كنت ولازلت من اشد المعجبين بالشجاعة التي يتحلى بها الرئيس علي عبدالله صالح في نقده الدائم للفساد والأوضاع الغير مرضية في المجتمع اليمني ويشد انتباهي كل ما رايته يتحدث في حفل خطابي او حشد جماهيري ، وقد سمعته كما سمعه غيري في كلمته التي ألقاها في مأدبة الإفطار التي أقامها مؤخرا يدعو المستثمرين اليمنيين إلى البقاء في اليمن والاستثمار فيها. ووجه إليهم بعض الأسئلة الانتقادية، لماذا تذهب بأموالك إلى الخارج ، لماذا تستثمر في غير بلدك، لماذا تحرم اليمن من العملات الصعبة الكثيرة التي من الممكن ان تنعش الاقتصاد الوطني في اليمن ، لماذا لا تحضر رأسمالك إلى هنا ، ونحن سنوفر لك الأرضية المناسبة والبيئة المستقرة للاستثمار في اليمن، لماذا، ولماذا، ولماذا، ولم يجبه احد.
سأتبرع هنا وأجيبه حبا فيه وحرصا عليه حتى لا يستغفله كل من حضر ذلك الحفل الجماهيري الذي قال فيه هذا الخطاب من المسؤولين الذين يعرفون حق المعرفة ماهي الأسباب التي دعت المستثمر اليمني للهروب من اليمن والفرار منها ورفع شعار "الخروج من اليمن مولود والداخل إليها مفقود"، هذا عن المستثمر اليمني فضلا عن الأجنبي الذي إن فكر في اتخاذ خطوة نحو اليمن أو بدأ يشاهد الفضائية اليمنية وجد ألف يمني حوله يحذرونه من الانزلاق إلى تصديق "هدار التلفزيون".
أريد أن ابحث هنا ماهي الأسباب التي دعت المستثمر اليمني يهرب بأمواله واستثماراته إلى الخارج ثم يتعقب المستثمرين العرب والأجانب وينصحهم بعدم الاستثمار في اليمن.
سيدي الرئيس لايخفى عليك الاستقبال الذي يجده الشخص في مطار دبي ولا نقول أي دولة أجنبية حتى تبقى المقارنة فيها شئ من الموضوعية ، حفاوة الاستقبال من موظفي المطار وعمال حمل الحقائب والفتيات اللاتي وظيفتهن الرسمية رسم ابتسامة عريضة على وجوههن وبضع كلمات " مرحبا بيك في دبي نتمنى لك إقامة سعيدة " ثم تعطيك ورده صغيرة، هذا الاستقبال للقادم إليها لأول مرة او دون ترتيب على انه مستثمر، أما المستثمر الذي نسق مع هيئة الاستثمار فان له بوابة خاصة وبروتكول خاص واستقبال خاص وحفاوة بالغة وبرنامج حافل ولا يوجد من يقول له أعطيني كي أحميك، او ادخل شريك بنسبة كذا "حماية"، لايوجد من يقول له سأعرفك على الشيخ الفلاني أو الوزير العلاني كي يدعمك، لا يجد مواعيد ليلية خاصة في الفلل الخاصة والقصور العامرة وكلها لتوضيبه، لا يجد هذا المستثمر شغل عصابات تحاول أن تستفرد به، لا يجد من يتسابق عليه وكأنه غنيمة.
سيدي الرئيس هذا نموذج مما يقوم به ذوي النفوذ في اليمن مع أي مستثمر سواء كان يمني او غير يمني والأمثلة كثيرة على هذه الممارسات وغيرها. ستقول ماهي "غيرها " أقول لك وبصدق ان هناك شللية ومناطقية ولوبي لكل منهما يحاول منافسة الآخر في اقتناص الفرص وجني المكاسب لمصالحه الشخصية "كفرد" او الجماعية كلوبي وجماعة.
سيدي الرئيس عندما ذهبتُ إلى ابوظبي لأول مرة خُيرت بالسكن في عدة احياء كان منها حي الحضارم وهو حي منحه الشيخ زايد بن سلطان لأهل حضرموت الذين نزحوا إليه هروبا من الحكم الشمولي في الجزء الجنوبي من الوطن قبل الوحدة ، فاخترت القرب منهم لأنهم أبناء جلدتي وسأجد فيهم العوض عن مفارقة الأهل والخلان في الغربة ، أعجبت بالترابط الكبير الذي يضم الإخوة الحضارم في المهجر اذ وجدت أنهم منظمون ومتكاتفون ولهم " منصب " أي كبير يرجعون إليه في كل أمورهم ، وعندما يموت احدهم في أي إمارة من الإمارات لابد من إحضاره إلى جامع الحضارم ويصلى عليه ويحضرون من جميع الإمارات للصلاة عليه وتقديم العزاء وهكذا الأفراح أيضا ، تماسك قوي يثلج الصدر ، حاولت ان أتقرب منهم واحضر مجالسهم " الصوفية " وهي تعقد عادة كل خميس واثنين بالتناوب بينهم ، فوجئت في أول يوم احضر فيه بنظرات ترمقني باستغراب وتساءل بعضها بعضا عني وكأني دخيل خطير رغم أني حضرت مع احد كبرائهم لكن ذلك لم يشفع لي من الإجابة على سؤال بعضهم هل أنت يمني ام حضرمي ؟ ، حاولت الإجابة عن سر هذا السؤال ولماذا يقال بهذه الطريقة وكيف يعيش هؤلاء وأين يعيشون، هل من المعقول انهم لم يسمعوا بالوحدة اليمنية إلى الآن؟
طبعا وزر هؤلاء تتحمله السفارة اليمنية في أبو ظبي التي لم تعمل على تأليف هؤلاء والتواصل معهم وتحسيسهم بالوحدة اليمنية وإقامة الفعاليات المختلفة ودعوتهم لها وجعلهم يعرفون ويحسون أنهم من رعاياها.
تركتهم ونسيت الأمر بعد أن انتقلت من ابوظبي إلى إمارة أخرى ، إلى أن ذكرني به احد المستثمرين اليمنيين الذي نزح من محافظة المهرة بعد مقتل أبيه وأخيه على يد الحكم الشمولي في الجنوب ليستقر به المقام في دولة قطر ويتزوج هناك ويكوّن ثروة كبيرة، لكنه لازال يفكر في مسقط رأسه والحنين إلى مرابع الطفولة والصبا فجاء إلى صنعاء وتقدم بطلب إنشاء محطة غاز في محافظة المهرة على ان يكون وكيلا للغاز هناك وهذا واحد من المشاريع التي جاء بها ليستقر بقية عمره في اليمن كما قال، وفعلا بعد ان عامل وتغلب على العديد من الصعوبات التي لايتسع المجال لذكرها مُنح تصريح إنشاء المحطة واشترى الأرض وبدأ يشتغل بها وخسر خسائر كبيرة تزيد على المائة مليون ريال ثم يأتي مستثمر آخر ويعطى ترخيص آخر وفي نفس المحافظة ويتم إيقاف صاحبنا بحجة ان المحافظة صغيرة ولا مجال للتنافس فيها، جاء إلى صنعاء وبدأ رحلة ماراثونية بين رئيس الوزراء ووزير النفط والعميد علي محسن الأحمر الذي قيل له انه سينصفه وهو بالمناسبة ملاذ للكثير من المظلومين لما عرف عنه من نزاهة واقتدار في حل بعض المشاكل لكنه كم سيكون علي محسن، إذ يتوجب على الأخ الرئيس استنساخ ألف (علي محسن) على الأقل حتى يتمكنوا من تسيير الأمور بالشكل المطلوب.
الشيخ ابن حفيظ " المستثمر القطري الذي تحدثنا عنه " يرجع الموضوع إلى لوبي "مناطقي" يربط بين وزير النفط ورئيس الوزراء والمستثمر الجديد وبعض موظفي الدولة الكبار، ويقول أن من بين هؤلاء من شارك في قتل أبيه وأخيه أيام الحكم الشيوعي في الجنوب ولا يزال يحمل في قلبه الحقد عليه وعلى عائلته، ويشير إلى انه ذهب إلى جميع المشائخ وذوي النفوذ لكنه لم يتوصل إلى نتيجة فاصلة منذ أكثر من عام.
سيدي الرئيس
هذا نموذج حي وقائم إلى اليوم وفشل في مقابلتكم رغم طلبه ذلك "حسب قوله" ويمكن ان يكون مصدرا لتثبيط العديد من المستثمرين اليمنيين والعرب بما يملكه من علاقات تجارية في دولة قطر على الأقل.
سيدي الرئيس .. اعرف كما يعرف غيري بأنك صادق في دعواتك المتكررة للاستثمار في اليمن لكن هناك ألف مخرب وراءك وكلهم من المسؤولين وسماسرتهم الذين يعملون لجني المصالح الشخصية فقط ولايهم مصلحة الوطن ، ولو خسر المليارات طالما وخزينته الخاصة قد امتلأت ، سمعنا في الأيام الماضية أن هناك شركة صينية تقدمت بمشروع مصنع إعادة تدوير المخلفات وإعادة إنتاجها على ان تحضر عمال تابعين لها يعملون على جمع المخلفات من إحدى المحافظات اليمنية مع المعدات اللازمة لإيصالها إلى المصنع الذي سيتولى إعادة تصنيعها من جديد دون تكليف خزينة الدولة ريال واحد، بل وستتكفل بنفقات عمال النظافة ومعداتها كاملة، ومع ذلك تم رفض هذا المقترح ورجع الصينيون إلى بلادهم بخفي حنين بعد ان رفض مسؤول كبير في تلك المحافظة هذا المشروع لأنهم رفضوا شرطه شراكتهم بنسبة لاتقل عن 40 % دون دفع أي ريال وذلك مقابل "الحماية" حسب المعلومات التي وصلتني.
الشيخ محمد سعيد بن مخاشن احد الشخصيات التجارية المعروفة في الإمارات يقول انه تقدم بطلب إنشاء مصنع بتروكيماويات في اليمن وكان ينوي أن ينتقل بتجارته إلى اليمن لكنه قوبل ببعض المسؤلين يرفضون طلبه لأن غيره دفع لهم 50 مليون ريال يمني فهل سيدفع أكثر1
الأمثلة كثيرة والتجار التي أوصدت أبوب الاستثمار في وجوههم كثيرون ولا مخرج لليمن إلا باهتمام شخصي من الرئيس بهذا الباب وتعيين الكفاءات النزيهة وملء عينه وفمه من خزينة الدولة حتى لا يتطلع إلى مافي يد الغير، كأن يحسب لهم مرتبات خيالية تغنيهم عن الطمع والنظر إلى المال الحرام، وتربية روح الوطنية لديهم، ولدي اقتراح آخر وأضنه سيسبب لي وجع الرأس لكنه مجدي "من وجهة نظري" وهو تعيين المقربين منك ومن أسرتك الذين يخافون عليك وعلى سمعتك ويحبون لليمن الخير في عهدك ، ويتم إعطائهم الصلاحيات الكافية على ان يتم معاقبة المخطئ ومكافئة المسيء ، والمال السائب يعلم السرقة سيدي الرئيس؟

[email protected]