جوناثان رايت من القاهرة: تكشف المخرجة تهاني راشد العائدة الى مصر بعد ان عاشت نحو 40 عاما في كندا العالم السري لفتيات يعشن ويتسولن ويشممن مادة رغوية يستخدمنها كمخدر ويتعاطين الحبوب المخدرة بل ويلدن أطفالهن في شوارع القاهرة.وخلافا لأفلام أخرى كثيرة عالجت افكارا مماثلة يجد فيلم راشد الوثائقي (البنات دول) ومدته ساعة الكثير من الجوانب الايجابية في حياتهن التي يعشنها على الهامش من حيث الحرية التي يتمتعن بها والتضامن فيما بينهن وحيويتهن وقدرتهن على الحب.

وقالت راشد لرويترز quot;انه فيلم مليء بالأمل لانهن بالرغم من الفقر وسوء المعاملة ما زالت الانسانية حية بداخلهن.quot;

وفي مشهد افتتاحي رمزي تتنزه الفتاة طاطا بمظهرها الرث وشعرها المكشوف على صهوة جواد في الشارع الرئيسي بحي المهندسين بين سيارات الاجرة المتهالكة والسيارات المترفة الانيقة التي يملكها الاثرياء.

ولا يندهش أي من قائدي السيارات من هذا المشهد شديد الغرابة مما يظهر تقبلا لا يتفق مع الاتجاه الاجتماعي المحافظ الذي يتجهم في وجه اي مخالفة للاعراف والتقاليد خاصة بين الشابات.

هذا الفيلم يمثل طفرة في مصر وقد أدهش المشاهدين الذين لم يتصوروا قط وجود تلك الفتيات الجامحات واذا كان لهن وجود فلم يكن متصورا أن لهن قصصا تروى أو أسبابا مقبولة للعيش بالطريقة التي يعشن بها.

لكن صناعة هذا الفيلم لم تكن بالمهمة اليسيرة. وتقول راشد انها قضت خمسة أشهر مع مجموعة الفتيات حتى تستطيع كسب ثقتهن واكتشاف نمط حياتهن.

كما كان على راشد التغلب على شكوك السلطات والسكان المحليين الذين تصور بعضهم في باديء الامر أن فريق العمل في الفيلم جاء ليسرق كُلى بعض الفتيات او تنصيرهن أو استقطابهن للمشاركة في أفلام إباحية.

وقالت راشد quot;لكنهم بمرور الوقت بدأوا ينظرون الينا كجزء من الحي.quot;

قام فريق العمل بقيادة راشد بتصوير 58 ساعة على مدار ستة اسابيع معظمها في الليل حين تضج شوارع القاهرة بالحياة.

وقالت راشد quot;قبل يوم من التصوير لم تكن لدي فكرة عما سأصوره. هن اللاتي قررن محتوى الفيلم.quot;

ورصد فريق الفيلم الفتيات في معظم الاحيان وهن يتسكعن أو يدافعن عن أنفسهن في عالم عدواني.. يرقصن احيانا ويغنين احيانا لكن في معظم الاحيان يتحدثن عن حياتهن.

يستعدن ذكريات الماضي بحنين عن فتيان أحبوهن معظمهم الان في السجون لارتكابهم جرائم بسيطة ويشرحن بلغة لم تمر قط على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية المصرية افضل الطرق للتعامل مع تحرشات الرجال بهن والتي تكون عادة وحشية.

تحكي مريم كيف تركت ملجأ للأيتام وبدأت حياة الشوارع وهي في الرابعة عشرة من عمرها وكيف قصت شعرها قصة قصيرة لتبدو كصبي وكيف أن الاستسلام للاغتصاب في مقبرة معزولة أفضل من أن تُصاب بجرح أو ندبة في وجهها لا تفارقها مدى الحياة.

وتأخذ الفتيات فريق الفيلم الى كوخ بالحقول الواقعة على أطراف المدينة حيث يقلن ان فتيات أخريات احتجزن به طوال أشهر كعبيد للجنس. بل ان الفتيان لهم تعبير خاص يطلقونه على هذه الممارسة وهو quot;تخزينquot; الفتاة.

قالت عُلا جلال احدى المشاهدات انها دُهشت لسماع الفتيات خاصة الطريقة اللاتي يتحدثن بها دون خجل عن حياتهن الجنسية.

وأضافت أن بعض المصريين سيعترضون على الفيلم قائلة quot;لديهم هذه الفكرة عن تشويه صورة البلاد.quot;

وقال المنتج كريم جمال الدين ان ستوديو مصر الذي قام بانتاج الفيلم أرسل نسخة مهذبة الى الرقابة حذف منها الكثير من الالفاظ على امل عرضه على نطاق اوسع.

وتقول راشد انها لا تقدم حلا لهؤلاء الفتيات لكنها منحتهن الفرصة للتعبير عن أنفسهن بحرية.

وأضافت في مناقشة أن مهمتها هي توعية الناس بوجود هؤلاء الفتيات واظهارهن كبشر لكن ما من أحد يعلم ما الحل وتابعت أن هذه مسألة يترك للمجتمع بكامله حلها.

وقالت راشد ان الفيلم أثر فيها شخصيا وانه كان عليها أن تحب الشخصية الرئيسية في الفيلم (طاطا) والا ما كانت لتستطيع تصوير الفيلم. وقالت انها quot;عشقت طاطاquot; وان شخصيتها تملكتها تماما وانها أعجبت بطريقة تفكيرها. وتابعت أنه كان هناك الكثير من الاشياء التي لم تفهمها مثل كيف يعيشون على هذا النحو لكن الحياة تستمر.

ووجدت راشد اختلافا بين حياة فتيات الشوارع في القاهرة وحياة المشردين في دول أخرى وقالت انه في باريس يعيش الناس في الشوارع في جحيم وحدهم لكن هنا هناك تضامنا وان من بين الاشياء التي اكتشفتها مدى تسامح الناس.

رويترز