محمد الامين من لاهاي: البيوت الصغيرة المتراصفة جوار بعضها البعض وكأنها حشرت مرة واحدة في مساحة صغيرة، قد توحي للزائر بالبؤس الذي يعيشه سكان هذا الحي المعروف بحي ميدان خار في في جنوب طهران، ولكن من الصعب أن تتخيل أن البيت الواحد يضم عددا من العوائل حيث تسكن كل عائلة في غرفة صغيرة الحجم. فالفقر والبطالة هما السببان الرئيسيان في الادمان على المواد المخدرة في هذا الحي الذي يعتبر بؤرة للاستهلاك والمتاجرة بالمواد المخدرة.


يقول رجل مسن وهو يشير الى شابين يحملان نارجيلة ويستعدان لتهيئتها:quot;ولدت في هذا الحي وأعرف أغلب أهاليه معرفة جيدة، وأستطيع أن أقول بجوم أن 90 بالمائة منهم هم من المدمنين على استعمال المخدرات.هذان الشابان اللذان يقفان في الجهة الاخرى يتظاهران بانهما يتهيئان لتدخين التبغ، والحقيقة هي أنهما سيضعان كمية غير قليلة من الترياق مع التبغquot;.

وعلى خلاف المساعي التي تبذلها الحكومة الايرانية لوضع حد لظاهرة الادمان، وتحفّظها على نشر الأرقام.
وقد قدرت بعض التحقيقات الصحافية عدد المدمنين في عقد التسعينات بحوالي مليونين مدمن، عشرة بالمائة منهم من المدمنين على المادة المرتبطة بعدد المدمنين، الا أن هذه الظاهرة آخذة بالتزايد والارتفاع، وقد تركت آثارا كارثية في السنوات الاخيرة وتسببت في وفاة مئات الشبان.
وقد أشاد مؤخرا روبرت ارتريو مدير مكتب طهران لمكافحة المخدرات و التابع للأمم المتحدة بالجهود المهمة والأساليب الحديثة التي توظفها القوات الايرانية لمكافحة تجارة المخدرات، خصوصا وأن أغلبية المهربين يسعون الى تصدير بضاعتهم الى اوربا عن طريق الاراضي الايرانية، وقد ذكر ارتريو أن هناك العشرات من فرق مكافحة المخدرات يفقدون أرواحهم في المواجهات التي تدور بينهم وبين مهربي المخدرات.
اما الاحصائية الرسمية فتشير الى استشهاد 3500 شاب ايراني في الاعم الماضي في المواجهات المسلحة التي دارت بينهم وبين عصابات التهريب.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات الايرانية لمكافحة تجارة المخدرات، فان النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب خصوصا وان شبكات التهريب العالمية تعتبر الاراضي الايرانية محطة مهمة ورئيسية في نقل البضاعة من افغانستان الى القارة الاوربية مرورا بالموانئ الايرانية في الخليج الفارسي، وهو الأمر الذي دفعها الى استخدام اسلحة خفيفة متطورة في مواجهة الشرطة الايرانية واللجوء الى العنف لفرض شروطها، وقد صدم المجتمع الايراني خبر قتل 13 مسافرا في حافلة لنقل الركاب في اقليم كرمان على يد عصابات تهريب المواد المخدرة في الشهر الماضي.


اما على الصعيد الداخلي فقد شهدت ايران في السنوات الاخيرة انتشار ظاهرة الادمان على المخدرات بين صفوف الاحداث الذين لم يبلغوا السن القانوني، ونقلا عن وكالة فارس للانباء فان مدمن على المخدرات يضاف الى تعداد المدمنين في ايران في كل ثلاث دقائق، وتحتل ايران الرتبة الاولى في استعمال المواد المخدرة في العالم، حسب تقرير مكتب المخدرات والجرائم التابع للأمم المتحدة،وقد تصدرت ايران القائمة متخطية كل من روسيا وقرقيزستان ولائوس وهي البلدان الأكثر استعمالا للمخدرات في العالم.

وتتفاوت الأحصائيات المرتبطة بعدد المدمنين ومستعملي المخدرات في ايران، فالاحصائيات الصادرة عن اشخاص ومؤسسات مقربة من الجهات الرسمية،تقلص الرقم الى مليون ونصف المليون، وقد اعتمدت تقارير الامم المتحدة على الاحصاء الرسمي الايراني وقدرت عدد المدمنين باقل من مليوني نسمة، لكن الرقم الحقيقي يفوق هذا التعداد بضعفين، حسب احصائيات وزارة الصحة الايرانية، ويرى الصحافي جمشيد ان تعداد المدمنين في ايران تحول الى موضوع سياسي، وهو يغفل بذلك الجوانب الانسانية والسبل الكفيلة بمساعدة المدمنين للعودة الى الحياة الطبيعية، ومن المفروض على السلطات الايرانية ان لاتنقاد للتوظيف السياسي للمشاكل الاجتماعية من قبل الخصوم، فهي مشاكل رائجة في الجتمعات المتحضرة والمتقدمة ايضا، ولايمكن ان ننقد مشروعا فضائيا اميركيا بسبب وجود نسبة عالية من المدمنين على الكوكائين مثلا، ومن المؤسف ان المعارضة الايرانية تنتقد المشاريع العمرانية بسبب وجود مشاكل اجتماعية، وهي بذلك تنطلق من منطق خاطئ وسوء فهم،وكأنها ستقضي بشكل تام على جميع المعضلات الاجتماعية في حال استلامها للسلطة.


نادر جلالي طالب جامعي مقيم في باريس، ذكر لابلاف ان السبب الرئيس في استعمال المخدرات هو النظرة الايجابية للترياق في الثقافة الايرانية، اذ لايعد استعماله عيبا او نقضا للاخلاق، ومن المعروف انه كان يقدم للضيف كدليل على حسن الضيافة، المشكلة المهمة التي أود أن أشير اليها ان الشاب الايراني لا يلجأ لاستخدام المخدرات من أجل الاستمتاع كما هو الحال مع الشبا الاوربي، وانما يلجأ له كملاذ وكهرب للتخلص من الضغوط النفسية والاقتصادية ولهذا السبب تترك المخدرات آثارا سلبية مضاعفة منها الاكتئاب والمشاكل الاجتماعية، وقد قرأت مؤخرا أن 60 بالمئة من حالات الطلاق هي بسبب المخدرات كما ان نسبة عالية من حوادث السير تحدث للسبب نفسه.