كنيسة مقدسية تمثل المعمار الروماني في بيئة شرقية
القدس مدينة الأنماط المعمارية المختلفة

سامة العيسة من القدس: تغطي شهرة الأماكن المقدسة في القدس مثل المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكنيسة القيامة، والمساجد والكنائس الأخرى المعروفة على نطاق واسع، على مبان جميلة في المدينة ذات أنماط معمارية متنوعة. وينظر كثير من المختصين للقدس، كمتحف مفتوح يضم أنواعا مختلفة من الأساليب المعمارية، ومن بين البنايات ذات الطابع المعماري المميز دير وكنيسة ( نياحة العذراء ) على جبل صهيون بالقدس، والمعروفة باسم ( دورميتيون ) ، والتي تعني بالألمانية، احتضار أو وفاة، والإشارة هنا إلى التقليد المسيحي انه في المكان الذي بينت عليه الكنيسة توفيت مريم العذراء في بيت عاشت فيه.

ويوجد تحت الكنيسة مغارة، يعتقد القائمون على الكنيسة بأنها جزء من المنزل المفترض الذي عاشت فيه مريم العذراء ايامها الاخيرة. والكنيسة التي تقع على قمة جبل صهيون، يفصلها زقاق ضيق مبلط بالحجارة عن مقام النبي داود، الذي تعلوه ما تسمى بعلية صهيون، أو غرفة العشاء الأخير، وهي وفقا للتقليد المسيحي، المكان الذي احتفل به المسيح بأخر وجبة عشاء مع تلاميذه، والتي تحولت في العهد العثماني إلى مسجد إسلامي، والان تسيطر عليها الحكومة الإسرائيلية كجزء من مقام النبي داود، والذي وقع مع جبل صهيون في قبضة العصابات الصهيونية في عام 1948، ونفذت دولة اسرائيل التي اعلنت انذاك عملية تطهير عرقي ماساوية للسكان الفلسطينيين على الجبل.

وبنيت كنيسة (نياحة العذراء) في المكان الذي وجدت فيه كنيسة بيزنطية، هدمها الفرس لدى احتلالهم للقدس ما بين العامين (614-629م). واعيد بناؤها بعد نهاية الاحتلال الفارسي، بفضل بطريرك القدس آنذاك مودستوس، الذي جمع تبرعات من مسيحي العالم واعاد بناؤها، وهدمت الكنيسة مجددا في عصر السلطان الفاطمي المثير للجدل الحاكم بأمر الله عام 1009م، فأعاد اعمارها الصليبيون لاحقا، وسموا الكنيسة الجديدة (كنيسة السيدة)، ولكنها هدمت مرة أخرى في زمن السلطان الأيوبي المعظم عيسى.

أما البناء الحالي المثير للاهتمام، فيعود إلى عام 1898، خلال زيارة الإمبراطور الألماني ويلهلم الثاني التاريخية للأراضي المقدسة، التي رسخ فيها الوجود الألماني في فلسطين، بتدشينه بنايات وكنائس ما زالت قائمة حتى الان، ومعظمها حصل على الأراضي التي أقيمت عليها كهبات وهدايا من السلطان العثماني عبد الحميد.

وبالنسبة لكنيسة نياحة العذراء، يقال بان السلطان عبد الحميد اشترى الأرض المقامة عليها هذه الكنيسة من الشيخ سعيد وهبة الداودي، مقابل 7 آلاف جنيه، أو أن الداودي وهبها للسلطان الذي بدوره قدمها للإمبراطور الألماني كهدية. وتتوفر شهادة عن تلك الأيام سجلها الصحافي خليل سركيس الذي رافق الإمبراطور الألماني في زيارته التاريخية.

وكتب سركيس quot;على بعد مائة خطوة من مقام النبي داود تقع قطعة ارض فسيحة فوقها خرابات كنيسة هدمها الفرس سنة 614م، وهي الأرض التي قدمها السلطان العثماني لجلالة الإمبراطور، كهدية تذكارية لزيارته للقدس الشريف، وكان بمعية صاحبي الجلالة السيد بيلوف وزير خارجية ألمانيا ونحو مائتي جندي ألماني والموسيقى الألمانية، وحضر أيضا احمد توفيق باشا متصرف القدس الشريف، فتقدم من الإمبراطور واهداه الأرض رسميا باسم الحضرة العلية السلطانية المعظمة، وقدم أوراق تطويبها، فاستلمها وزير خارجية ألمانيا، وفي الحال رفعت في تلك القطعة الراية الألمانية والراية الخاصة بعائلة هوهنزولون الإمبراطورية، فحيتها الموسيقى بثلاث دفعات واخذ الجنود سلامهم حسب الأصولquot;.

والقى الإمبراطور كلمة قال فيها quot;إن ساكن الجنان السلطان عبد العزيز خان أهدى المرحوم والدي قطعة الأرض المعروفة باسم الدباغة، وهي التي بنيت عليها الكنيسة التي تم تدشينها في هذا الصباح، واما عظمة صديقي السلطان عبد الحميد فقد أهداني هذه الأرض التي نقف عليها الان، فكما بنينا على القطعة الأولى كنيسة للألمان الإنجيليين، فسنبني على القطعة الثانية إنشاء الله، كنيسة للألمان الكاثوليك، فشكرا لعظمته ال عثمان العظامquot;.

وسلمت الأرض للجمعية الألمانية من اجل الأرض المقدسة، وتم تكليف المهندس المعماري من مدينة كولون هايرنش ريناد ببناء الكنيسة، وفي السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1900 وضع حجر الأساس للكنيسة، التي انتهى العمل فيها عام 1910، ودشنت في حضرة الأمير الألماني اتيل فريدريك.

وتدل عمارة الكنيسة الان على موهبة المهندس ريناد وبراعته، الذي صمم البناء على شاكلة الكنيسة الرومانية الكبيرة على نهر الراين، وتمكن من دمج الفن المعماري الروماني في البيئة الشرقية، واوضح مثال على ذلك الحجارة الكبيرة المستوية على الجدران الخارجية للكنيسة، التي تميزت بجرسية مرتفعة يصعد إليها بـ 198 درجة وتشرف على جميع أنحاء مدينة القدس، وأيضا ما يحيطها.

وفي حين ترتفع وسطها قبة كبيرة، تحيط بها أربع قباب اصغر تعلو اربعة ابراج مخروطية، تشكل فيما بينها ما يشبه برجا حصينا يحيط بالقبة الكبيرة.وتتميز الكنيسة من الداخل، بشبابيكها ذات الزجاج الالماني المعشق والملون، وبالجداريات والأيقونات الدينية، المصنوعة من الموزوييك، والتي تروي قصصا إنجيلية عديدة. أما فسيفساء الأرضيات فأنجزه الفنان ماوريتوس جيولر، وهي مشبعة بالرموز والرسوم، وفي وسط الكنيسة تمثل للعذراء وهي على فراش الموت، يحيط به ستة اعمدة من الرخام.

ويدير المكان منذ إنشائه الرهبان البندكتيون، وشعارهم صليب قوس قزح، وهو عبارة عن صليب تعلوه نصف دائرة، وتحيط به من جانبين.ويمثل هذا الشعار رمزا للألم والرجاء، فقوس قزح كان دائما رمزا للرجاء والفرح، أما الصليب فعلى النقيض من ذلك، لانه يوحي بالموت والألم والعذاب. ويحمل هذا الشعار اولئك الذين يديرون احدى اجمل المباني في مدينة القدس، والتي تقع في مكان استراتيجي في المدينة لطالما كان شاهدا على تاريخها الدموي.