ضمن تداعيات قرار إلغاء زواج بسبب عدم العذرية


قصي صالح الدرويش من باريس: أيدت جمعية لا مومسات ولا خاضعات قرار وزيرة العدل رشيدة داتي بمطالبة النائب العام إعادة النظر في قرار محكمة ليل إلغاء زواج أبرم لأن العروس كذبت بشأن عذريتها. ورأت الجمعية في هذه الخطوة انتصارًا أوليًا في معركة لا تزال طويلة، ودعت في الوقت نفسه إلى تنظيم تظاهرة يوم السبت المقبل تحت شعار لا عذراوات ولا خاضعات، وقالت رئيسة الجمعية سهام حسي بأن القضاء الفرنسي يجب ألا يدعم قرارًا رجعيًا مهينًا للنساء. وكانت هذه الجمعية قد تشكلت إثر حادثة إحراق شاب لصبية مغربية لأنها رفضته مما أدى إلى وفاتها وهي تضم نساء من أصول مغاربية بالدرجة الأولى اشتهرن بتظاهرات احتجاجية دفاعًا عن حقوق المرأة المسحوقة، وتزايدت شهرة جمعية quot;لا عاهرات ولا خاضعاتquot; بعد تسمية الرئيسة السابقة لها فضيلة عمارة سكرتيرة دولة في الحكومة الحالية.


وكانت رشيدة داتي أيدت الحكم في رد فعلها الأول مشيرة إلى أنه لا يخلو من معنى خاصة وأنه صدر بطلب من الزوجين، مشيرة إلى أن إلغاء الزواج قد يكون وسيلة لحماية الزوجة التي تريد من دون شكل هذا الانفصال. لكن عاصفة الانتقادات التي تجاوزت الزوجين المعنيين وعمت الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية سواء داخل اليسار أو في أوساط اليمين الحاكم دفعت الوزيرة المغاربية الأصل إلى التراجع عن موقفها وطلب إعادة المحاكمة في محكمة النقض، وهناك من يقول بأن تراجعها جاء بإيعاز من قصر الإيليزية الذي أزعجه أن تظهر هذه القضية مرة أخرى تنافرًا داخل الحكومة، إذ إن بعض الوزراء وصف الحكم بأنه يعود إلى عصر بائد وفتوى ضد حرية النساء، بل إن فضيلة عمارة أعلنت أنه خيل لها أنها تسمع عن حكم صدر في قندهار. وكان رئيس الحكومة فرنسوا فيللون أعلن معارضته للحكم ورغبته في استئنافه قبل تراجع داتي التي تتعرض باستمرار لانتقادات من عائلتها السياسية. وكان المتحدث باسم وزارة العدل أعلن أن الوزيرة لم تتراجع وإنما وضعت في اعتبارها السجال الاجتماعي الذي أثارته القضية، منوهًا بأن اللجوء إلى محكمة النقض لا يؤثر على مصير الطرفين المعنيين بهذه القضية تحديدا لكنه سيشكل سابقة قضائية واضحة يمكن الاستناد إليها مستقبلاً.


يشار إلى أن محكمة ليل بتت في هذه القضية في بداية الشهر الماضي لكن كشف عنها منذ أسبوع فقط وأن القاضي استند في حكمة إلى البند 180 من قانون الأحوال المدنية الذي ينص على إمكانية تحقيق طلب أحد الزوجين بإلغاء الزواج، إذا كان هناك خطأ حول الشريك أو مواصفاته الأساسية. ومع أن حكم القاضي لم يستند إلى مبادئ أخلاقية أو دينية وإنما كان بسبب فعل الكذب حيث أقر بأن الزوج تعرض للخداع، إلا أن الجميع فهم بأن عدم عذرية الزوجة كان وراء هذا الحكم ورأت فيه جمعيات يسارية إدراجا لقواعد دينية في القضاء كما لو أن العذرية صفة أساسية للشخص، مما دفع أطرافًا من اليمين إلى طلب تعديل القانون بحيث لا يعود هناك إلغاء للزواج وإنما طلاق فقط. يشار إلى أن القضاء الفرنسي يحكم سنويا بإلغاء نحو 700 زواج استنادًا إلى المادة 180 لأسباب منها الكذب بشأن أطفال لم يعلن عنهم أحد الزوجين أو طلاق سابق مكتوم أو الكذب بشأن استحالة الإنجاب لدى أحد الزوجين، علمًا بأن رشيدة داتي شخصيًا كانت قد حصلت على حكم بإلغاء زواجها الذي أرغمت عليه قسريًا في السابق.

إن مثل هذه القضية لم تكن لتثير مثل هذه الضجة لو لم تكن متعلقة بعروسين مسلمين، ومن هنا بعض التصريحات التي وصفت الحكم بأنه معاد لحقوق الإنسان والحرية ولكرامة المرأة كما هي الثقافة القائمة في فرنسا وفي الغرب، ومع أن وزيرة العدل متمثلة للثقافة الغربية كما تظهر أزياؤها ونمط حياتها وتجربتها السياسية، إلا أن هناك من وجد صلة بين موقفها وبين كونها ابنة عائلة مسلمة فرنسية من أصول مغربية جزائرية. ومع أن رشيدة داتي مقربة من الرئيس ساركوزي، بل مقربة جدًا، إلا أن غالبية أنصار الحكم تنبذها وتشير إلى أخطاء عديدة اقترفتها في وزارتها. وهذه القضية تسمح لمنتقديها بتشديد ضغوطهم والمطالبة بإبعادها عن الحكومة أو على الأقل إبعادها عن وزارة العدل. وسواء تم إبعاد داتي في الأسابيع المقبلة أم لا، فإن الضجة التي ثارت حول هذه القضية ما زالت مرشحة للتطور كونها تتعلق ببعض تقاليد المجتمعات الإسلامية المناقضة للتقاليد السائدة في فرنسا.