مصطفى الكاظمي
مدير مشروع التاريخ
الشفهي المصور
أسامة مهدي من لندن: تباشر مؤسسة الذاكرة العراقية ابتداء من يوم غد الاربعاء عرض شهادات حية لعشرات العراقيين ممن كانوا ضحايا ممارسات النظام العراقي السابق وخريجي سجونه ومعتقلاته الرهيبة بينهم من انقذتهم معجزات من بين قبور جماعية .وقال مصطفى الكاظمي مدير مشروع التاريخ الشفهي المصور في المؤسسة التي يتراسها البروفيسور والكاتب العراقي المعروف كنعان مكية والتي تنفذ برامج كلفتها مائة مليون دولار انها ستبدأ في السابعة من مساء الاربعاء بتوقيت غرينتش وعلى مدى عام كامل من على شاشة "العراقية" الفضائية تقديم شهادات لعشرات العراقيين من خريجي سجون ومعتقلات النظام بينهم ناجون من مقابر جماعية عن الاضطهاد والتعذيب حيث سيعرضون بالوثائق والشهادات الظروف الماساوية التي عاشوها في تلك السنوات .. واشار الى ان المؤسسة سجلت مع كل واحد من الضحايا ثمان ساعات من الشهادات لكنها ستكتفي بعرض الاهم منها لتبقى التسجيلات كاملة في متحف المؤسسة الي اتخذت من ساحة الاحتفالات الكبرى في قلب العاصمة العراقية مقرا لها لتنشيء هناك متاحف واقسام ارشيف بالتعاون مع شركات عالمية تحتوي على ملايين الوثائق بهدف التذكير بجرائم النظام الذي حكم العراق على مدى 35 عاما .

وعن ابرز الشهادات التي ستقدمها المؤسسة اشار الكاظمي الى انها شهادة عراقي شارك في انتفاضة الجنوب العراقي في اذار (مارس) عام 1991 يشرح فيها كيفية اعتقاله مع 40 شخصا اخرين بينهم اثنين من اخوته وعمه حكم عليهم النظام السابق بالاعدام فاقتيدوا جميعا الى منطقة تقع على الطريق الرابطة بين بغداد وكربلاء وهناك نفذ رجال امن ومخابرات النظام الاعدام فيهم رميا بالرصاص ثم اهالوا عليهم التراب .. لكنه فاق بعد وقت قليل برغم اصابته الخطيرة واستطاع الخروج من القبر الجماعي حيث تصادف مرور اشخاص حينه تمكنوا من نقله ومعالجته .. لكن القدر الذي ساعد على انقاذ الرجل كان له بالمرصاد بعد 14 عاما حيث قتل بعد ايام من تسجيل شهادته وتصوير جسده وعليه اثار الرصاص الذي استخرج منه .. فقد ذهب مؤخرا ضحية كمين نصبه ارهابيون مسلحون لراكبي سيارة كان احدهم في منطقة اللطيفية جنوب بغداد والتي تعرف ب"مثلث الموت" . واضاف ان الشهادات التي ستقدم تحكي هول ماواجهه عراقيون كانوا اقرب الى الموت منهم الى شيء اخر وهم ينتظرون الصعودالى اعواد المشانق او تلقي رصاصات الاعدام او الموت تحت يد جلاد متخصص قد احترف مهنة التعذيب .

اهداف مشروع الذاكرة العراقية

لوحة للفنان فيصل لعيبي تؤرخ لمآسي عائلات الضحايا العراقيين والمحفوظة لدى مؤسسة الذاكرة
وحول اهداف مشروع مؤسسة الذاكرة العراقية يقول الكاظمي انها ترمي الى صناعة ثقافة اجتماعية تتبنى السلام والتسامح وقيم الديمقراطية بشكل يدخل في تركيبة الفرد العقلية بحيث تصبح مفاهيم التعايش ونبذ العنف وسياسة الانتقام جزءاً من ثقافته العامة ومرتكزاً ثابتاً في مكونه الفكري موضحا انه لذلك يعتبر هذا المشروع عملاً تأسيسياً لنهضة ثقافية "نريد ان ننشرها في الارض العراقية خاصة والشرق الاوسط عموماً بحيث تعطي نتائجها بصورة جذرية متأصلة في الوجدان العراقي وذلك من خلال تحويل القسوة التي مرت على الفرد العراقي طوال فترة حكم نظام البعث الى عامل رفض لكل أشكال القسوة وبناء إنسان يعيش هدف محوها من الحاضر والمستقبل". وقال ان المؤسسة ستؤمن للشعب العراقي وشعوب العالم مشاهد عن اعمال داخلية لمؤسسات البعث القمعية والهيمنة الاجتماعية التي سيطرت على مناحي حياة العراقيين بين 1968عامي و 2003 منذ استلامالبعث للسلطة في العراق الى رحيله عنه .

واشار الى ان رئاسة الوزراء سبق ان وافقت في اب (اغسطس) من العام الماضي على قيام هذه المؤسسة بالمهمة التوثيقية الوطنية والانسانية المطلوبة من خلال جمع كافة الوثائق المتعلقة بالاساءة التي اقترفها النظام السابق بحق الوطن والمواطن عبر تسجيل الشهادات الحية من الذين عايشوا الظلم ومن خلال المحافظة على الناتج الفني العراقي في تلك الفترة سواء منه الذي يشكل مقاومة لممارسات النظام او الذي كان تكريسا لسطوته من خلال اقامة صرح وطني يجمع بين المقومات وسط العاصمة بغداد في موقع ساحة الاحتفالات الكبرى في جانب الكرخ ليشكل معلما من معالمها ومركزا مفتوحا امام جميع المواطنين على ان يكون هذا الصرح وقفا وطنيا وان يكون لمؤسسة الذاكرة العراقية دور الالتزام بالاعداد والتصميم والتنفيذ والاداء وذلك بعد ان كان مجلس الحكم المنحل قد فاتح امانة بغداد قبلها بتخصيص ساحة الاحتفالات الكبرى لمؤسسة الذاكرة العراقية لتنفيذ مشروعها الاستذكاري الذي سيكون معلما ضخما من معالم العراق الحديث .

واشار الى ان مؤسسة ذاكرة العرق كانت عرضت في مكتبة الكونغرس في واشنطن حوالي 11 مليون صفحة لوثائق من حزب البعث وأجهزة الأمن التي كانت تابعة لصدام . وتتحدث حوالي 2.4 مليون صفحة جمعتها المؤسسة عن الأعمال الأسوأ التي جرت في شمال العراق بما في ذلك معاملة صدام الوحشية للأقلية الكردية في الثمانينات من القرن الماضي حيث كتب على غلاف أحد الملفات عنوان "القرى التي أبيدت" ويحتوي الملف على أسماء آلاف القرى الكردية التي دمرت وتواريخ تدميرها أثناء محاولة صدام ضرب المعارضة الكردية مبينا ان واحدة من الوثائق التي صدرت في 1998 تقول "أن طائرتنا قصفت مدينة سيوان وبلكجار بالأسلحة الكيميائية" في إشارة إلى حملة "الأنفال" التي شنها صدام على الشمال العراقي وقال أن الوثائق التي جمعتها المؤسسة لا تشكل سوى جزء صغير من الوثائق المتعلقة بوحشية نظام صدام حيث يزال معظم تلك الوثائق في أيدي التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أطاح بنظام صدام .

واضاف الكاظمي ان المؤسسة تقوم كذلك بجمع تسجيلات على أشرطة الفيديو لحزب البعث وقال أن "النظام كان يجب تسجيل العديد من الأحداث والفعاليات العامة والاجتماعات الخاصة وعمليات التعذيب على أشرطة فيديو .. ونحن نجمع أشرطة مزعجة" . واوضح ان المشروع الطموح وضع أرشيف ومتحف للذكرى ومجموعة من الشهادات الشفوية والمؤسسة تحرص على الاطلاع على مشاريع مشابهة في بلدان أخرى وزار ممثلون منها العام الماضي أرشيف برلين حول الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية السابقة والذي لعب دوراً كبيراً في نشر الوعي بالطرق التي كانت يتبعها النظام القمعي السابق في ألمانيا الشرقية قبل أن يتم توحيدها مع ألمانيا الغربية في 1989 .

قسم من وثائق البعث
التي تحفظها مؤسسة الذاكرة العراقية
واشار الى ان المؤسسة قامت كذلك بجمع الأعمال التي كتبها فنانون معارضن ومنفيون في فترة حكم صدام كذلك الدعاية التي كانت تقوم بها الحكومة منذ تلك الفترة ، لتكون تلك الأعمال بذرة لعملية جمع الفنون بشكل دائم في الموقع الذي سيقع فيه بناء النصب في بغداد اضافة الى النشاطات الأخرى المهمة التي تقوم بها المؤسسة ومنها مشروع التاريخ الشفوي الذي يعتمد على جميع شهادات ضحايا القطاعات التي ارتكبت في عهد صدام حيث تم تسجيل أكثر من أربعين مقابلة حتى الآن تأمل المؤسسة في بثها على شاشات التلفزيون في الشرق الأوسط .

انشاء المؤسسة

وقد تم إنشاء مؤسسة الذاكرة العراقية في عام 2003 كامتداد طبيعي للعمل الذي بدأه الباحث والمؤلف (كنعان مكية) في عام 1992 الذي قام بحفظ سجلات حزب البعث العربي العراقي وتحليلها من خلال إنشاءه (مشروع التوثيق والبحث العراقي TRDP) ضمن مركز الدراسات الشرق الأوسطية المرتبط بجامعة هارفارد ، حيث بدأ العمل مع وثائق تم العثور عليها خلال الانتفاضة التي أعقبت حرب الخليج الثانية في 1991م . وبعد تحرير العراق في 2003 انتقل مشروع التوثيق والبحث العراقي إلى بغداد حيث أصبح نواة مؤسسة عراقية جديدة هي (مؤسسة الذاكرة العراقية) التي وسعت مهمتها لتشمل توثيق كافة حقائق التجربة العراقية تحت الحكم الدكتاتوري الذي امتد ما بين 1968 إلى 2003 .

وتنحو المؤسسة منحىً إنسانياً ثقافياً بغض النظر عن الدين أو العرق أو المذهب . وفي عام 2003 قرر مجلس الحكم ومن بعده الحكومة المؤقتة تخصيص ساحة الاحتفالات لإقامة صرح وطني وتم التوقيع على تأجيرها لمدة (49) سنة وأن المؤسسة ستقيم عليه أكبر متحف ومكتبة في الشرق أوسط لعرض مجموعة كبيرة من الوثائق والأفلام لاطلاع الشعب العراقي على تلك الوثائق والأفلام . وقام بعض مدراء المؤسسة بزيارة المؤسسات المشابهة كمعهد التذكير الوطني في وارسو وأرشيف بودابست كذلك في جنوب أفريقيا وكثير من تلك المتاحف . وتقوم المؤسسة حالياً بحفظ ملايين الوثائق كما تقوم بمشروع التاريخ الشفهي المصور حيث تم تصوير عشرات الشهادات التي ادلى بها عراقيون في المنفى وفي داخل العراق .

ويدير المؤسسة أساتذة اختصاصيون في هذا المجال ومثقفون وكتاب وفنانون من المعارضين للنظام السابق لهم بحوث كثيرة في مجال معارضة النظام وفضح أساليبه ونواياه

مشروع التاريخ الشفهي المصور

مخلفات البعث العراقي تؤرخ ممارساته الرهيبة في ذاكرة الاجيال العراقية
يوضح مصطفى الكاظمي ان مشروع التاريخ الشفهي المصور في مؤسسة الذاكرة العراقية الذي يديره يعمل على تسجيل الشهادات مباشرة من ضحايا نظام البعث في العراق خلال الفترة 1968 – 2003 ، بصرف النظر عن الانتماء القومي والمذهبي والأيديولوجي.

ويقول ان الضحية هو كل عراقي وعراقية تعرض بشكل مباشر للقسوة والاضطهاد والمضايقة من قبل نظام حزب البعث أو تضرر بشكل غير مباشر نتيجة تعرض أقربائه أو معارفه لتلك الممارسات. ويشير الى ان المؤسسة تسعى إلى تعزيز الإمان بفردية وقدسية الإنسان العراقي بغية الوصول إلى اعتراف اجتماعي لحجم هذه المعاناة. مجموع هذه الشهادات، رواية تلو الرواية، تظهر قصة العراق بعيدا ً عن الأيديولوجية وتساهم في غرس ثقافة التسامح ونبذ كافة أنواع العنف وسياسات الانتقام.

وقال ان مهمة مهمة التاريخ الشفهي المصور تتطلب السير وفق سياق منسجم تتلخص مهامه في الخطوات التالية:

.. القيام بعمل بحث دقيق يستقصي الضحايا في مختلف مناطق العراق.

.. دراسة الوثائق التي يقدمها الضحايا والتأكد من صحتها كوثيقة سليمة لا تشوبها شائبة.

.. تسجيل مباشر لشهادات الضحايا بالصوت والصورة، مع الإشارة إلى أن الشهادة الواحدة تستغرق وقتا ً طويلا ً من الإعداد والتمهيد، إضافة إلى أن وقت التسجيل يستمر لساعات طويلة، وأحيانا ً لعدة أيام حتى يتم استكمال الشهادة الواحدة.

.. الحصول على وثائق وصور ومتعلقات الضحايا الشخصية، لتكون في المستقبل مادة متحف الذاكرة العراقية المزمع تأسيسه في بغداد.

.. تدوين نصوص الشهادات وتوثيقها وأرشفتها ضمن منهجية شاملة حديثة، لتكون جاهزة في مجالات البحث كمصدر من مصادر البحث العلمي.

..إنتاج أفلام للضحايا وفق مواصفات فنية حديثة.

.. كتابة دراسات تستند على شهادات الضحايا، بطريقة علمية محايدة.

.. يلتزم منهج الحياد العلمي، وذلك كجزء من الخط العام والثابت للمؤسسة، وهو يحرص على تسجيل الشهادات بطريقة وثائقية دقيقة، من أجل أن تكون مصدرا ً من مصادر التاريخ العراقي، توضع تحت تصرف الباحثين والمختصين، إلى جانب تحقيق أهداف المؤسسة في منع تكرار ما حدث، وصناعة ثقافة الإنسان الذي يحترم الإنسان.

مشروع الاعمال الفنية

اما مشروع الأعمال الفنية في مؤسسة الذاكرة العراقية يقول الكاظمي فانه ينطلق من رؤية ثابتة بأن ماحدث في العراق خلال الفترة بين عامي 1968و 2003، ترك بصماته السلبية على الفن والذوق العراقي فقد أريد شطب جمالية الفن العراقي، واستبدالها بنمط غريب يتحرك بقرار سلطوي، وقد تراجع نتيجة ذلك دور الفن العراقي الحر، وتناثرت أعمال الفنانين العراقيين في دول مختلفة، ومن هنا كان لا بد من العمل على إعادة الروح الى الفن العراقي وإعطاء الفنان دوره الحقيقي.

واضاف مصطفى الكاظمي ان مشروع الاعمال الفنية يتضمن صورا من آراء من معاني مزدوجة ولغة مشفرة، موضوعة باحتجاج مهذب للذين عاشوا وعملوا تحت ظل النظام حيث سيجمع المشروع الدعاية، سيجمع الاعمال الفنية الممنوعة التي هي من انتاج الفنانين العراقيين والتي تعكس صورة الحياة تحت حكم البعث، المدى الكامل لردود الفعل الثقافية تجاه النظام ,التعاون، الاحتجاج، التعايش والتكيف وقال ان هذه الاتهامات سوف تجمع في مجموعة دائمة تمثل مدى واسع من الفن المرئي والتعبيري بضمنها الكتب والاغاني والافلام وبرامج التلفزيون واعمال الفنون الجميلة الاخرى .