-1-

هاتفني الصديق الدكتور مأمون فندي الكاتب والأكاديمي البارز ورئيس تحرير المجلة الجديدة المتميزة (قضايا عالمية) التي تصدر في واشنطن، وبارك لي ولمعدي (البيان الأممي ضد الارهابنص النداءالذي وجههالليبراليون العرب إلى الأمم المتحدة ) الذي تمت ترجمته الآن إلى الانجليزية، وسيرفع بعد أيام إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، وسألني سؤالين مهمين:
- لماذا كتبتم هذا البيان؟
- ولماذا الآن؟
وهذان السؤالان لم يكونا فقط على لسان مأمون فندي، ولكنهما كانا حال معظم الذين هاتفونا وناقشوا معنا هذا البيان وأفكاره، وما جاء به من أمثلة الفتوى المحرضة على الارهاب وخطورة هذه الفتاوى ودورها في زيادة وتائر الارهاب وتشجيع الشباب على ترك مقاعد الدراسة وطلب العلم، وترك مكاتب العمل وهجر طرق طلب الرزق وهذه قلة قليلة، ولكن هذه الفتاوى المحرّضة على الارهاب تشجع بالدرجة الأولى الشباب العاطل عن العمل والمحروم من التعليم والمُعطّل العقل والارادة والمتماهي مع الزعماء الروحانيين من أمثال ابن لادن والقرضاوي والظواهري والزرقاوي والغنوشي والترابي وغيرهم، والمنتشر على مقاهي الرصيف.. تشجيع كل هؤلاء للالتحاق بصفوف الارهاب في العراق وأفغانستان، واليوم سيناء المرشحة لأن تكون ساحة ثالثة من ساحات الارهاب الديني الأصولي بعد عمليات التفجير الأخيرة في طابا التي باركها فهمي هويدي في مقالاته القريبة في جريدة "السفير"، وأحمد مجدي حسين الأمين العام لحزب "العمل" المصري الذي قال في جريدة ("الشعب" ، 8/10/2004) ان هذه الأعمال الارهابية قد ردت لمصر كرامتها وعزها ومجدها!

-2-

لماذا كان (البيان الأممي ضد الارهاب)؟
لنا في ذلك أسباب كثيرة منها:

1-
أن هذا البيان جاء صدى لقرارات مجلس الأمن الاربعة بخصوص الارهاب: رقم 1267 في 15/10/1999، والقرار رقم 1373 في 28/9/2001، والقرار رقم 1540 في 28/4/2004 ، والقرار الأخير رقم 1566 في 8/10/2004.
2-
أن هذا البيان جاء خلاصة لمواقف الليبراليين الجدد السابقة من الارهاب ومنذ سنوات، ولا جديد فيه الآن. فشاكر النابلسي أحد معدي (البيان الأممي ضد الاهاب)كان كتابه ("ابن لادن ما زال حياً"، عام 2002) من الكتب الأولى في المكتبة العربية التي درست الارهاب الحالي وتاريخه ومنشأه وعناصره ومكوناته.. الخ. كما كان هذا الكتاب سجلاً راصداً لكيفية تفكير العرب من اليسار والوسط واليمين في كارثة 11/9/2000 . وتتابعت كتابات النابلسي عن الارهاب منذ ذلك الوقت حتى الآن. ومنذ العام 1996 والعفيف الأخضر أحد معدي (البيان الأممي ضد الارهاب) يكتب سلسلة من المقالات يحذر فيها من فتاوى الارهاب، ومن فقهاء سفك الدماء. وكانت احدى المقالات (هل من رد على فتوى التحريض على الجريمة؟) سبباً في ايقافه عن الكتابة لمدة شهرين في جريدة "الحياة" 13/2/2002.
3-
أن هذا البيان قد جاء بعد أن لاحظ الليبراليون العرب بأن الفوضى الدموية المُشرّعة من قبل بعض الأشياخ المفتين قد اتسعت وتعاظمت، إذ استمر هؤلاء الأشياخ يفتون واستمر الإرهابيون يقتلون. وأنهم بهذا البيان يودون ايقاف هذه الفوضى الدموية بعد أن تحول كل شيخ من شيوخ الافتاء الدموي إلى محكمة من "محاكم التفتيش" في القرون الوسطى. وهذا البيان عندما طالب باقامة محكمة للإرهاب، فإنه بذلك كان يرد على "محاكم التفتيش" التي أقامها هؤلاء الأشياخ.
4-
أصبح خطر الفتاوى العسكرية الدينية لصالح الارهاب خطراً عاماً يمهد لحرب أهلية زاحفة
في الفضاء الإسلامي وللحروب الدينية العالمية التي هي الهدف النهائي للارهاب الأصولي الديني. وأصبح المطلوب هو تجريم فتاوى التحريض على الارهاب والقتل وكراهية الآخر إذ هي الشكل الأكثر خطراً للعنصرية وتقديم مقترفيها للمحاكمة. ولم يعد هذا التجريم نافعاً على المستوى العربي أو الإسلامي، وكان لا بُدَّ لهذا التجريم من نقلة إلى المستوى الدولي لكي يصبح فاعلاً وفعّالاً، وهو ما قام به معدو (البيان الأممي ضد الارهاب).
5-
لقد أصبح خطر الفتاوى الدينية المتتابعة لا يتأتى من احتمال تطبيقها فحسب، ولكن أيضاً من ترسيخ كراهية الآخر واحتقار الحياة في الوعي الجمعي الديني
الذي بدأ بالكاد يهجى أبجدية الحداثة. فلا خيار لنا إلا أن نكون حديثين أو لا نكون. كما كتب العفيف الأخضر في جريدة "الحياة" 13/2/2002 في مقاله (هل من رد على فتوى التحريض على الجريمة؟)
6-
أن المثقفين العرب التقليديين في غالبيتهم كانوا إلى جانب الإرهاب القائم الآن. بل كان بعضهم داعماً له وحتى الآن . ومن يقرأ مقالات هؤلاء في الصحف الرسمية وغير الرسمية والحزبية وغير الحزبية يخرج بانطباع واحد وهو ما قاله أحمد مجدي حسين الأمين العام لحزب "العمل" المصري في جريدة "الشعب" في 8/10/2004، من أن هذه العمليات هي التي أعادت الكرامة والعزة والمجد للأمة العربية. وأننا بجب أن نفخر بذلك، ولا ننكر مثل هذه العمليات علينا أو على ابنائنا ممن يقومون بمثل هذه العمليات.

7-
لقد لاحظ الليبراليون الجُدد بأن السلطات العربية عاجزة عن اجتثاث الارهاب من جذوره وأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو تسكين الخلايا الارهابية التي لا تلبث أن تنتفض ثانية. وبلغ الضعف والخوف بالسلطات العربية حداً أنها لم تعد قادرة على اهمال طلب الارهابيين بايقاف مسلسل تلفزيوني كمسلسل ( الطريق إلى كابل) الذي تم وقف بثه في كثير من محطات التلفزيون العربية بعد تلقي هذه التلفزيونات انذارات ارهابية. فكيف نطالبها وهي ذات اليد القصيرة والعين غير البصيرة أن تقيم محاكم لدعاة الارهاب والمفتين له؟
8-
لقد لاحظنا أن ستين بالمائة من الموقعين على هذا البيان هم من أبناء الخليج العربي. ولهذا تفسيره. فالحاجة تنتج الظاهرة ونقيضها. بمعنى أن الخليج قد انتج ابن لادن ولا بُدَّ أن ينتج نقيضه. وانتج القرضاوي ولا بُدَّ أن ينتج نقيضه، ورعى واحتضن الغنوشي والزنداني وفكر سيد قطب وينتج الآن نقيضه، ورعى واحتضن جماعة الإخوان المسلمين في الستينات والسبعينات ولا بُدَّ الآن أن ينتج نقيضهم. انه نوع من التكفير عن ذنب عظيم.
فالأموال الخليجية والفقه الخليجي قد ساهم مساهمة كبيرة في رفع وتيرة الارهاب دون شك. واليوم نرى هذا التوقيع على (البيان الأممي ضد الارهاب) من قبل الخليجيين وبهذه النسبة المرتفعة بمثابة انتاج لنقيض ظاهرة الارهاب.
9-
ولقد لاحظنا كذلك، بأن أقل نسبة من الموقعين على هذا البيان كانت من الفلسطينيين والأردنيين على وجه الخصوص. ومرد ذلك في رأينا أن الشارع الفلسطيني والأردني قد تمت تعميته تماماً بفضل سيطرة الأحزاب الدينية الأصولية، وبفضل الأموال التي أغدقها نظام صدام حسين على هذين الشارعين.
10-
وأخيراً، فإن السؤال الذي كان يجب أن يُسأل ليس لماذا هذا البيان الآن، ولكن لماذا تأخر صدور هذا البيان إلى الآن، بعد أن غرق العالم العربي بدماء الارهاب وحُجب ضوء الشمس العربية بلمعان سيوف الارهابيين، وأصبح العربي لا يعني للعالم الرازي والكندي والفارابي وابن رشد وابن خلدون وابن سينا، ولكن ابن لادن والظواهري والقرضاوي والزرقاوي والزنداني والترابي والغنوشي وغيرهم.

ولا تنسوا أيها الليبراليون الجُدد الشرفاء عنوان صندوق الاقتراع على (البيان الأممي ضد الارهاب) [email protected] فما زلنا بحاجة إلى مزيد من التواقيع.