واشنطن: لم يثر مرشح أميركي للرئاسة هذا القدر من الجدل خلال العشرين عاما الماضية بقدر الجدل الذي أثاره المرشح الديمقراطي السيناتور باراك أوباما. وبات الأميركيون منقسمون بين معسكر مؤيد لأوباما يرى فيه بارقة أمل في غد أفضل وقدرة على تغيير الصورة القبيحة التي خلفتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش على مدار ثماني سنوات لصالح أميركا والعالم، وبين معسكر مضاد يناهض فكرة التغيير التي ينادى بها أوباما ويفضل انتخاب رئيس جمهوري يواصل إلى حد ما بدأه سلفه جورج بوش مع بعض التغييرات في الأساليب وليس في المنهج.

لكن المشهد ليس دائما إما أبيضا أو أسودا وخاصة في اللعبة السياسية، فهناك دائما ألوان متدرجة بين هذين النقيضين تمر عبر اللون الرمادي. فإلى جانب الفريق الأول الذي بلغ الحماس بأعضائه إلى حد الهوس بأفكار أوباما من فرط الإعجاب به لتخلق منهم ما يسمى بظاهرة quot;أوبامانياquot; التي تتعدى حدود الولايات المتحدة لتغزو العالم بأجمع من شرقه إلى غربه، وهناك فريق آخر جمهوري مؤيد لأوباما لم ينشق عن الحزب لكنه يرى أن برنامج المرشح الشاب هو الأصلح لأميركا من برنامج منافسه جون ماكين.

ربما لا يكون في ذلك شيء جديد فليس فرضا أن يصوت كل عضو بأي من الحزبين لصالح مرشح الحزب نفسه، لكن الأمر الملفت للنظر هو أن هؤلاء الجمهوريين المنشقين ndash;أن جاز التعبير- ليسوا أعضاء عاديين في الحزب الجمهوري بل أنهم ينتمون لتيار المحافظين الجدد الذي شكل سياسات الإدارة الأميركية الحالية التي يختلف أوباما معها. فمن هم quot;أوبامانياquot; ومن هم quot;أوباماكونزquot; - ؟

هوس أميركي بأوباما
أوبامانيا . أوبامانيك . أوباماتايز (من الفعل) . كلها تعبيرات ترسم الصورة نفسها لمؤيدي المرشح الأسود التي لم يظهر مثلها في معسكر نظيره الجمهوري، أو على الأقل لم تظهر في عناوين ومانشيتات الصحف الصادرة باللغة الانجليزية أيا كان مصدرها. وبات تعبير quot;أوبامانياquot; شائعا ومتكررا في هذه الصحف على غرار أو quot;استعدوا للموجة الثانية من أوبامانياquot; و أو quot;أوبامانيا تضرب بروكلينquot;.

لم يلتفت هؤلاء المعجبين إلى أن اسمه الأول أوباما هو على نفس وزن أسامة الاسم الأول للمطلوب رقم (1) في العالم زعيم تنظيم القاعدة كما ذكر تقرير نشر على موقع هيئة الإذاعة البريطانية quot;بى بى سىquot; .

لكن كيف يعرف الأميركيون هذا المصطلح الجديد الذي أضيف إلى قاموس اللغة؟ هو الهوس الوطني بالسناتور باراك أوباما هكذا قال أحد الأشخاص على موقع مضيفا quot;ذق نكهة التغيير . ذق أوبامانياquot; . ! ، بينما قال آخر إن من يطلق عليهم أوبامانيانز لديهم إيمان أعمى بالمرشح الشاب ويرون الولايات المتحدة في أغلب الأحوال مكانا رهيبا غارقا في المشكلات بينما بقية دول العالم أفضل منه واصفا أوباما بـ quot;جورج بوش اشتراكيquot;.

الأميركيون يتابعون وبشغف صولات وجولات المرشحين المنخرطين في معركة انتخابية حامية للفوز بأصوات الناخبين في وقت يتزايد فيه الجدل حول وضع الاقتصاد الأميركي والسياسة الخارجية. ولما كان المواطن الأميركي كغيره في أي بلد آخر يهمه في المقام الأول أن يعيش حياة كريمة فإن الاقتصاد يصبح له الأولوية خاصة بعد الأزمات الاقتصادية المتلاحقة من أزمة ائتمان ورهن عقاري وإفلاس وبطالة ومؤشرات قوية على حدوث ركود اقتصادي هذا العام. وفى هذا الصدد، ظهر تعبير quot;أوبامانوميكسquot; الذي يشجع ويروج لسياسات أوباما الاقتصادية.

أما السياسة الخارجية فبقيت كالعادة لمتابعي سير الحملة الانتخابية من خارج الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط والصين وآسيا وإفريقيا أيضا. ولم لا والبيت الأبيض يتحكم في مصائر شعوب كثيرة ويرغم البعض الآخر على الانصياع لأوامره ويهدد من يرفض ويتمرد عليه؟.

مواطن عالمي ودعم فرنسي
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وبقاء الولايات المتحدة قطبا متفرداً يتحكم في العالم وكل رئيس أميركي يصبح بمثابة مواطن عالمي تتابعه شعوب العالم وتختار فيما بينها المرشح الأفضل الذي يبنى تحالفات دولية ولا يتفرد بالقرار فيما يبقى التصويت قاصراً على الشعب الأميركي.

ولذلك تناقلت وسائل الإعلام صورا لبعض الألمان في العاصمة برلين وهم يرتدون تى شيرت تحمل صورة أوباما تأييدا له كما أعلن الوزير الألماني السابق كارستن فوجت أن ألمانيا هي أوبامالاند فيما حذرت صحيفة quot;فرانكفورتر ألجماينهquot; الألمانية اليمينية مؤيدي أوباما في أوروبا من الإعلاء من سقف التوقعات وتشبيهه بمنقذ البشرية وكأنه المسيح السياسي.

ومن ألمانيا إلى ايطاليا حيث تقدم إحدى مطاعم روما بيتزا أوباما بزيت الزيتون وشرائح الأناناس. وحتى في بوندى بيتش في سيدنى بأستراليا ترسم مجموعات من المواطنين على رمال الشاطئ خريطة الولايات المتحدة الأميركية ثم يتبادر سؤال ملح على ذهنهم . هل يفعلها أوباما العنصر المفاجئ ورمز التغيير والالهام ليثبت أنه من الممكن أن تحيى أميركا التي تأسست على أفكار عصر التنوير في أوروبا مبادئها من جديد لتنهض من كبوتها؟

لكن الحماس الأوروبي الأقوى لأوباما لم يأت سوى من فرنسا خصم الأمس وصديق اليوم كما جاء في صحيفة quot;لو موندquot; الفرنسية أو quot;أوبامانيا تكتسح فرنساquot;، فما هو حجم شعبية أوباما في بلد النور التي تنتمي لأوروبا . القارة العجوز كما قال عنها البيت الأبيض في عهد بوش؟

فى هذا التحقيق الذي رصدت فيه الصحيفة ظاهرة أوبامانيا في فرنسا، نقلت عن إحدى أساتذة العلوم السياسية الأميركية الفرنسية قولها quot;طلابي الفرنسيين معجبون جدا بالظاهرة. وهم يقولون كم أنه عظيم أن يكون لديكم سياسيون من هذه النوعية . أنهم يشعرون بالغيرةquot;.

صاموئيل سولفيت وجد أن انتخابات الرئاسة الأميركية تهم كوكب الأرض كله وتهم فرنسا وأن الوقت الحالي حرج للغاية ويمثل وقفة تاريخية لهذا فهو متحمس لأوباما الذي سيجلب الأمل لانفتاحه على العالم. وعلى هذا الأساس أنشأ سولفيت اللجنة الفرنسية لدعم أوباما eacute; ccedil; agrave; في يناير الماضي. اللجنة لديها موقع اليكتروني على شبكة الانترنت الذي يقدم متابعة يومية لأخبار الانتخابات الأميركية مدعمة بشهادات وروابط اليكترونية لمواقع ومدونات ومجموعات مؤيدة لأوباما على شبكات مختلفة وأشهرها موقع فيس بوك .

يمكنك أن تقرأ على الصفحة الرئيسية للموقع سببا وجيها لدعم أوباما وهو quot;نحن نؤيد أوباما لأنه يمثل أميركا التي نحبهاquot; . وتضم اللجنة رئيسة الوزراء الفرنسية السابقة ايديت كريسون.

أوباماكونز . والانشقاق الجمهوري
منذ أيام قليلة نشرت مجلة quot;ذا ناشونال ريبابليكquot; المعروفة بتوجهاتها الليبرالية مقالا كتبه المؤرخ بروس بارتلت عن أوباما بعنوان أو الرجل المناسب يرصد فيه تنامى تأييد بعض وجوه المحافظين الجدد للمرشح الشاب وأبرزهم أندرو سوليفان وفرانسيس فوكوياما وديفيد فريدمان ودوجلاس كميك وجيفرى هارت كاتب الخطب للرئيس السابق رونالد ريجان وأندرو باكيفيتش وويك أليسون.

يقول بارتلت في مقاله إن هذا التأييد بدأ منذ أن نشرت مجلة quot;ذا نيويوركرquot; العام الماضي بروفايل عن سناتور الينوى بدا فيه وكأنه يميل لليمين لدعمه الاستقرار والاستمرارية بشكل جعل محاورته لاريسا ماك فورجوهار تعتقد أن أوباما يتفق مع ادموند بورك . وقالت أنه برؤيته للتاريخ واحترامه للتقاليد وشكوكه في إمكانية تغيير العالم بأي طريقة سوى أن تكون بطيئة للغاية فإن أوباما يبدو محافظا جداquot;.

كثير من الجمهوريين وعلى رغم ضيقهم بسياسات جورج بوش لم يتحولوا للمعسكر الديمقراطي والدليل كما يقول بارتلت في مقالته أن هؤلاء لم يحدثوا انقلابا على الإدارة الجمهورية عندما سنحت لهم الفرصة وأعادوا انتخاب بوش لولاية ثانية. فما هو السر وراء تأييد أوباما هذه المرة والتخلي عن ماكين؟ السبب يرجع إلى الاعتقاد بأن أوباما هو الأقدر على تمثيل أهداف الحركة المحافظة.

لكن يبدو أن حركة أوباماكونز لم تستطع بعد أن تجذب الأنظار على الأقل وقت كتابة المقال كما يبدو موقعها الاليكتروني ضعيفا للغاية إذ حرصت العديد من وسائل الإعلام على نقله لاحقا بعد أن لمس الكاتب بنفسه عدم شعور معسكر أوباما بشعبيته المتزايدة في أوساط المحافظين الجدد الذين ينتمي أغلبيتهم إلى الجناح التحرري ، كما دخلت صحيفة quot;واشنطن تايمزquot; الموالية للمحافظين الجدد على خط المعركة لتنفى وجود تيار أوباماكونز.

فوكوياما الذي يعد من منظري تيار المحافظين الجدد قال في حوار لصحيفة أسترالية مؤخرا أنه سيصوت لأوباما لمحاسبة الحزب الجمهوري على الفشل الكبير لسياسته في العراق نظرا لأن المرشح الشاب كما يراه فوكوياما يملك أفضل طرق لحماية السلطة الأميركية فهو يرمز لقدرة الولايات المتحدة على تجديد نفسها بطريقة غير متوقعة.

بيجى نونان كتبت مؤخرا مقالا بصحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; اليمينية قالت فيه إن ماكين يعبر عن أميركا القديمة بينما يعبر أوباما عن أميركا الجديدة. وأضافت أن أميركا تنظر دائما للأمام وليس للوراء أي أنها دائمة البحث عن الدماء الجديدة لتلقى بالمرهقين .

ولا تقتصر القائمة على هذه الوجوه المحافظة فقط بل تمتد لتشمل جولى نيكسون أيزنهاور ابنة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون والمتزوجة من حفيد الرئيس أيزنهاور. وقد تبرعت بحوالي 2300 دولار لحملة أوباما كما نقلت صحيفة quot;التايمزquot; البريطانية اليمينية.

ومن المتوقع أن تقوى شوكة هذه المجموعة الوسطى التي تنتمي للمعسكر الجمهوري لكنها تفضل المرشح الديمقراطي ومنها السناتور الجمهوري تشاك هاجل عن ولاية نبراسكا . فهل يمكن أن يوصل الأوباماكونز المرشح الشاب إلى البيت الأبيض ليقود المصالحة مع العالم؟