حرب الأعصاب استمرت حتى اللحظات الأخيرة
حزب الله كسر الروح المعنوية للجمهور الإسرائيلي والأخير أخضع حكومته
نضال وتد من تل أبيب:
أجمعت الصحافة الإسرائيلية هذا الصباح في تناولها المسهب لصفقة تبادل الأسرى، على وهن الحكومة الإسرائيلية، وضعفها الشديد لدرجة اضطرارها إلى المصادقة مرتين على الصفقة، رغم عدم اقتناع وزراء الحكومة، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نفسه، quot;بعدالتهاquot; وتكافئها من حيث الثمن المدفوع إسرائيليا مقابل استرداد جثث الجنديين الإسرائيليين الداد ريغيف وأودي غولدفاسير، مع تخوف شديد من مستقبل الاتصالات مع حركة حماس لإطلاق سراح الجندي المختطف لديها جلعاد شاليط.
فالحكومة الإسرائيلية تقر وتعترف بصورة مثابرة، منذ المصادقة الأولى على الصفقة قبل أسبوعين، أن الثمن الذي تدفعه باهظا، لكن أحدا من الوزراء، أو حتى رئيس الحكومة نفسه لم يجد عند نفسه الجرأة أو الشجاعة على مواجهة أسرتي الجنديين. أو مواجهة سيل التعاطف الجماهيري والشعبي في إسرائيل مع أسرتي الجنديين ومطلب إعادة quot;الأبناءquot;.
فإسرائيل تبكي اليوم، عودة جندييها، وهي ترى نفسها أضعف من أي وقت مضى، وقد خضعت لشروط حزب الله، لتقر بأنها ليست إسبارطة، ولا نساؤها أمازونيات، ولم تعد للدولة هيبتها وخسرت أجهزة الاستخبارات مكانتها ورمزيتها، واصطدمت نداءات رئيس الموساد، مئير دغان، ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، بعدم إتمام الصفقة وفق الشروط التي تمت بها، اصطدمت بصمم وزراء الحكومة، ووهن رئيسها الذي يبحث عن قشة يتعلق بها في خضم بحر التحقيقات التي تلاحقه وفضائح الفساد المستشري، وهو ما لم يسكت عنه كتاب الأعمدة والمحللون في الصحف الصادرة صباح اليوم.
فالصحف الإسرائيلية التي أجمعت على ضرورة quot;استعادة الأبناءquot; وحق ذوويهم بالخبر اليقين، عنونت صفحاتها بعناوين مثل بانتظار أودي وإلداد: عائدون للبيتquot;، كما هو حال عنوان يديعوت أحرونوت، أو quot;العودة للبيتquot; وهو العنوان الذي اختارته صحيفة يسرائيل هيوم ، أما معاريف فجاء عنوانها الرئيس: quot;عادوا إلى حدودهمquot;، لم تخل من المقالات التي وجهت انتقادات شديدة للحكومة ووهنها وضعفها سواء في التفاوض مع حزب الله أم في مواجهة الجمهور الإسرائيلي، الذي أملى رغبته على الحكومة فلم تستطع رغم إقرارها quot;بعدم إنصاف الصفقةquot; رفض مبادلة الأحياء بالقتلى. وكان هذا خطا أحمر جديدا تمكن حزب الله من اختراقه لترتفع دعوات في إسرائيل تطالب الحكومة بوضع معايير ومقاييس حديدية في هذا الخصوص.
وفي هذا السياق وتحت عنوان quot; من الآن فقط نعش مقابل نعشquot; كتب أفراهام تيروش في صحيفة معاريق يقول : بعد عودة الجنديين سيكون على إسرائيل أن تجري حسابا مع النفس بشأن سياساتها في تبادل الأسرى. يجب التفكير جيدا وبلورة سياسة ملزمة ومثابرة، وأن نفحص من جديد المبدأ الموجه لسياسة الدولة منذ قيامها، بأننا مستعدون أن ندفع مقابل استعادة أسير على قيد الحياة، آلاف السجناء والأسرى، بل وأكثر من ذلك، يجب أن نحدد قواعد للسلوك عندما يكون واضحا أن أسرانا الموجودين لدى العدو ليسوا على قيد الحياةquot;.
ومضى تيروش يقول إن إسرائيل خرقت حتى القواعد المنصوص عليها في التراث اليهودي بعدم افتداء أسير بأكثر من أسير، حتى لو كانت حياة الأسير في خطر، ويقول عن ذلك إن إسرائيل اعتادت أن تقايض أعدادا كبيرة من الأسرى العرب مقابل أعداد قليلة من الأسرى الإسرائيليين، سواء بسبب كون إسرائيل تحتجز أعدادا هائلة من الأسرى العرب، أم بسبب شعورنا بأن الأسير الإسرائيلي يساوي أضعاف الأسير من الطرف الآخر، وبذلك فقد كانت إسرائيل هي التي حددت هذه المعادلة غير المتساوية لتبادل الأسرى لقبولها بتنفيذ عدة صفقات كهذه حتى عندما يدور الحديث عن جثث جنود قتلى، فهناك خطر لأن تختفي جثث الجنود القتلى كما هو حاصل مع جثة الملاح رون أراد ناهيك عن صعوبة مواجهة والدين لا تزال جثة ولدهما بأيدي العدو.
ويخلص تيروش إلى القول إن على إسرائيل التفكير جديا في سياسة تبادل الأسرى وتحديد قواعد تجيز مبادلة الجثث بالجثث من أجل كسر قواعد اللعبة الحالية من جهة، وأيضا لزيادة جهود الجهة الخاطفة في الحفاظ على حياة الأسرى.
فالمحلل العسكري عوفر شيلح أكد أن أيا من وزراء الحكومة الإسرائيلية لم يكن ليجرؤ على معارضة الصفقة رغم شروطها المجحفة، فهذه الصفقة ستمثل بالنسبة لإسرائيل ليس فقط عودة الجنديين المختطفين، بل إتمام انقطاع الجمهور الإسرائيلي عن الطبقة الحاكمة، فخلافا لأي صفقة سابقة، فإن هذه الصفقة لم تثر أي ردود فعل غاضبة في أوساط الجمهور الإسرائيلي، خلافا لصفقة تينينباوم، أو صفقة أحمد جبريل في الثمانينات.
ويمضي شيلح قائلا: quot;إن الجمهور المتعب والخائب الأمل، والذي يريد أن يضع حرب لبنان خلف ظهره، ليس فقط بسبب ما حدث خلالها، وإنما بسبب فشله في إجبار رئيس الحكومة على دفع الثمن، يؤيد هذه الصفقة. وفي المقابل فإن الحكومة التي خانت واجبها خلال الحرب، لم تعد تسأل ما الذي تحتاجه الدولة، بل تسأل ما الذي يريده الجمهور، حكم يقوده الجمهور ولا يقوم هو بقيادة الجمهور وهذه هي العزلة والانقطاعquot;.
أما الكاتب والأديب، العراقي الأصول، سامي ميخائيلي فيستذكر في مقالة حملت عنوان quot;رأب الصدعquot; المقابلة التي أجريت مع زعيم حزب الله حسن نصر، وتصريح الأخير بأنه لو كان يعرف أن إسرائيل سترد على اختطاف الجنديين بحرب بهذا الحجم، لما أوعز بتنفيذ العملية، ويتساءل ميخائيلي لماذا لا نسمع لغاية اليوم من قيادتنا اعترافا بخطئها وقصورها؟ ويسقط ميخائيلي كل هذا الضعف والوهن الذي يراه ملازما لإسرائيل على طريق إسرائيل منذ حرب العام 67 وتأسيس إسرائيل الكبرى التي امتدت من لبنان في الشمال وحتى سيناء في الجنوب، ما أدى بإسرائيل إلى أن تفقد شيئا فشيئا أجزاء من إمبراطوريتها، بعد أن أخفق جيشها في مواجهة الحجر والمقلاع، والانتفاضات الشعبية والحرب مع الميليشيات، ليصل إلى أن إسرائيل نسيت كيف يجب التفاوض مع أعدائها، ولكن وبالأساس quot; لقد نسينا كيف نتفاوض في ما بينناquot;.
ويخلص ميخائيلي إلى القول إن علينا أن نعمل على افتداء الأسرى والرهائن بطرق غير طرق الحرب والقتال، وهو أمر يجدر بنا محاولة القيام به حتى لا نضطر مرة أخرى لأن نضحي بأبناء كثر من أجل استعادة رفات أبناء عزيزين عليناquot;.
وفي صحيفة quot;يسرائيل هيومquot; دعا الصحافي والمحلل المخضرم، دان مرغليت إلى quot;ضرورة تغيير أحصنة المركبة استعدادا للمفاوضات الصعبة بأضعاف أضعاف المفاوضات مع حزب الله، وهي المفاوضات مع حماس لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
أما الكاتبة المتدينة، أمونة ألون فتقول إن حال إسرائيل اليوم هو في أسوأ حال، فهي منقسمة على نفسها، لي وفق القسمة التقليدية بين اليمين واليسار بل هو انقسام أشد خطرا لأنه انقسام وشرخ بين المنشود والموجود. بين المعرفة والإدراك الواسع بأن كل شيء ليس على ما يرام وبين العجز على ما يبدو، والذي هو في الواقع عدم رغبة في الإصلاح.
quot; فمن الواضح أن على أولمرت أن يستقيل، لكنه لا يقوم بذلك، ومن الواضح أن صفقة تبادل الأسرى يجب ألا تتم لكنها تنفذ، ومن الواضح أنه يجب وقف التدهور الأخلاقي، والاجتماعي، والاقتصادي والبيئي، والأمني والشخصي- ولكن من الذي يملك القوة لفعل ذلكquot;.
quot;إنها دولة تفر من بشارتها، تماما مثل بطلة رواية الأديب دافيد غروسمان،quot;المرأة التي فرت من بشارتها، والتي تدرك أن بشارة الخراب الذي سيحل بها، في الطريق وتقوم مع ذلك بالهروب من البيت إلى مكان لا صحف فيه ولا تلفزيون ولا إذاعة، لكن قلبها يعلم أنه ليس بمقدورها الفرار من وجه القدر، ولذلك تبقي في بيتها أيضا قلبهاquot;.
أما صحيفة هآرتس فقد خصصت افتتاحيتها للحديث عن ضرورة عمل الحكومة الإسرائيلية من أجل إتمام صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس لاستعادة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
وقالت الصحيفة إن الجمهور الإسرائيلي يعرف ما هو الثمن الذي يدفعه لاستعادة الجنديين غولدفاسير وريغف من أسر حزب الله. ومن الواضح الآن للجميع أن عامل الزمن هو عامل مصيري وحاسم ولذلك يجب إطلاق مفاوضات جادة ومكثفة وموضوعية، حتى إذا كان الثمن باهظا، من أجل ضمان عودة الجنود المختطفين، أو بعضهم على الأقل وهم لا يزالون على قيد الحياة.
وانتقدت الصحيفة المماطلة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية في المفاوضات مع حماس، وتدقيقها المفرط في لوائح الأسماء الذين تطالب حماس بإطلاق سراحهم مقابل شاليط،وشبهتها بمدقق الحسابات الذي يقوم بفحص أصغر الفواتير قبل إقرارها، وكأنها تملك كل الوقت في العالم.
وقالت الصحيفة إن محاولات الحكومة تصوير المفاوضات مع حماس في هذا السياق وكأنها تسعى إلى إقرار صفقة سلام شامل، تظهر الحكومة بمن يحاول كسب النقاط وتحسين صورته العامة، مع أن إبرام الصفقة مع حماس ليس تحديا كبيرا فثمنه معروف، وبالتالي فإن الصحيفة تدعو إلى عدم المماطلة حتى لا quot;نصل على وضع يكون فيه مصير شاليط مجهولا، ونضطر الحكومة لمطالبة حماس بعد خمس أو عشر سنوات، بتقديم تقرير عن شاليط كما حدث في ملف أراد.