حين التقيت للمرة الأولى في إبريل (نيسان) الماضي، خلال زيارة لي بدعوة من الإدارة الأميركية مع عدد من الصحافيين العرب في واشنطن وجها لوجه مع أربعة من قادة "أميركان إنتربرايز" التي تمثل اليمين المحافظ في الولايات المتحدة الذي نحقد عليه في عالمنا العربي والإسلامي ونلقي عليه كل نتائج هزائمنا وخيباتنا العديدة، فإنني رغم التصادم في الحديث مع هؤلاء الباحثين المخضرمين تمنيت أن يكون لنا في عالمنا العربي والإسلامي معاهد بحث ومؤسسات فكر تحتوي كل جديد وتغوص في أعماق الحقائق وتمحصها لتخلص في نتائجها إلى توجيه رأي عام قادر على الإنجاز والمواجهة وتحمل المسؤولية أولا وآخرا دون إلقائها على الآخرين.

أسوق هذه المقدمة بعد أن طالعت على صفحات "إيلاف" بيان الليبراليين العرب الجدد (نص النداءالذي وجههالليبراليون العرب إلى الأمم المتحدة )، فاستبشرت خيرا، وقلت لنفسي الآن وقد حصحص الحق، وبدت الأمنية التي تخيلتها في مقر أميركان إنتبرايز ونظيرها من المعاهد والمؤسسات الأميركية الأخرى مثل معهد بروكينغز ومؤسسة مادلين أولبرايت رغم اختلاف العقائد بين هذه الثلاثة، قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى. وإذ دعوة دؤوبة كالتي حملها بيان الليبراليين العرب الجدد غير متأخرة كثيرا، لكنها خطوة فاعلة على درب طويل، قبل أن يتحكم الشر ويستحكم في عقول الأجيال تلو الأجيال كما عشعشت أفكار أخرى لقرن ونيف وقرون سبقت في عقول الأولين السابقين وانعكست بكل ما فيها من ظلامية وانكسار على حركة جيلنا وتفكيره وعيشه ومعاشه ليس بهزائم فكرية أو في ميادين القتال وحسب، بل على كل سكنة من سكناتنا، فكانت النتيجة أن نرفض الحوار الإنساني بين الحضارات وصناعها، ونرفض الطرف الآخر، رغم أن "عيشنا ومعيشتنا ولا نقول بقاءنا منة من لدنه ، حيث هو أبو التكنولوجيا، وهو صانع الديموقراطيات والعدالة الإنسانية في زمن نقتل فيه نحن بأيدينا كل ما هو فعل ناجز يحمل إلينا نسمات الخير والبقاء والاستمرار"ز

هذا الضياع الذي عانيناه طويلا، بهزائمنا المتلاحقة من الداخل لابد له من نهاية، ولا بد من فجر جديد نتعلق بأستار نوره منبر هداية وهدى نحو مستقبل واسع الآفاق، فمخاطبة الليبراليين العرب الجدد لأهم منبر عالمي هو مجلس الأمن الدولي للانتصار بشرعيته التي اتفق عليها العالم في مواجهة "فقهاء حز الحلاقيم وجز الرقاب" بدم بارد بدعاوى انتهازية مزعومة ترفضها الشرائع السماوية وفي مقدمها الدين الإسلامي الذي استمد باسمه زعما مجموعة من القتلة والإرهابيين والشذاذ والخارجين على القانون وعصابات مافيا الدية المالية ومهربي الأفيون قوانينهم في المواجهة، خطوة غير مسبوق في تاريخنا قديمه وحديثه.

يكشف البيان عن واقع حال لا يعانيه الآخر، بقدر ما نعاني منه نحن في داخلنا العربي والإسلامي، حتى صار الواحد فينا يحمل ضد نفسه كل معاني العداوة التاريخية لدرجة الانفصام، وصارت حالة عامة، ليس فقط فقهاء الذبح هم المسؤولين حن حال الارتجاج العقلي الذي نعيش، هنالك مؤسسات ـ لمزيد من القهر والأسف ـ مهمتها قيادة الجيل بانفتاح وشفافية تجاه الآخرين وتقبلهم والتحاور معهم خدمة للإنسانية جمعاء، تورطت هي الأخرى، كأن على رؤوسها الطير، في ممارسات جماعة الفتنة من الفئة الضالة، من فقهاء ذبح ومشائخ إرهاب وأمراء ترويع من باتنة في الجزائر حتى تورا بورا في أفغانستان مرورا بالفلوجة العراقية، هذه المؤسسات لمزيد الأسف إعلامية، وهي إن استبدلت الهدى بالضلالة لهثا وراء بث أشرطة فيديو "قطع الإعناق".

وهي بفعلتها كأنما وضعت نفسها في الدرك الأسفل من الفكر المنحدر، واستغرب كيف يروق لجماهير شعوبنا ومثقفينا وشبابنا الطلائعي المنفتح على العالم هذه المهزلة الدموية التي لا يعاني منها العالم المقابل بقدر ما تطحننا نحن وتحرقنا بأتونها حتى نخرج من حسابات الآخر لا بل يطردنا ويمقتنا بدل أن نقف وإياه على منبر حوار واحد نتجادل ونتصادم ولكن نحو مهمة واحدة هي خدمة الإنسانية.

بيان الليبراليين العرب الجدد، في رأيي أول خطوة عملية واقعية تفرزها الأحداث، ولعل ما فشلت في تحقيقه أحزاب الأيدولوجيات المتباينة من قومية ودينية على مر عقود من الزمن، تحققه حروف هذا إن نحن التففنا حوله وتبنيناه بقلوب صادقة وحققنا له مراميه وأهدافه، ساعتها سيتحقق الكثير، وهو مرة ثانية، أقول أنه لم يأت متأخرا.