أكذوبة الإعجاز العلمى (الحلقة الثالثة)

*يمارسون النصب على الناس ويدعون أن معنى دحاها هو الشكل البيضاوى للكرة الأرضية برغم أن معناها الحقيقى بسطها ومدها !

*الشعر الجاهلى يذكر كلمة دحاها ويتحدث عن دور الأب فى تحديد جنس الجنين فهل نعتبره إعجازاً علمياً!!!

[ راجت تجارة الإعجاز العلمى وإنتعش بيزنس التفسير العصرى على يد الدكتور زغلول النجار ،وهو الظاهرة التى لمعها المذيع أحمد فراج والذى قدم لنا من قبل الشيخ الشعراوى ،وفى البداية قدم لنا الدكتور زغلول نفسه على أنه مفسر للآيات الجيولوجية فى القرآن بإعتبارها من صميم تخصصه ،ولكنه مالبث أن أعجبته اللعبة وعرج على التفسيرات البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والزراعية والفلكية إلى آخر هذه القائمة التى كلماإستطالت وإزدحمت كلما تضخم بالتالى البيزنس وتراكمت الثروة ،وقد أصبح زغلول النجار مؤسسة تمشى على قدمين تدعمه مؤسسة أكبر وهى هيئة الإعجاز العلمى فى السعودية والتى تسرطنت وصارت مافيا تتحدث بالمليارات مستغلة الجهل المطبق والفقر المدقع وعقدة النقص المزمنة التى يعيشها المسلمون ونظرية المؤامرة التى تتلبس عقولهم ،وتزييفاً للعقول وسداً وهمياً للفجوة العلمية الرهيبة بيننا وبين الغرب ضخت الأموال فى جيوب سماسرة الإعجاز العلمى وعقدت المحاضرات وجندت وسائل الإعلام بمايشبه جلسة دخان أزرق يتخدر فيها المسلمون بأحلام الإعجاز العلمى والتفوق الإيمانى ثم ينامون بعدها مرتاحى البال أنهم قد إنتصروا على الغرب الكافر ،وكان سن الحربة ومقدمة الرمح المسنون اللامع فى هذه الحرب الحلم هو زعيم الإعجازيين زغلول النجار .
[ أخطر خلل فى ممارسة أصحاب بازارات الإعجاز العلمى هو كيفية التعامل مع اللغة ،فهم يتعاملون مع اللغة على أنها مطية لتفسيراتهم الوهمية ،وعجينة تتشكل فى أيديهم حسب الرغبة فتارة تصبح الكلمة لها معنى وتارة أخرى يحملونها معنى آخر تماماً لم يكن على البال أو الخاطر إلا بال وخاطر أصحاب فضيلة وفخامة البيزنس الإعجازى ،فاللغة أصلاً وببساطة هى كود أو شفرة أو منظومة صوتية أو دوال صوتية وكتابية نعبر بها عن أنفسنا ،فلو قلنا كلمة شجرة مثلاً كان هذا الصوت الذى نطقته هو المعبر عن هذا الشئ ذى الجذع والأوراق الخضراء ...الخ ،ولكى تصبح اللغة ذات وظيفة محددة وغرض واضح ولكى تنجح فى توصيل المعنى وتساهم فى تواصل البشر كان لابد أن يتفق هؤلاء البشر فى بقعة ما على أن هذا الكود الصوتى هو الذى يدل على هذا الشئ بالذات ،فلاعلاقة بين الصوت "شجرة " وبين الشجرة الفعلية سوى إتفاقنا وإلا أصبح هذا الصوت المنطوق عبثاً وهراء فى الفضاء لامعنى له ،ولو كنا قد إتفقنا كلنا كعرب على أن الشجرة إسمها زعريط مثلاً لكان هذا الزعريط هو المنطبع فى الذهن .
إذا فهمنا اللغة بهذا الفهم السابق شرحه سهل علينا كشف حقيقة العبث اللغوى الذى يمارسه الإعجازيون ،فكلمات القرآن الكريم كانت موجودة فى قاموس العرب حين نزل القرآن عليهم ،وإذا لم تكن لهذه الكلمات دلالة عندهم فى ذلك الحين لكان القرآن قد تحول إلى مجموعة ألغاز وأحاجى لغوية ولكان معطلاً عن الفهم ومن ثم الإيمان به ،وحتى الكلمات البسيطة التى لم تكن موجودة فى قاموسهم ولم تكن لها مدلولات حينذاك تولى الرسول شرحها مثل كلمة سقر مثلاً وهى كلمة تدل على شئ غيبى لمكان فى جهنم ،وعلينا حين نحاول فهم وتفسير القرآن أن نفهمه ونفسره من خلال هذه الوظيفة اللغوية وهى التوضيح وليس "التلغيز " والتعجيز لأن القرآن نزل باللغة العربية وليس بلغة الإسبرانتو، وهو رسالة ومن أولى شروط الرسالة أن تكون واضحة وبلغة محددة ،وأدق اللغات فى العالم هى لغة العلم التى تتحول أحياناً من فرط دقتها وتجريدها إلى رموز ومعادلات ،ولاينفع معها مايدعيه الإعجازيون من أنهم يستخدمون التأويل أو المجاز فى إثبات الإعجاز العلمى ،وهذا خلط وخطأ كبير ويفتح أبواب البلبلة أمام المسلمين لأننا حينها من الممكن أن نقوم بتأويل أبيات شعرية مثلاً على أنها إعجاز علمى نتيجة هذا الخلط بين وظيفة اللغة فى الأدب والمسموح فيها بالمجاز والتاويل وبينها فى العلم وهو المحدد الواضح الذى لايحتمل إستعارة أو كناية أو تأويلاً،فحيث ينبغى إستعمال لغة محددة لاأستطيع أن أقول أننى كنت أقصد كذا تأويلاً ،فمثلاً عندما أصدر أمراً لشخص بأن يقفز من النافذة وتنكسر رقبته وأدفعه، حينها لاأستطيع أن أدعى أمام البوليس بأننى كنت أقصد أن يقفز من نافذة قلبى ووجدانى !!!،وسأقوم بتجربة سريعة من الممكن أن تجربها عزيزى القارئ فى أشعار وكتابات أدبية اخرى لتعرف قدرة التأويل عند الإعجازيين و لتصبح من سماسرة الإعجاز العلمى فى الشعر ولكنك للأسف لن تصبح مليارديراً مثل حزب الإعجاز الزغلولى لأن الشعراء فقراء
والأخطر أنهم مدانون فى كتب الفقه ،فمثلاً يصف شاعرنا العظيم المتنبى الحمى فى البيت الشهير الذى يقول :
وزائرتى كأن بها حياء
فليس تزور إلا فى الظلام

وبعد قراءة هذا البيت من الممكن تدبيج وإختراع عدة أبحاث فى جامعات بوركينافاسو وجزر القمر والإسكيمو تتحدث عن أن أغلب أنواع الحمى تتصاعد حدتها فى الليل وبهذا نثبت أن المتنبى لم يكن كاذباً حين إدعى النبوة ....الخ!!! ،صدقونى ليست هذه سخرية ولكنه نفس الأسلوب الذى يتبعه زغلول النجار فى صفحته المؤجرة بالجريدة الموقرة .
[ إستعمال اللغة المتعسف الذى سبق شرحه وإيضاح خلله ،ولوى عنق العبارات لتتفق مع تفسيرات سماسرة الإعجاز ،كل هذا خلق فجوة واسعة وعميقة بيننا وبين فهم القرآن على حقيقته وحول المسألة إلى لعبة جلا جلا نستطيع بها إخراج أى معنى مسبق فى أذهاننا بمجرد فرد الكلمة وثنيها وتشكيلها وعجنها وفعصها حتى تخدم أوهام البعض العنصرية المريضة بداء التفوق المزيف المخلوق من سراب ،والأمثلة على هذا التعسف المضحك المبكى الذى يمارسه الإعجازيون كثيرة وسنختار منها أهم مثال يشير إلى عملية النصب الإعجازى فى مولد سيدى زغلول ،وسأورد الآية ثم أورد إعجازها العلمى الذى يدعونه ويليها معنى الكلمة الحقيقى المتعارف عليه فى قاموس العرب حينذاك والذى أوصل الدلالة اللغوية الصحيحة وإعتمد عليها المفسرون :
· الآية: " والأرض بعد ذلك دحاها "
الإعجاز : أثبت القرآن قبل 1400 سنة أن الأرض ليست كروية فحسب بل إنها بيضاوية كبيضة النعامة أو كالأدحية
المعنى الحقيقى فى قاموس العرب : دحا الأرض أى بسطها ومدها ،أما الأدحية التى يزعم سماسرة الإعجاز أنها أشارت لأحدث البحوث الفلكية التى أثبتت الشكل البيضاوى للأرض فهى لاتعنى بيضة النعامة ولكنها تعنى مبيض النعامة أى المكان الذى تبيض فيه وسمى كذلك لأن النعامة تدحوه برجلها أى تبسطه وتوسعه فكيف يصبح بقدرة قادر دليلاً على الشكل البيضاوى ،ولو سلمنا مع الإعجازيين أنها بمعنى البيضة فسنوقع أنفسنا فى فخ شائك ومطب خطير وهو أننا سنجد أنفسنا مطالبين بإثبات أن الشعراء كانوا يملكون فى أشعارهم إعجازاً علمياً والأخطر أنه سيأتى البعض ويطلبون منا أن نعتبر الشعر الجاهلى كتاباً سماوياً ينافس القرآن حاشا لله ،وإلا فليرد الإعجازيون ويفسروا لنا هذا البيت الشعرى الذى قاله شاعر عربى قبل عصر النبوة وهو زيد بن عمرو بن نفيل ،تقول الأبيات :
أسلمت وجهى لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالاً
دحاها فلما رآها إستوت على الأرض أرسى عليها الجبالا
وإذا سايرنا الإعجازيين فى إستنتاجاتهم الوهمية علينا وقتها أن نمنح هذا الشاعر لقب نبى ونطلق على شعره الشعر المقدس المنزل لأنه يحتوى على إعجاز !!!.
[ أدى هذا العبث والتدليس اللغوى إلى فتح طرق عبث وتدليس جديدة من أهمها قولهم أن هذه الإشارات الكونية الإعجازية التى يدعونها لم تذكر من قبل فى أى كتاب ،وبهذا وقع الإعجازيون وأوقعونا معهم فى بلبلة وشك وتخبط فقد وجدنا الكثير مما يتحدثون عنه موجود فى أشعار عربية وأساطير سومرية وبابلية وفرعونية وفى كتب مقدسة أخرى ،والحل الذى يريحنا من هذه البلبلة أن نتخلص من مرض جنون العظمة وعقدة الإضطهاد ونعترف بأن ماتم ذكره هو تفاعل مع وإستجابة لمعطيات ومعارف ومعلومات الواقع العربى حينذاك ،وأنها ليست من الإعجاز العلمى ولاتمت له بصلة ،وأن هذه الأساطير أو الكتب المقدسة لاتحتوى هى الأخرى على أى نوع من الإعجاز العلمى ،وسندلل على كلامنا بالأدلة الدامغة مثل :
· الآية رقم 45 من سورة النجم والتى قام سماسرة الإعجاز بلوى عنقها لكى تتسق مع شعاراتهم كنوع من تحلية البضاعة أمام الزبون، الآية هى "وإنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى" ،وإستخدموها لإثبات أن القرآن قد سبق الغرب فى إثبات أن الرجل هو المسئول عن تحديد جنس المولود ،ولنسمع شعر زوجة أبى حمزة العينى والذى هجرها بعد ان ولدت بنتاً فقالت:
ما لأبى حمزة لا يأتينا ظل فى البيت الذى يلينا
غضبان ألا نلد البنينا تا لله ما ذلك فى أيدينا
ونحن كالأرض لزراعينا ننبت ما قد زرعوه فينا.
هل نصرخ كما صرخ الإعجازيون ونقول إن هذه المرأة البدوية البسيطة يتساقط من فمها إعجاز علمى ويجب أن نقيم لها مقاماً وكعبة!!.
· الآية 12 سورة المؤمنون "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " ،وقد كتب د.زغلول النجار في مدى إعجازها صفحة كاملة يوم 20 سبتمبر 2004 وعن تشابه تركيب جسم الإنسان مع التركيب الكيميائى للطين ،وأخذ يعطينا د.زغلول محاضرة فى نسبة الألومنيوم والسليكون والماغنسيوم والبوتاسيوم وأكاسيد الحديد فى كل من الإنسان والتراب ،ولكن ماهو رأى د.زغلول إذا أحضرنا له أدلة على أن هذا الكلام قد قيل فى أساطير سومرية وبابلية ونرجوه الرجوع لكتاب فراس السواح مغامرة العقل الأولى ليعرف من خلال الأساطير أن الإله مردوخ البابلى خلق الإنسان من طين وكذلك إنكى السومرى والإله خنوم الفرعونى الذى كان يصور فى النقوش على هيئة صانع الفخار،وحتى فى الأساطير الإغريقية يخلق برومثيوس الإنسان من تراب وماء،وتسربت هذه الفكرة لسفر التكوين 7:2حيث يقول "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة" ،وفى سفر أشعياء 8:64 حيث يقول " والآن يارب أنت أبونا نحن الطين وأنت جابلنا "،وهذا يثبت أن كا هذه المعلومات التى يقولون عنها إعجازاً علمياً هى معارف كانت متداولة فى ذلك العصر وكل هذه الأساطير سواء سومرية أو بابلية أو فرعونية أو إغريقية، أو حتى الكتب السماوية سواء كانت توراة أو إنجيلاً أو قرآناً لاتحمل أى إعجاز علمى ،أعتقد أن د.زغلول لن يستطيع الرد بعد هذه الأدلة ،وأعتقد أيضاً
أن الأمثلة التى سنذكرها فى الحلقة القادمة ستزيدنا تأكيداً بأن مايفعله د.زغلول هو أكبر خطر على الإسلام وعلى العلم أيضاً .

(1): القرآن كتاب دين وهداية وليس

(2): أكذوبة الإعجاز العلمى (2)