجوهر الإنسانية فقد افتقدنا الصدق افتقدنا الأخلاق افتقدنا الوفاء افتقدنا الإخلاص لأدياننا وللإنسانية كما أن الإلحاد بالرب عز وجل قد كثر وتفشى وهو أمر لا تجيزه الأديان السماوية لا يجيزه القرآن ولا التوراة والإنجيل كذلك لمست من أصدقائنا في كثير من الدول أن الأسرة و ( الأسرية ) تفككت في أيامنا هذه . والأسرية أنتم أعلم بأهمية وخطر تفككها فأعز ما عند الإنسان هم أبناؤه فكيف إذا انصرف الشاب أو الشابة عن أبيه وأمه وانغمس في مسائل لا تتقبلها الأخلاق ولا العقيدة ، ولا يرضاها قبل ذلك كله الرب عز وجلquot;.

وأضاف quot;وتبلور في ذهني أن أطلب من ممثلي أتباع الأديان السماوية الاجتماع كإخوة يشتركون في إيمانهم وإخلاصهم لكل الأديان ، وتوجههم إلى رب واحد للنظر في إنقاذ البشرية مما هي فيه. وعرضت الأمر على علمائنا في المملكة العربية السعودية ؛ ورحبوا بها ولله الحمد quot;.
وكان تشجيع الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين الحضارات قد فتح للمنظمات الإسلامية نافذة واسعة للدفاع عن أمة الإسلام وثوابتها العظيمة .

وتتويجا للجهود المبذولة من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز التواصل والحوار بين الحضارات والثقافات والتوافق في المفاهيم بينها تم إطلاق جائزة عالمية للترجمة باسم quot; جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمةquot; إيمانا بأن النهضة العلمية والفكرية والحضارية إنما تقوم على حركة الترجمة المتبادلة بين اللغات كونها ناقلاً أميناً لعلوم وخبرات وتجارب الأمم والشعوب والارتقاء بالوعي الثقافي وترسيخ الروابط العلمية بين المجتمعات الإنسانية كافة وإدراكا لأهمية الترجمة في تبادل المعارف وتقوية التفاعل بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الأخرى ودعم حوار الحضارات والثقافات.