محمد الخامري من صنعاء: لا تكاد تتجول أو تمر في احد الأزقة الضيقة لصنعاء القديمة هذه الأيام حتى تسمع أصواتاً شجية لنساء ورجال ينشدون أناشيد تراثية قديمة وهم يلعبون ويلهون على مداره (مراجيح) صنعاء

المدرهة
المعلقة على الأشجار المزروعة في أفنية المنازل او المنصوبة على بعض الأخشاب القديمة التي تجلب لهذا الغرض خصيصاً، ويبدأ اليمنيين بهذه العادات خلال أيام التشريق بعد أول يوم من عيد الأضحى المبارك، حيث تُعلن عن أشواق حارة الحاج له، فتردد الفتيات قرب عودة الحاج القول:
يا مُبشر بالحج بشارتك بشارة
هِنيَت لك يا حاجنا فزت بالغفران
زرت مسجد المصطفى وتلمس الأركان
والصلاة والسلام على الرسول يا من سمع يصلي على النبي العدناني.
وكما هي العادة فإن معظم المناطق اليمنية تحتفل هذه الأيام بعودة الحجاج إلى ديارهم بعد أن أدوا مناسك الحج بفضل من الله، حيث تقام العديد من الطقوس والعادات التراثية القديمة منذ سفر الحجيج إلى الأراضي المقدسة وحتى عودتهم إلى مدنهم وقراهم بإقامة المهرجانات والموالد والفعاليات ومن بين هذه الاحتفالات إقامة المدرهة (المرجيحة).
وتعتبر مدينة صنعاء القديمة من أبرز المناطق التي تشتهر بإقامة quot;المدرهةquot;، حيث تقام المدرهة في فناء منزل الحاج إن كان له فناء أو في فناء منزل أحد جيرانه، ويوضع عليها شال أو عمامة يسمونها (عمامة الحاج) أو أي قطعة من ملابس الحاج أو الحاجة ويتجمع حولها الأهل والجيران والأصدقاء ويعلقون عليها الناقوس قبل أن يبدؤوا ترديد أهازيجهم التقليدية التي تبدأ بمخاطبة المدرهة كقول أحد أقارب الحاج وعادة ما تكون ابنة الحاج :
يا مدرهة، يا مدرهة.
مال صوتش واهية (منخفض)
قالت : أنا واهية وما حد كساني
كسوتي رطلين حديد والخشب رُماني
ثم ترد عليها امرأة أخرى وتقول :
أبدأ القول أوله يا فرد يا مناني
وأثني بقولي بالنبي المصطفى العدناني
وأثلث بقولي في علي الذي دمر الأعداء قاصي وداني.
وأغاني المدرهة حزينة في الغالب وتُغنى بأبيات عفوية، وتبدأ بذكر الله وبالصلاة والسلام على رسوله الكريم، ثم بذكر الحجاج والدعاء لهم بالحج المبرور، وبالحفظ سلامة العودة إلى الأهل والوطن منها هذا المغرد الذي يقال للحاج وهو ما يزال في داره منتظراً وسيلة المواصلات:
لوّ تبسرونا يا أهلنا حين طرق (أي دق)
الباص في الباب
حسيت قلبي رجف، ودمعتي سيالة
وتتحدث بعض التغاريد عن أوصاف الحاج الخارجية (لحيته، عصاته، قميصه، لون بشرته....) أو عن صفاته الداخلية :
يا حجنا شيبة رضي
يطلب الرضوان
يطلب الله والنبي
وقد تحمل التغاريد تمنيات برجوع الحاج سالماً وسالياً:
وحجنا قد سار يحج
الله يرجعه سالي
يرجعه للأهل والأصحاب وجملة الجيران
وكان بيت الموروث الشعبي قام العام الماضي بإحياء هذه المدرهة وإقامة مهرجان المدرهة الأول على مسرح الهواء الطلق quot; بصنعاء القديمة كأول عمل توثيقي ميداني للعادات اليمنية القديمة التي اندثرت فعلاً.
وحول الأهداف التي توخاها بيت الموروث الشعبي من ذلك المهرجان قالت الدكتورة أروى عبده عثمان رئيس بيت الموروث الشعبي لـquot;إيلافquot; أن المهرجان الأول للمدرهة يهدف إلى التعريف بالتقاليد اليمنية القديمة في توديع واستقبال الحجاج خصوصا في مدينة صنعاء، مشيرة إلى هناك العديد من التقاليد المناسباتية المتوارثة في جميع المحافظات اليمنية بعضها قد انقرض وبعضها لم يتبق منه إلا الشئ اليسير، ولذلك نحاول في بيت الموروث الشعبي جميع وتدوين وإقامة وإحياء هذه التقاليد عبر المهرجانات والفعاليات المختلفة التي من المقرر أن تتواصل في العديد من المحافظات اليمنية بالتعاون مع بعض الجهات الداعمة.
وأضافت الدكتورة أروى أن إحياء تقاليد المدرهة والمغارد المتنوعة في صنعاء تقليد سيكون شبه سنوي ضمن العديد من التقاليد التي تنوي بيت الموروث الشعبي القيام بها وإحيائها بعد أن انقرضت في كثير من مناطق اليمن، بالإضافة إلى تحفيز الرأي العام المحلي والخارجي على الاهتمام بالموروث الشعبي الغني في اليمن.
وقالت إنها تهدف من خلال إقامة مهرجان المدرهة إلى الكشف عن وجه من أوجه الإبداع الإنساني الشعبي في العاصمة صنعاء من خلال الغناء والإنشاد أثناء quot;المدرهةquot; عند توديع أو استقبال الحجاج في كل عام، مشيرة إلى أن نشر موروثنا الشعبي عبر وسائل الإعلام المختلفة، يعمل على التعريف بوجه مشرق من أوجه السياحة الثقافية في اليمن، إضافة إلى أنها في بيت الموروث الشعبي بصدد توثيق تقاليد الحجيج كتابيا وصوتيا ومرئيا ليكون مرجعا للمهتمين والدارسين، وكذلك العمل على نشرها في وسائل الإعلام المختلفة.
كما قامت بتنصيب المداره (جمع مدرهة) حسب طقوس صنعاء القديمة للتعرف على تراثها، مثل الأشعار التي تقال أثناء التدره، وتضمن المهرجان معرضا خاصا لعرض أزياء الحاج بما يسمى (الجهاز) كتقليد متعارف عليه، إضافة إلى معارض خاصة بصور الحياة التقليدية لصنعاء القديمة ومعرض للملابس الشعبية والمطبخ الصنعاني وتوثيق تقاليد المدرهة بكل تفاصيلها، وإصدار كتيب، وسيدي، وكاسيت، وفيديو خاص بهذا التقليد المميز، إضافة إلى تنظيم مراسيم الاحتفال باستقبال الحجاج بعودتهم من مكة بالإنشاد الديني والموالد الدينية، التي تحتفل بالحاج.
الجدير ذكره أن تقليد المدرهة (الأرجوحة) يعود لفترات قديمة جداً حيث يعد تعبيراً عن فرحة الأهالي بعودة حجاجهم عقب تعرضهم للعديد من الصعاب والمخاطر خلال سفرهم لأداء فريضة الحج، كما تسمي مدرهة العودة حيث يستقبل الحاج بطقوس تبدو غريبة لكنها مُسلية وفرائحية، ومنها quot;المدرهةquot; التي تبدأ بعد عيد الأضحى بيومين أو ثلاثة أيام، بغرض تشويق الحاج للعودة إلى أهله ومحبيه، وذكره بالخير والدعاء له بالعودة سالماً، حيث توضع المدرهة في فناء منزل الحاج أو في فناء منزل أحد جيرانه إذا لم يكن له فناء، ويوضع عليها شال أو عمامة يسمونها quot;عمامة الحاجquot; الذي لم يأت بعد، وتستمر بعد عودته شهرين أو ثلاثة أشهر يتجمع خلالها الجيران والأهل والأقارب والأصدقاء حول المدرهة وينشدون العديد من الأناشيد التراثية التي عرضناها في البداية.
ومما يجدر ذكره أن احد رجال الأعمال كان قد أعلن العام الماضي عن إقامة عدد من (المداره) في أحياء صنعاء القديمة وبعض أحياء وبساتين صنعاء الجديدة والذي كان يعد من مظاهر الاحتفال التي تقام في العاصمة صنعاء وبعض المدن الرئيسية احتفاءً بالحجاج.. ابتداءً من ثاني أيام عيد الأضحى المبارك ولمدة عشرة أيام، وتشترك في أحيائها النساء في أوقات الصباح والعصر، بينما كان الرجال يشاركون في الأمسيات، حيث تم التنسيق والترتيب بين رجل الأعمال الحباري وجمعية المنشدين اليمنيين، وبعض المنشدات وأقام نحو 14 مدرهة في عدد من أحواش المنازل المعروفة والبساتين والساحات المحاطة بأسوار.