بعد أنبثت قناة الجزيرة بانها تسلمت شريطا لم تنشره بعد،يظهر "مسلحا يطلق النار على امرأة معصوبة العينين يبدو انها مارغريت حسن"، وبعد أن أكدت السفارة البريطانية ان الخبر صحيحا.. نعيد نشر مقال زميلنا رسول محمَّد رسول الذي نشرته إيلاف (بتاريخ 12 تشرين الأول من العام الجاري) لأنه يلقي ضوء معلومات عن هذه الناشطة الإنسانية.

في أيلول (سبتمبر) عام 1980 تعرفت إلى ماركريت حسن لأول مرة في منطقة الوزيرية ببغداد، وتحديدا في (المعهد الثقافي البريطاني) حيث كانت تعمل هذه المرأة سكرتيرة أولى للمعهد هناك لا تدخل إلى استعلامات المعهد إلا وتجد تلك المرأة تتلقاك ببشاشة الأم والأخت معا، كانت تحيط بالسكرتين العراقيتين العاملتين في المعهد (هيلدا) و(عاطرة).
لقد مكثتُ في الوزيرية خلال أعوام دراستي الجامعية في كلية الآداب ـ قسم الفلسفة، وكان المعهد بالنسبة لنا خزانة ليس لتعلُّم اللغة الإنجليزية فقط إنما لما فيه من مكتبة نتزوَّد بها آخر الإصدارات المتعلقة بتخصصنا، وهي الإصدارات التي ما كانت تصل إلى العراق في وقت كان يخوض حربا ضروسا مع إيران، فضلا عن كون المعهد كان المكان الذي نلتقي فيه مع أصدقائنا سواء كانوا من طلبة الجامعات أو من المثقفين.
كانت ماركريت حسن، المرأة الإنجليزية المتزوجة من عراقي، نبعاً للمحبة والعطاء والخدمة الإنسانية التي لم تعرف الحدود، ويتذكّرها كل الذين تلقوا تعليما في المعهد البريطاني من العراقيين، ومن تعرَّف إلى هذه المرأة عن قرب ذاق عبق مودتها للعراقيين، وحرصها الإنساني قبل التعليمي عليهم، فكم من طالب علم عراقي ضاقت به شحة مصادر بحثه ولجأ إليها مستجيرا وهو غير قادر على دفع ثمن كتاب أو بحث بل حتى ثمن أستنساخ البحوث والمقالات عن نصها المنشور في كتب أو صحف أو دوريات أجنبية كانت متوافرة في مكتبة المعهد البريطاني ببغداد؟ وكم من شخص كان يجد في تعلم اللغة الإنجليزية خيارا لرزقه وعيشه في وقت كان فاقدا لكامل أجور الدراسة في المعهد، لكنه سيجد حلا لدى السيدة ماركريت. وصور إنسانية هذه المرأة كثيرة وكثيرة..
ومع غزو بطل التحرير القومي للكويت أغلق المعهد أبوابه، وغادر منْ فيه، بينما بقيت المرأة لفترة من الزمن تنفق وقتها في خدمات ما بعد انتهاء فترة الدراسة للطلاب الذي درسوا في المعهد قبل إغلاقه بسبب قطع العلاقات البريطانية العراقية إبّان غزو صدام للكويت.
وكان بإمكان السيدة ماركريت أن تغادر العراق برفقة أسرتها إلى أيرلندا أو بريطانيا أو إلى أي مكان بالعالم لكونها أيرلندية الجنسية، لكنها آثرت البقاء بالعراق رغم جور دوامة العقوبات الاقتصادية، ولأن الأصوليات الظلامية بالعراق تتصيد بالماء العكر بحثاً عن غنيمة في وقت صار فيه الأجانب فريسة للخطف الأعمى، أخذوا في الآونة الأخيرة يتخبَّطون في اصطياد غنائمهم البشرية، فبعد أن دفعوا أموالا طائلة لشراء معلومات عن أجانب يسكنون هنا وهناك في أحياء بغداد على غرار بيغلي وأصدقاؤه، صار لهم يبحثون عن أي أجنبي أو أجنبية بالوطن العراقي لغرض اصطياده بالخطف من دون أي اعتبار لوضع أي أجنبي أو أجنبية، فماكريت حسن المتزوجة من عراقي، والتي ارتضت العيش بالعراق رغم الصعاب التي مرت بها البلاد، معناه أنها وضعت التزامها الاجتماعي ـ الأُسري فوق أي اعتبار آخر، وذلك التزام أخلاقي لم يقدره خاطفوها، كما أن هذه المرأة التي تزوجت برجل عراقي مسلم معناه أنها لا تملك أية عقدة تميزية، لا دينية ولا طائفية، بوصفها مسيحية الديانة، ومعناه أن هذه المرأة لا تملك أية رؤية عنصرية، عرقية أو مناطقية أو حضارية، إزاء الآخر.
إن إرادة الشر التي تهيمن على سلوك الظلاميين الجُدد بالعراق غالبا ما تحول دون أن يضع هؤلاء في اعتباراهم ماذا يعني اختطاف امرأة هي عراقية اليوم قبل أن تكون أجنبية، وماذا سيقول خطابهم في الخطف إلى العالم وهم يحرقون كل قيم المحبة البشرية، وقيم التواصل الإنساني، والسيدة ماركريت حسن جسَّدت هذه القيم عندما اقترنت بعراقي مُسلم، وعاشت في مجتمعه، وذاقت مرارة الحياة التي عاشها العراق منذ عقود فائتة؟؟

كاتب عراقي
[email protected]