زكية عبدالنبي من الرباط:ازدحام شديد في السوق الشعبي "باب الاحد" في الرباط حوالي الساعة السادسة والنصف مساء وقت الذروة..

الكل يتهافت على شراء برامج اعلامية واقراص مدمجة وأحدث الافلام والتسجيلات الغنائية بثمن بخس يتراوح ما بين ثلاثة دراهم كحد أدنى وفي احسن الاحوال عشرة دراهم (نحو 1.10 دولار).

وقف رجل بحقيبة في يده يسأل عن فيلم "فهرنهايت" لمخرجه الامريكي مايكل مور وبسرعة أمده البائع بالفيلم. قال البائع الذي رفض الاشارة الى اسمه خوفا من الملاحقة القانونية "هذا الشريط الى جانب اشرطة لريدلي سكوت... واخرى غنائية لجينفر لوبيز ...هي الاكثر مبيعا."

وعلق محمد السفياني وهو استاذ جامعي اشترى أكثر من عشرة اقراص لافلام متعددة ورسوم متحركة قائلا انه يشتري كمية كبيرة منها يتفرج عليها هو واطفاله.

قال "ليس فقط لان الاشرطة الاصلية باهضة الثمن.. بل يصعب الحصول عليها في أغلب الاحيان او يجب انتظار سفر احد الاقارب او الاصدقاء لدولة اوروبية أو غربية."

قام المغرب في مارس اذار الماضي بوضع خطة في"اليوم التأملي" حول ظاهرة القرصنة الفنية التي تشمل البرامج الاعلامية وبطاقات استقبال البث التلفزيوني عبر الاقمار الصناعية والاقراص المدمجة واقراص الفيديو والاشرطة والملابس.

ومن بين اهداف الخطة تشديد العقوبات الجنائية والمدنية وانشاء فرقة امنية متخصصة في محاربة القرصنة بشراكة بين وزارة العدل ووزارة الداخلية من اجل تبسيط الاجراءات وتطبيق القانون.

وتقول الارقام الرسمية ان ما بين 400 و600 الف قرص مدمج منسوخ بطريقة غير قانونية يوزع في المغرب اسبوعيا.

وصنف يوم وطني مغربي حول ظاهرة القرصنة مؤخرا المغرب على رأس الدول التي تستفحل فيها ظاهرة القرصنة بنسبة 94 بالمئة وتأتي في المرتبة الثانية بعد البرازيل.

وتعد نسبة القرصنة في المغرب الاعلى في افريقيا والشرق الاوسط.

ويقول المسؤولون ان القرصنة تؤثر على الاقتصاد وعلى فرص الاستثمار والمقاولات الصغرى والمتوسطة وعلى الابداع المغربي.

وقال عبدالله الودغيري مدير المكتب المغربي لحقوق المؤلفين وهو هيئة حكومية لرويترز "القرصنة تؤثر على الاقتصاد المغربي بشكل فظيع ناهيك عن فرص الشغل لان لا احد يريد الاستثمار في بلد يعرف تنامي ظاهرة القرصنة."

وقال ان القرصنة "تكلف المغرب خسائر أكثر من ملياري درهم سنويا (نحو 224 مليون دولار) هي عبارة عن ضرائب ورسوم لا تدخل خزينة الدولة."

واضاف "لكنني اظن ان المبلغ اكبر بكثير اذا اخذنا بعين الاعتبار مبالغ مالية اخرى غير محسوبة كحقوق التأليف التي لا تقدر بثمن."

وتعهدت الحكومة المغربية في وقت سابق بجعل 2005 سنة لمحاربة القرصنة.

وقامت السلطات المغربية مؤخرا بمداهمة عدد من الورش والشقق في مختلف المدن المغربية التي تقوم باعمال القرصنة وحجزت الاف الاقراص والات النسخ.

ويقول الودغيري ان القرصنة في المغرب تنشط في منطقة الشمال (طنجة وتطوان) والوسط (الدار البيضاء) والشمال الشرقي (فاس ومكناس ووجدة).

واضاف "هناك 13 معملا مرخصا و260 شركة انتاج قانونية .. اما شبكات القرصنة فهي كالاخطبوط وتنشط في الخفاء في شقق ومعامل تحت الارض."

لكن الاشكال القائم هو عدم وجود قوانين صارمة لزجر المخالفين او بالاحرى عدم تفعيلها.

ويقول الودغيري انه تم الاتفاق مع عدة قطاعات حكومية على خلق لجنة مكلفة بمحاربة القرصنة "لان محاربة هذه الظاهرة ليست من اختصاص مكتب حقوق المؤلفين (التابع لوزارة الاتصال المغربية) فحسب ولكن عددا من القطاعات الحكومية."

واضاف ان"القوانين الموجودة حاليا تحدد مبالغ هزيلة تبلغ عشرة الاف درهم في المتوسط (نحو 1100 دولار) وهذا غير كاف حيث يجني القراصنة مبالغ طائلة."

من جهته قال المحامي محمد هلال لرويترز "المغرب لا يتوفر على قانون زجري يمكن ان نحمي به المؤلفين وهو ما يهدد بافلاس عدد كبير منهم."

واضاف "يجب اقرار عقوبات حبس بالاضافة الى الغرامات المالية لردع المخالفين."

اما على الصعيد الدولي فالمغرب من بين الدول التي صادقت على عدد من الاتفاقيات في مجال الملكية الفكرية كاتفاقية "بيرن" لحماية المصنفات الادبية والفنية في سبتمبر ايلول 1886 والاتفاقية العالمية لحق المؤلف سنة 1952 ومعاهدة الويبو بشأن حقوق المؤلف سنة 1996 .

ويرى عدد من المراقبين ان القرصنة كانت وراء افلاس العديد من شركات الانتاج واغلاق عدد من القاعات السينمائية.

وتشير الاحصائيات الى أن عدد القاعات السينمائية في الخمسينيات من القرن الماضي في المغرب بلغ 500 قاعة وانخفض العدد الى 270 في التسعينيات بينما لا يتجاوز المائة حاليا.

وتساهم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لعدد من الشباب المغربي خاصة في ظل ارتفاع نسبة البطالة في تنامي ظاهرة القرصنة.

يقول شاب قدم نفسه باسمه الاول فقط محمد (25 سنة) وهو خريج جامعي ان امتلاكه لدكان في سوق "باب الاحد" لبيع الالات الالكترونية والاقراص المدمجة غير القانونية "لسبب بسيط جدا فلا اريد ان انضم الى قافلة الطلبة العاطلين المحتجين يوميا في شوارع الرباط والذين لا يسلمون من هراوات رجال الشرطة."

واضاف"اذا كانوا يريدون محاربة القرصنة فليعطونا البديل ماذا سنفعل..هذا هراء..لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله."

ويقول الودغيري ان من بين اهداف الخطة الوطنية لمحاربة القرصنة"ايجاد حلول اجتماعية بديلة منها منح قروض للشباب ومساعدتهم لخلق "اكشاك نموذجية تباع فيها الاقراص والاشرطة بطريقة مشروعة."

(الدولار يساوي 9.08 درهم مغربي)