ملاحظة من محرر "ثقافات إيلاف": إيمانا منّا بضرورة مساعدة القارئ العربي على فهم ما يقرأ من ترجمات، نرحب بكل ما يصلنا من مقارنة بين ترجمتين لقصيدة واحدة، شرط ان تكون موثقة وبلغة أكاديمية بعيدة عن المماحكة والاتهام. وسننشر كل يوم جمعة مقارنة جديدة.

بهجت عباس من تورنتو: نُشرت في إيلاف مقالاتٌ عدة لبعض الكتاب حول فن الترجمة، فكانت هناك آراء متباينة، ولكنَّ الكلَّ اتفق على أن يكون المترجم ملماً، إن لم يكن واسعَ الإطلاع، باللغتين اللّتين يخوض فيهما. والواقع إنّ الترجمة ليست بسيطة كما يظنّ أو يتمنّى بعض من يرغب الخوضَ في غمارها. القصيدة جسد وروح، وعلى المترجم الحِفاظ عليهما، فكما يعمل النطاسيّ الجرّاح مِـبضَعَـه في الجسد محاولاً عدمَ تشويهه وسلبِ الروح منه، كذلك يكون عمل المترجم في القصيدة. فليست الترجمة (رصفَ) أيِّ كلمةٍ مقابل كلمة النّصّ، ولكنَّ اختيارَ الكلمة، التي يجب أن تكونَ (شعريَّةً)، وبخاصّة إنَّ اللغة العربية غنيّة بمفرداتها، لا يفهمها القارئ وحسب، بل يتذوقها وأنْ تلامسَ حسَّـه وتشدَّه إليها. وبغير هذا يتشوّه جسد القصيدة كما يتشوّه الجسد من مِبضَع الجراح غير الماهر. أما عدم الإلتزام بأمانة الترجمة باختيار كلماتٍ خاطئة، نتيجة عدم فهم المترجم للقصيدة المُـتَـرجَمة، أو عدم إلمامه الكافي باللغة العربية، فله الدور الهام في تشويه القصيدة، أو الإتيان بشيء جديد لم يوجد في الأصل، مما يُحسَب تزويراً مقصوداً أو غير مقصود للقصيدة المُترجمَة، وهذه هي خيانة النص سيئة الذكر. ولربما يكون هناك بعض التغيير أو التصرف البسيط أو التلاعب بالكلمات الذي يراه المترجم بعض الأحيان ضرورة لـ(تجميل) القصيدة دون المساس بالأصل، فلربما لا يكون هذا عملاً مذموماً. ومن رأيي أن يُذكرَ النصّ الأصلي مع الترجمة ليتسنّى للقارئ، إن كان ذا علم بتلك اللغة الأجنبية، معرفةُ مدى الأمانة في النقل وكذلك لزيادة معرفته بإحدى اللغتين أو كلتيهما، وللحدّ أيضاً من الترجمات الخاطئة التي تستغفل القارئ وتظهر لعينيه لمعاناً زائفاً ، وفي الوقت عينه (الضغط) على المترجم أنْ يأخذ ( الحذر ) وأن لا يأتي إلاّ بشيء أمين ومقبول قبل أن يعرضَ بضاعته!وأنا الآن هنا أمام قصيدة مترجمة عن الألمانية نُشرت في جريدة الحياة في 18 اكتوبر الحالي للسيد خالد المعالي، ولما كنتُ مولعاً بترجمة الأشعار الألمانية، أردت أن أعرف مدى قدرة الآخرين على مثل هذه الترجمة وطريقة ترجمتهم. لذا رجعتُ إلى النصّ الأصلي فوجدت اختلافاً بين الأصل والترجمة كان بعضه بيّناً جدّاً، حسب علمي، ولربما كنتُ مخطئاً، فأردت أن أظهره للقارئ الكريم مع ترجمتي لها حسب مقدرتي ومعرفتي المتواضعتين والنصّ الأصلي، وتركت له المقارنة والتعليق. وسأكون سعيداً لمن يصحِّح ما أنا عليه من خطأ، إن كان ثمّة خطأ، فليس هناك كمال مُطلق أبداً.تتكون القصيدة ( في الغربة ) من ثلاثة مقاطع وسأذكر ترجمة السيد خالد المعالي مع وضع ما رأيته غير صحيح (المهم فقط حسب اعتقادي) منها بين قوسين ( )وبلون أحمر إنْ ظهر، مع ذكر النص الألماني تحتها وترجمتي تحت النص الألماني مع لون أزرق للكلمات المختـلََـف عليها. أما لغة الترجمة من حيث قوتها وقبولها، فأتركها للقارئ الكريم.

في الغربة

ترجمة خالد المعالي:

تدفعكَ من مكانٍ لمكان

وأنتَ لا تعرفُ ( حتى ) لماذا

( وفي الهواء يشيعُ إيقاعُ كلمةٍ رقيقة )

وأنتَ تنظرُ حواليك مستغرباً.

In der Fremde

Es treibt dich fort von Ort zu Ort,
Du weiكt nicht mal warum;
Im Winde klingt ein sanftes Wort,
Schaust dich verwundert um.

ترجمة بهجت عباس

تدفعك بشدة إلى المُضِيِّ من مكان إلى مكان،

وأنت لا تعرف ولو مرّةً لماذا.

في الريح تدندن كلمة لطيفة،

وأنت تنظر حواليك مندهشاً.

خالد:

فالحبّ ، الذي (خلّفته وراءك)

يناديك برقّة ( لكي تعود إليه ):

آخ، عُدْ، ( فأنتَ عزيزٌ علينا )

أنتَ ( سعادتنا ) الوحيدة.

Die Liebe, die dahinten blieb,
Sie ruft dich sanft zurück:
O komm zurück, ich hab dich lieb,
Du bist mein einzges Glück!

بهجت

الحبُّ الذي ظلَّ في الوراء هناك ،

يدعوك بلطف أن تعـودَ :

أه عُـدْ، إنني أحببتكَ .

فأنتَ سعادتي الوحيدة!

خالد

لكنكَ تسيرُ وتسيرُ بلا توقّفٍ

فعليك ( ألّا تبقى واقفاً في المكان ذاته )

( فمن أحببته )

( لن تراه ثانية ).

Doch weiter, weiter, sonder Rast,
Du darfst nicht stillestehn;
Was du so sehr geliebet hast,
Sollst du nicht wiedersehn.

بهجت :

ولكنّك تتابع،
تتابع،
دون استراحة،

عليك ألاّ تقفَ واجمـاً ،

فما أحببتَ كثيراً جدّاً

ينبغي ألاّ تراه مرّةً أخرى.

II

خالد:

وها أنتَ اليوم ( أسير الحنق )

كما لم أرك منذ زمن طويل!

(تلمعُ على وجنتيك الدموعُ )

وأضحت حسراتُك عالية.

Du bist ja heut so grambefangen,
Wie ich dich lange nicht geschaut!
Es perlet still von deinen Wangen,
Und deine Seufzer werden laut.

بهجت:

أنت اليومَ حزين صحوةِ الضمير

أنني لم أرك هكذا منذ أمدٍ طويل!

يقطر الدمعُ بهدوء من وجنتيك ،

وتصبح تنهدّاتُـك
مُتَصاعـدةً .

خالد

هل تفكّر بأن الوطن البعيد

البعيد في ( شكل ضبابي )، قد ضاعَ منك؟

إعترف لي، ( فأنت تتمنى )

لو كنتَ ( مرآةً في تلك البلاد الغالية ).

Denkst du der Heimat, die so ferne,
So nebelferne dir verschwand?
Gestehe mirs, du wنrest gerne
Manchmal im teuren Vaterland.

بهجت:

هل تفكِّـرُ بالوطن، هذا البعيد جداً ،

الذي اختفى منك مثلَ امتداد الضَّباب ؟

إعترفْ لي، أنْ توَدَّ لو كنتَ

أحياناً في الوطن الغالي.

خالد

هل تفكّر بتلك السيدة، التي بلطفٍ

(أمتعتك ببعض الغضب؟)

ذلك أنك كثيراً ما كنتَ تغضبُ، فيما كانت هي مسالمة

(ولكنكما تضحكان ) دائماً في الختام.

Denkst du der Dame, die so niedlich
Mit kleinem Zürnen dich ergِtzt?
Oft zürntest du, dann ward sie friedlich,
Und immer lachtet ihr zuletzt.

بهجت:

هلْ تفكِّـرُ في السيّدة التي كانت ظريفةً

إلى حدِّ أنها شَرَحتْ
صدرَك

بمشاكستها الصَّغيرة ؟

غالباً ما تكَـدَّرتَ ، ثمَّ أصبحتْ مسالمةً،

وأخيراً ضحكتمـا دومـاً معـاً.

خالد:

هل تفكّر بالأصدقاء الذين تهاووا

على صدرك، في الساعة الكبيرة؟

في القلب عصفت الأفكارُ

ولكنه بقي صامتا.

Denkst du der Freunde, die da sanken

An deine Brust, in groكer Stund?
Im Herzen stürmten die Gedanken,
Jedoch verschwiegen blieb der Mund.

بهجت:

هلْ تفكِّـرُ في الأصدقاء، الذين هوَوْا هنا

على صدرك، في ساعة عظيمة؟

عصفت الخواطر في القلب،

ولكنَّ الفمَ ظلّ صامتـاً.

خالد:

هل تفكر بالأم وبالأخت

اللتيْن كنتَ على وفاق معهما

لكني أعتقد يا عزيزي، بأنه

يذوّبُ في صدرك القوة الوحشية.

Denkst du der Mutter und der Schwester?
Mit beiden standest du ja gut.
Ich glaube gar, es schmilzt, mein Bester,
In deiner Brust der wilde Mut!

بهجت:

هلْ تفكِّـرُ في الأم وفي الأخت؟

وقد كنتَ مع كلتيْهما في حسْنِ وِئامٍ .

أعتقد جدّاً، يا عزيـزي،

أنَّ الشَّجاعةَ الوحشيّةَ تذوب في قلبك!

خالد:

.هل تفكّر بالطيور وبالأشجار

(بالحدائق ) الجميلة، حيث غالباً

ما حلمتَ بالحبّ أحلاماً (جديدة )

(حيث التخوّف وحيث التمنّي ؟ )

Denkst du der Vِgel und der Bنume
Des schِnen Gartens, wo du oft
Getrنumt der Liebe junge Trنume,
Wo du gezagt, wo du gehofft?

بهجت:

هلْ تفكِّـرُ بالطّيور والأشجار

للحديقة الغنّاء، حيث غالباً

حلمتَ أحلامَ الحبِّ الفتيِّـةَ .

حيث تخوّفْـتَ، حيث أَمَـلتَ .

خالد:

لقد تأخر الوقتُ، والليلُ قد (انجلى)

(انقشع الظلامُ الحقيقي عن بياض الثلج )

عليّ أن أرتدي ملابسي بسرعة

وأن ( أعود إلى الأصحاب )، آخ!

Es ist schon spنt. Die Nacht ist helle,
Trübhell gefنrbt vom feuchten Schnee.
Ankleiden muك ich mich nun schnelle
Und in Gesellschaft gehn.
O weh!

بهجت:

بيدَ أنَّ الأوانَ قد فاتَ، والليلُ مُنجَـلٍ ،

مُتعكِّـرٌ مُلَـوَّنٌ من الصّقيـع النَّـدِيِّ،

يجب الآنَ أنْ أرتديَ ملابسي بسرعة

وأذهبَ بصحبة رفاق ، واويلتاه !

III

خالد:

( لقد كان آنذاك )، بلدٌ جميل

فيه نَمتْ ( أشجارُ ) سنديان عالية
(واهتزّت أغصانها متدلية لبعض الوقت )
لقد كان ذلك حلماً.

Ich hatte einst ein schِnes Vaterland.
Der Eichenbaum
Wuchs dort so hoch, die Veilchen nickten sanft.
Es war
ein
Traum.

بهجت:

كان لي يوماً ما وطن جميل.

تنمو السِّنديانةُ هناك عاليةً جدّاً

يُطأطِئ ُ البنفسجُ رأسَه نعاساً ويرفعه بوداعة

لقد كان حلماً.

خالد:

وتلك التي قبّلتني وكلّمتني بالألمانية

التي لا يمكنني أن أتصوّر كيف هو إيقاعها

كلمة : «أحبك»، تلك!

لقد كان حلماً.

Das küكte mich auf deutsch, und sprach auf deutsch
(Man glaubt es kaum,
Wie gut es klang) das Wort: »ich liebe dich!«
Es war ein Traum.

بهجت:

قبّلتني بالألمانية، وتكلّمت بالألمانية،

(نادراً ما تصدّق كم هو جميل إيقاع):

تلك الكلمة: " أنا أحبّـك "

لقد كان ذلك حلماً.