أسامة العيسة من القدس: في مرمى، برج عسكري إسرائيلي، نصب على جبل مرتفع يدعى (الجمجمة) يطل على بلدة حلحول، التي تقع على شارع القدس-الخليل التاريخي، توجد (عين أيوب)، التي تحمل اسم أحد الأنبياء الذي ارتبط اسمه بعدد من الينابيع والآبار والعيون، في فلسطين، والتي أسبغت عليها الكثير من القداسة في الموروث الشعبي، كما هي حال هذه العين.

عين أيوب- عدسة إيلاف
وتنبع هذه العين من وسط مرتفع جبلي، وتنساب في نفق على شكل قناة مبنية من الحجارة، ومغطاة، بطول نحو عشرة أمتار، لا تظهر تضاريسها على السطح، لتصل إلى المصب، وهو عبارة عن مسطح صخري صغير، تظهر عليه نتوءات وجد المواطنون المحليون تفسيرات لها منذ زمن لا يمكن تحديده، وأولها فتحة دائرية صغيرة تتجمع فيها المياه، وهي كما تظهر عبارة عن تجويف حدث بفعل العوامل الطبيعية، ويعرف من قبل المواطنين المحلين بأنه آثار راس النبي أيوب، وأمامه نتوء صغير يُعرّف بأنه عصا النبي أيوب، وبالقرب منه، تجويف يشبه آثار قدم، يُعرّف بأنه خبطة رجل النبي أيوب.

وفي الموروث الشعبي الفلسطيني، توجد أماكن كثيرة في فلسطين، مرتبطة ببصمات للأنبياء أو الأولياء، على الصخور، مثل آثار الأيدي، والرؤوس، والأقدام وغيرها.

وتتدفق مياه العين، لتتجمع في بئر اسمنتي، يعود لأسرة من عائلة البربراوي، ومنه يتم سحب المياه، كهربائيًا لري الأراضي الزراعية في المكان، التي يقدرها نهاد نبيل البربراوي، بمساحة أربعة دونمات، تتم زراعتها على مدار العام، بمنتجات مختلفة، مثل القرنبيط، والفاصوليا، والبندورة، وغيرها.


برج عسكري في المكان- عدسة إيلاف
وتحظى هذه العين بشهرة، لاعتقادات تتعلق بقدرة مياهها على الشفاء من الأمراض الجلدية، مثل الصدفية، والجدري، باعتبار أنها ساهمت في شفاء النبي أيوب نفسه من أمراضه المتعددة التي تحدثت عنها القصص الدينية.

ويذكر نهاد البربراوي، أنه يأتي إلى العين أناس من مختلف المناطق الفلسطينية، لاستغلال ما يعتقدونه من ميزات شفائية لمائها، فيغتسلون بها، وليس من النادر، رؤية بعضهم، وهو يضع غطاء على موقع العين، عادة ما يكون شادرًا، لكي يتمكن المريض أو المريضة من الاستحمام بماء العين، بعيدًا عن أعين المتلصصين، ومن بينهم جنود الاحتلال في البرج العسكري.


ويعتقد الطفلان محمود وفراس كرجة، أن اغتسال المريض بالجدري بماء هذه العين، لا يضمن الشفاء فقط، بل عدم الإصابة بهذا المرض إطلاقًا، ويؤكدان ذلك بما حدث لأخيهما الأكبر سنا نائل، الذي شفي من الجدري بعد اغتساله بماء العين.

وتقع هذه العين، في منطقة زراعية، ولكنها تشهد نموًا عمرانيًا ملحوظًا، وان كان ليس كبيرًا، أدى إلى بناء مسجد في المنطقة عام 2000، أطلق عليه اسم مسجد النبي أيوب.

وبناء المسجد، ليس التطور الوحيد الذي حدث في المكان، فبعد إغلاق شارع القدس-الخليل، المؤدي إلى حلحول، من قبل سلطات الاحتلال، تم افتتاح طريق آخر التفافي، تبعد العين عنه نحو 50 مترًا.


وبسبب الموقع الاستراتيجي لبلدة حلحول التي ترتفع نحو 1027 مترًا عن سطح البحر، وهي بهذا أعلى منطقة مسكونة في الأراضي الفلسطينية سواء تلك

مصب العين- عدسة إيلاف
المحتلة عام 1948 أو المحتلة في عام 1967، تم إنشاء مستوطنة يهودية على أراضيها، عام 1984، أعطيت اسم (كرمي تسور)، ووصل عدد قاطنيها 623 مستوطنًا ومستوطنة، عام 2003، وفقًا لإحصاءات رسمية إسرائيلية، لكن الإجراءات الأمنية والتوسعية اكبر بكثير مما يتطلبه هذا العدد من المستوطنين، وتواصل تمدد المستوطنة عبر بؤر استيطانية، مثلما حدث في 5-2-2001، بإقامة البؤرة الاستيطانية (تسور شاليم) التي سكنتها في البداية 15 عائلة من المستوطنين اليهود، بعد مصادرة المزيد من الأراضي التي تعود ملكيتها لأهالي بلدتي بيت أمر، وحلحول.

وخلال انتفاضة الأقصى، كانت هذه المستوطنة مسرحًا لإحدى العمليات الفلسطينية التي توصف بالجريئة، عندما اقتحم الشاب احمد بدوي المسالمة، الذي خطط ونفذ عدى عمليات فدائية سابقًا، متنكرًا بزي جندي إسرائيلي المستوطنة يوم 8-6-2002.

وتمكن المسالمة، من قتل مستوطنين وجندي واصاب آخرين، حسب المصادر الإسرائيلية، وصمد في وجه التعزيزات التي استدعيت للمستوطنة واخيرًا تمكن أحد الجنود من قتله.

وشكلت هذه العملية مع عمليات أخرى إلهامًا لآخرين من المجموعات الفدائية لتنفيذ عمليات وصفت بالنوعية في المستوطنات التي تحيط بالخليل.

وردًا على هذه العملية، تمت إقامة بؤرة استيطانية جديدة في المكان بتاريخ 10-7-2002، أسميت (كرمي تسور دروم).

نفق العين- عدسة إيلاف
وعين أيوب في حلحول، ليست إلا واحدة من ينابيع وابار عديدة، يعتقد الفلسطينيون أن النبي أيوب قد استحم فيها وشفي ومنها مثلاً: حمام الشفا في القدس، وبئر أيوب في سلوان، وعين النبي أيوب في راس كركر، وعين النبي أيوب في خربثا، وعين النبي أيوب وبئر أيوب في دير أيوب، وعين أيوب شرق خربثا، وجميع هذه المناطق تقع بين مدينتي رام الله ونابلس.

ويذكر الدكتور توفيق كنعان في كتابه عن الأولياء المسلمين في الأراضي المقدسة الذي صدر بالإنكليزية عام 1927، أن أهل غزة يعتقدون أن النبي أيوب quot;قد شفي تمامًا عندما استحم بمياه البحر يوم الأربعاء الذي يسبق عيد الفصح اليوناني، ويسمى أربعة أيوب أو ابرية أيوب، وفي يوم الأربعاء المذكور يتم إحضار كل الغنم المصابة بالمرض إلى البحر لتغسلquot;.

ولا شك انه يقصد بعيد الفصح اليوناني، عيد الفصح لدى الأرثوذكس، وهم في فلسطين أغلبيتهم من العرب، ولكن تسيطر الأقلية اليونانية من رجال الدين على مقدرات طائفتهم.
ولا يعرف إذا كان مثل هذا التقليد ما زال متبعًا في غزة أم لا؟، وهي التي يتعين عليها الان ان تتحلى بصبر أيوب، اكثر من الاهتمام بالتقاليد الطبية المنسوبة إليه.