يعود اليوم ملايين الطلاب في العالم العربي إلى مقاعد الدراسة بعد عطلة الصيف. وتتجه الانظار صوب مناهج التعليم في الاقطار العربية التي لم تصل بعد إلى معظمها ريح التحديث منذ عشرات السنوات، وماتحتويه هذه المناهج من تحريض على كره الآخر واهتمامها بالتاريخ وإن كان غير منصف، والتغني به إلى حد نسيان الحاضر والتطورات التي طرأت في العالم اقتصاديا وسياسيا ومعرفيا. فما زال الطالب غير المسلم في عدد من الاقطار العربية يجد نفسه مجبرأ على مغادرة قاعة درس التربية الدينية لتلاحقه عبارة امتحانية تقول (يجيب غير المسلمين على جميع اسئلة النحو العربي) بسبب اعفائهم من امتحان التربية الدينية، رغم أن المدارس التي يتلقى العلم فيها غير دينية، وحرة من حيث تسميتها. ومازال هذا الطالب غير المسلم ، مسيحيا كان أم يهوديا يقرأ الشتائم العنصرية في مادة التاريخ ضد (الصليبيين واليهود) باعتبارهم اعداءً أزليين للعرب والمسلمين ، وعليه ان يحفظ ذلك ويجيب به أمام استاذه وزملائه، ومثله أبناء طوائف المسلمين من غير الطائفة الحاكمة التي تصر على انها الفرقة الناجية والصادقة إسلاميا. ناهيك بتحول المدارس الابتدائية في هذه الاقطار الى مفاقس للمذهبية يقودها المعلمون بقصد او بسذاجة ، بعيدا عن اي رقابة حكومية (بقصد او بدونه أيضا) كما في بعض دول الخليج والعراق. وقد شهدنا ماتعرض له الدكتور أحمد البغدادي في دولة الكويت من حملات تكفير وتهديد لمجرد أنه طلب التقليل من دروس التربية الدينية في المدارس الخاصة وزيادة دروس تعليم الموسيقى أو اللغات الاجنبية.

اقرأ أيضا:

التعليم في لبنان رائد عربيا رغم كثرة ثغراته


بهية مارديني من دمشق: السوريون مشغولون كثيرا هذه
الايام...الزيارات محورها الوحيد افتتاح العام الدراسي المقرر في ايلول بعد حوالي اسبوعين...مع مايعني ذلك من ايذان بانتهاء اشهر الراحة الصيفية للعودة الى شد الاعصاب والى تدبير الامور لان شهر المدارس "لايرحم احدا " كما كانت اجازة الصيف مكلفة وعبأ كبيرا على العائلات السورية.

فالسوريون، الذين يتمتعون بنسبة ولادات عالية، على موعد كل عام مع هموم تبدأ ولاتنتهي من تأمين مستلزمات العام الدراسي والتسجيل في المدارس بعد اختيارها على اساس القرب او البعد من البيت وحبذا لو تكون مؤمنة بمواصلات لان ازدحام الشتاء لايطاق والاباء لايأمنون على ابنائهم الصغار من الوصول في الاوقات المناسبة لبدء الدوام.
وجاءت "موضة" المدارس الخاصة ومدارس اللغات ذات التكاليف المرتفعة والتي لم تكن منتشرة بكثرة فيما مضى لتزيد الاعباء اعباء، وبات السوري يسمع ارقام لرسوم التسجيل في المدارس لم يعتد عليها في ظل ما يقال عن سياسة التعليم المجانية.
منى صيدلانية وزوجها صيدلاني ايضا شابان ناجحان ولكن افتتاح المدارس يرهقاهما وتقول منى لااريد التذكر كم ندفع ولكن اصبحت المدارس الخاصة اهم من الطعام والشراب لان ابنائي الاثنين يتعلمان اللغتين الفرنسية والانكليزية دون حاجة للدروس في المنزل ولكن هذا يكلفني اكثر من 5000 دولار وسطيا وهو مبلغ كبير استنادا الى دخلنا رغم انه جيد بالنسبة للمواطن السوري العادي.
ومع العام الدراسي الجديد بات السوريون يترقبون مساعدة حكومية على غرار ماحدث سابقا عندما تبرعت الدولة بثمن اللباس المدرسي الموحد تخفيفا عن اعباء العائلات "المستورة "والتي باتت تكاليف الحياة تشكل ضغطا كبيرا.

عدد طلاب المدارس السوريين يعدون بالملايين في مراحل التعليم الاساسي والثانوي والمهني والشرعي والنسوي وتخصصات فرعية اخرى كثيرة قاسمها الكبير هو المتاعب المادية وزاد عليها في السنوات الاخيرة خيبة الامل جراء البطالة المتزايدة والتي تجعل من الدراسة لتوفير فرصة عمل ضربا من العبث في ظل بطالة عالية تصل حسب التقديرات الرسمية الى حوالي "20"بالمائة من قوة اليد العاملة معظمهم من الشباب وخريجي الجامعات الذين يحلمون بفرصة عمل تتلائم مع تخصصهم العلمي الذي درسوا سنوات طويلة من اجله.

المدارس الخاصة بدوره شحذت ماكينتها الاعلامية وبدأت الترويج للدراسة على مقاعدها عبر الاعلانات وهي مقاعد تخص "البطرانين" فقط من السوريين كما يعتقد الكثيرين لان اقساط بعض المدارس خيالية وتصل في حالات معينة الى اكثر من ثلاثة الاف دولار "متوسط دخل الفرد السوري حوالي 1000"دولار سنويا اما بقية المدارس الخاصة فان اجورها مقبولة نوعا ما ولكن ليس على دخول السوريين الذين لايستطع أي موظف عادي منهم ادخال ولدين معا الى مدرسة خاصة.

وما يخفف من وطأة المدارس الخاصة هو ان التعليم العام ليس اقل جودة من التعليم الخاص بدليل ان معظم المتفوقين في الشهادتين الاعدادية والثانوية يدرسون في مدارس عامة تشرف عليها الدولة بالكامل وتحظى بعناية كبيرة تعكس توجها سوريا لتخفيض عدد الاميين وتحسين جودة التعليم.

ولكن مايبدو نافرا في مشهد التعليم السوري هو نسبة التسرب العالية من المدارس وخاصة بالنسبة للفتيات في المناطق الشرقية رغم ان هناك قوانين تفرض الزامية التعليم حتى اكتمال المرحلة الاساسية وتعرض صاحبها للعقوبات الشديدة ومنها السجن والغرامات المالية.

وتحاول الحكومة السورية اللحاق بالتطور التعليمي في العالم عبر الاستعانة بجهود المنظمات الدولية والاستفادة من المنح وخاصة الاوروبية لتحسين جودة التعليم الذي ادخل الى مراحله الاولى التعلم على الكومبيوتر واللغة الانكليزية في مرحلة مبكرة جدا بعد ان كان تعليم اللغة الانكليزية يبدا في السنة السابعة من التعليم الاساسي.
اما المناهج فلم تتغير جذريا في سورية منذ سنوات الا ان بعضها تم اختصار الحشو فيها مثل مادة القومية العربية الاشتراكية ويبدو وجوب الاهتمام باللغات الاجنبية ومستوى التدريس والمدرسين والكوادر الادارية في التوجيه والارشاد التربوي، ملحا للارتقاء بالطالب السوري من كل النواحي الذي يشتكي اهله مثلما يشتكي اهالي الاطفال العرب بان الطفل العربي هو الطفل الاذكى ولكن ماقبل دخول سن المدرسة.
وفي اطار التوعية وتحسين المناهج نظمت مؤخرا جمعية تنظيم الاسرة ووزارة التربية ورشة عمل من اجل تطوير المناهج المدرسية في اتجاه ادخال مفهوم الصحة الانجابية والتوعية حول مرض الايدز والامراض المنقولة عن طريق الجنس.
ويرى مدرسون وخبراء سوريون ان تطوير التعليم والتوجيه المدرسي في سورية مرهون بمهارات تطوير المجتمع كك وتطوير العمل الاداري ويقتضي وضع استراتيجيات وتحويلها الى خطط وتنفيذها اضافة الى دراسة ملفات البنى التحتية والوضع الاقتصادي وتحسين رواتب المدرسين والاعداد والتدريب والتاهيل.
ان العودة الى مقاعد الدراسة يسعد الاهل فيرتاحون من مشاكل اولادهم في المنزل ويسعد الطلاب فيعودون الى حيث يعيشون حياة غنية رغم فقر مادي قد يلقي بظلاله على بعض التفاصيل اليومية.