ان التباين الكبير في الخطاب الاعلامي بين الاهداف والنوايا و الذي في اغلب الاحيان يعكس وجه النظر الحزبية وبعيدة نوعا ما عن توجه الشارع الكوردي العام يفرض علينا تسائلا محقا حول الهدف النهائي للاعلام ومهمته المقدسة وخاصة تلك التي ترتبط بحق المواطن في ابداء الراي ومناقشة امور تخص حياته ومستقبله وهذا بالاظافة الى دوره في المراقبة , المتابعة , التحليل , التقيم , استباط العبر وبناء المفاهيم والمبادئ والمعتقدات حول مجمل اداء المؤسسة الحاكمة والهيئات التابعة لها.
تلك الالية تكون اللبنة الاساسية في بناء اسس المجتمعات الديمقراطية التعددية حيث حرية الراي والمبدا والعقيدة مقدسة لا يجوز تجاوزها والاخلال بها مهما كان سطوة الاحزاب والحكومات على الحياة السياسية للناس وبالتاكيد ان تجارب الشعوب منار لنا نحن الذين لا يتجاوز اعوام تجاربنا في الحياة البرلمانية اصابع اليد الواحد ولا تزال الممارسة الديمقراطية تحبو خطواتها الاولى في المجتمع الكوردستاني بصورة خاصة والمجتمع العراقي بصورة عامة بعد سنوات من التعثر اثر اعلان الدولة العراقية في 23 اب من عام 1921 كمملكة ذو نظام برلماني تعددي ما لبث ان قام العسكر بتقويضها عام 1958 وكانت النتيجة عسكرة الفكر السلطوي الحاكم الذي كان الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم يحلم يوما بعودة النظام البرلماني وتعددية الاحزاب الى الحياة السياسية العراقية وهلك بحلمه وبات الوطن العراقي يتارجح في مهب الريح العاتية الظلامية من قومية عنصرية متعسكرة ادخلت البلاد الى حروب داخلية وخارجية ونزاعات جانبية واهدرت بذلك الطاقات البشرية والاقتصادية والبيئية الوطنية العراقية اما في كوردستان فلم تشهد الاقليم الحياة البرلمانية الحقيقية الا بعد الاستقلال النسبي الذي شهده الاقليم بعد حرب تحرير الكويت عام 1991 واستمر مبتورا ولحد يومنا هذا.
ان الاعلام الوطني الاساسي ينطلق من مبدا القاسم المشترك الاعلى للفكر العام للناس وتوجهاتهم وتطلعاتهم المستقبلية وامالهم في الحياة المستقرة الحرة الكريمة. تكون المؤسسة البرلمانية التي يتم انتخاب اعضائها في انتخابات برلمانية الواجه الحقيقية التي تعكس تلك التوجهات العامة. فالنائب الذي قدم حزبه برنامجه الانتخابي يكون ملزما امام الذين انتخبوه وامنوا بفكره وبرنامجه السياسي وشاهدوا فيه ما يعكس طموحاتهم وافكارهم. هؤلاء سوف لا يعارضون مستقبلا اي توجه وقرار تتخذه الحكومة المنتخبة يوازي تلك الافكار والبرامج والوعود الانتخابية التي طرحت عليهم خلال المعركة الانتخابية. هذا اذا التزم الحزب بتلك الوعود الانتخابية والا فصناديق الاقتراع والتي ستنفتح من جديد مرة اخرى بعد اربع سنوات ستكون العامل الحاسم لبقاء ذلك الحزب او الاتلاف الحاكم في سدة الحكم هنا نرى ان الناخب قد يدير ظهره لذلك الحزب وربما يختار حزبا كان يعارضة يوما ما.
هذا ما نراه عمليا على ارض الواقع في الدول التي تنادي و تطبق المبادئ الاساسية للديمقراطية في مجتمعاتها وعلينا نحن كذلك ان ناخذ بذلك كهدف وطني نهائي يخدم المجتمع وابنائه من جميع النواحي والامور الحياتية والسياسية والاجتماعية. ان سواد الفكر التعددي الديمقراطي الانساني على المبادئ الاساسية لعمل هيئات الحكم والدولة والقظاء المستقل من الامور الاساسية والقاسم المشترك الذي يبعد شبح التفرقة في المجتمعات ويبعد كذلك شبح الهيمنة العسكرية على مقاليد السلطة والحكم.
اذن السلطة لا تمثل الا راي الاكثرية 51% وربما اقل في الائتلافات الحكومية وقد يحكم حزب اقلية بمعاضدة الاحزاب الصغيرة دون دخول هؤلاء الى التركيبة الحكومية مكونين عامل ضغط يمررون بها بعض من برامجهم الانتخابية .
كل ذلك تحدد في فترة من الفترات قد لا تتجاوز الاربع اعوام تجري بعدها انتخابات برلمانية جديدة قد تغير الخارطة السياسية والفكرية للحكم. كما ذكرت سابقا قد يسود و لفترة محددة فكرا سياسيا بين الناس وقد يغيرون فكرهم وارائهم بعد حين ليجدوا فيما كانوا عليه من توجهات زلة او خطا فيدرون ظهورهم لتك الافكار. هنا نرى اهمية مبدا اساسيا في كون الاعلام الوطني مستقلا لا يجوز ان يكون باي شكل من الاشكال بوقا اعلاميا للفكر السائد للسلطة الحاكمة والا سنرى اعلاما موجها كما كان في عهد النظام السابق في العراق والانظمة التي لا تزال تسير على نهجها. ان الفكر الاعلامي الوطني يبقى ويستمر على نهجه الثابت في حالة الازمات والنزاعات والحروب ولا تدخل طرفا في اي نزاع بالدعاية لاحدى الاطراف المتنازعة بل تبقى ثابتة , صادقة ومخلصة للخط العام لفكر وتوجهات العامة من الناس. هنا نرى اهمية التميز بين الاعلام المركزي للاحزاب والاعلام الرسمي الوطني وقد يلتقيان في امور ويختلفان في امور اخرى لذا نرى ان هيمنة الاحزاب السياسية على الاعلام الوطني مرفوض تماما وعلى البرلمانات المنتخبة ايجاد وسائل حدية تحدد من تاثير وتدخل تلك الاحزاب في الخط الاعلامي الوطني باستحداث دوائر اعلامية مستقلة لا تاخذ في حال من الاحوال اوامرها من الجهات الحزبية بل تبقى كمؤسسة مستقلة يحدد القانون شكلها والية العمل فيها كما هو عليه مؤسسة القظاء ومؤسسات التعليم بجميع مراحله.
ان هذا التوجه الجديد سيكون له نتائج ايجابية وتدفع بالفكر الوطني المستقل بخطوات الى الامام بعيدة عن هيمنة الفكر الشمولي والعسكري والحزبي , خاصة ونحن امام منعطف تاريخي ليس فقط في حياة الكورد بل ستشمل العراق من شمالها الكوردستاني الى ابلتها على شواطئ الخليج . هذا التغير لم نجد لها مثيلا في التاريخ القديم والمعاصر للشعب الكوردي واعني به ما وصلت به الحركة التحررية الكوردية من منجزات في الاقليم والتي تتمثل بالبرلمان الكوردي الذي سيجري ومن جديد تجديد اعضائه في انتخابات برلمانية , هؤلاء الذين سيمثلون التركيبة الكوردستانية التعددية. اما في الوطن بالعموم فان الانتخابات القادمة للجمعية الوطنية العراقية فمن المتامل ان يخوض جميع الاحزاب الكوردستانية وربما بصورة قائمة موحدة في تلك الانتخابات . حيث من المتوقع مساهمة الجميع في هذه الانتخابات تحت سيادة اجواء الامن والاستقرار النسبيين في جميع المدن الكوردستانية بالمقارنة مع ما يجري في بعض الاماكن الاخرى في العراق.
ان الاعلام الوطني المستقل سينتج حتما فكرا وطنيا كورديا مستقلا ستنعكس ايجابيا على جميع المؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة والمقرية والانترنت ووكالة للانباء الوطنية الفدرالية وتتحول لاحقا الى منار يهتدي اليه الجميع. تلك الخطوة ستؤدي حتما الى ازدهار الحياة الثقافية للناس بعيدا عن شوائب الافكار الهدامة للفكر الانساني حيث تهذيب النفس والروح على حب الخير ونبذ الشر ونشر روح التسامح والمحبة والاخوة بين الناس مما يبعد شبح الحرب والدمار والمنازعات من المجتمع ويمهد بناء اسس المجتمع المدني ومؤسساتها.
يبقى ان نعلم ان صراع الافكار السياسية سيبقى وعلى مر العصور وفي جميع الازمة والاماكن صراعا للوصول الى سدة الحكم لتطبيق الايديولوجية الفكرية التي تحملها تلك المجموعة البشرية وهذا الصراع مقدس ومقبول لدن الجميع ما دام الصراع سلميا حضاريا و سياسيا ولا يحمل فكرة اللجوء الى العنف وفرض هيمنة الفكر الشمولي السلطوي الواحد الذي بدوره يهمش وجود الاخرين الى درجة امحاء وجودهم الفكري والانساني وياتي بالخراب على المعمورة.