إن فوز الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش للولاية الثانية يعني الكثير لعالمنا اليوم. فهذا الفوز هو على خلاف التاريخ الذي عهدناه ولكنه ليس على خلاف مع منطق التاريخ، وليس هناك تناقض بين القولين، كما سأوضح لاحقاً. فمن جهة يخبرنا التاريخ أن معظم الرؤساء الذين مروا بظروف مشابهة لظروف الرئيس بوش الإبن، قد خسروا الانتخابات رغم أنهم حققوا انتصارات في الحروب التي خاضوها على أعداء البشرية. فالسياسي البريطاني العملاق ونستون تشرتشل خسر الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت مباشرة بعد انتصاره الساحق على دول المحور عام 1945. كذلك جورج بوش (الأب) خسر في الانتخابات الرئاسية الثانية رغم الانتصار الكبير الذي حققه على عدو البشرية صدام حسين في تحرير الكويت. لذلك راهن بعض قراء التاريخ من الحفاظ الببغاويين على فوز جون كيري، على أساس أن الذي ينتصر في الحرب يخسر في الانتخابات.
ولكن للتاريخ منطقه الخاص وحكمته البليغة. فالتاريخ له قوانينه الخاصة التي لا يفهمها أولئك الذين يتعاملون معه كنصوص جامدة كما يتعاملون مع النصوص الدينية أو الأيديولوجية، فيحفظونها على ظهر القلب وبرددونها كالببغاوات دون أن يدركوا فحواها أو يستخلصوا منها دروساً وعبر.
وكما قال الدكتور مأمون فندي في الشرق الأوسط، إن انتصار بوش كان متوقعاً لسبب بسيط، وهو لأن العرب كانوا يتوقعون انتصار جون كيري. وبما إن العرب دائماً يخطئون القراءة، أو لا يقرؤون وإن قرأوا لا يفهمون، كما وصفهم موشي ديان، فهم دائماً وأبداً يراهنون على الحصان الخاسر. فالكتاب العرب وإعلامهم لا يتبعون المنطق والعقل والتحليل السياسي الصحيح في إصدار الأحكام والتنبؤ بما هو آت، بل يفكرون بقلوبهم بدلاً من عقولهم، ويتبعون العواطف ولغة الكراهية ويصورون الأمور والمستقبل لجماهيرهم كما يتمنون، لا كما يمليهم عليهم الواقع والحقيقة. لذلك فالشعوب العربية مضًلًلة بسبب هؤلاء وستبقى مضللة إلى ما شاء الله وسوف يدفعون الثمن باهظاً مقابل هذا التضليل المزمن.

نعم للتاريخ منطقه وقوانينه، وهذا ما يسمى بفلسفة التاريخ التي ناقشها الفيلسوف الألماني العظيم هيغل في كتابه القيم (محاضرات في فلسفة التاريخ العالمي). فهيغل حينما رأى نابليون يحتل بلاده، المانيا، ويطيح بحكامه المستبدين ، قال إنه رأى بنابليون روح التاريخ تسير على صهوة حصان. وما أشبه اليوم بالبارحة، فهاهو جورج بوش يدخل العراق وأفغانستان ويطيح بالأنظمة الجائرة المتخلفة لتحرير شعوب المنطقة ويضع برنامجاً عظيماً لمشروع الشرق الأوسط الكبير، القصد منه نشر الديمقراطية وتحرير شعوب المنطقة من أنظمة القرون الوسطى ونقلها إلى حضارة القرن الحادي والعشرين رغم أنف الطغاة ومنظمات الإرهاب.
إن فوز الرئيس بوش يعني أن الشعب الأمريكي لا يحتاج إلى محاضرات من خارج أمريكا في الديمقراطية و أين تقع مصلحته، ولا من جاك شيراك أو كوفي أنان الذي تخلى عن حياديته وتدخل في الحملة الانتخابية ضد بوش. فأولئك الذين راهنوا على جون كيري، لا حباً به بل كرهاً لجورج بوش، حيث بلغت بهم الكراهية حد استعدادهم في التضحية بأمن العالم وتركه رهينة بيد بن لادن والزرقاوي. لذا ففوز بوش يعني أن الشعب الأمريكي قد أدرك ومنذ يوم 11 سبتمبر 2001 أن محاربة الإرهاب لها الأولوية على كل شيء، لأنه لا ديمقراطية ولا ازدهار اقتصادي في ظل الخوف من الإرهاب.
كذلك يعني، أن الشعبين، العراقي والأفغاني في طريقهما إلى تحقيق الديمقراطية والأمن والاستقرار والرفاه وسحق الإرهاب مهما كانت التضحيات.
ومما يجدر ذكره أن كتبت صحيفة (انترناشيونال هيرالد تربيون) أن فوز بوش قد أنقذ الرئيس الفرنسي جاك شيراك لأنه أوعد كيري بأنه في حالة فوزه سيساهم بإرسال قوات فرنسية إلى العراق!! نكاية بجورج بوش، وذلك ليعطي المصداقية لكيري بأنه أفضل من بوش في التعامل مع الحلفاء الأوربيين.
كذلك يعني أن المنطقة العربية مقدمة على التحرير من الحكام المستبدين وأن المنطقة ستشهد تحولات اجتماعية وسياسية كبرى خلال الأربع سنوات من حكم ولاية الرئيس بوش الثانية. ومن بين هذه التحولات دمقرطة العراق والمنطقة وولادة الدولة الفلسطينية. وتحقيق الهدف الأخير سيسحب البساط من تحت أقدام الحكام العرب المستبدين الذين اضطهدوا شعوبهم باسم فلسطين حيث كان شعارهم الكاذب (التحرير قبل الديمقراطية ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة).
لقد راهن العرب وأعداء بوش على عدد القتلى من الجنود الأمريكان في العراق، واعتقدوا خاطئين أن هذا العدد سيدفع الشعب الأمريكي للتصويت ضد بوش وبذلك يضطر الرئيس الجديد كيري سحب قواته من العراق. وكالمعتاد، كانت قراءة خاطئة من أناس لا يعرفون أي شيء عن المجتمع الأمريكي. لقد نسى هؤلاء أن معدل قتل جنديين أو ثلاث في اليوم في العراق هو أقل مما تفقده القوات الأمريكية في التدريبات العسكرية العادية يومياً، وأنه يقتل في أمريكا بمعدل مواطن واحد في كل ساعة أي 24 إنسان في اليوم عن طريق الجرائم، ناهيك عن حوادث الطرق. ففي بريطانيا وحدها يموت حوالي مائة إنسان في الأسبوع بسبب حوادث الطرق وأضعاف هذا العدد في أمريكا. لذلك ففقدان جنديين يومياً في العراق سوف لن يجعل أي رئيس أمريكي يتراجع عن حربه على الإرهاب. وكما قال بوش بعد كارثة 112 سبتمبر أن الحرب على الإرهاب ستستمر إلى أن يتم القضاء عليه.
هناك حقيقة تاريخية يجب على الكتاب العرب فهمها وهي أن أمريكا أساساً ما كانت لترغب في زج نفسها في حل المشاكل الخارجية، ولكن للتاريخ منطقه الخاص. فهناك حادثتان تاريخيتان أجبرتا أمريكا على التخلي عن سياسة العزلة. الأولى، قيام اليابان بقصف بيرل هاربر، الأمر الذي أخرج أمريكا من عزلتها وخرجت بكل ثقلها لسحق دول المحور. ولولا أمريكا لكان العالم اليوم وأوربا بالذات محكومة بالنازية والفاشية. فالفضل في انتصار الديمقراطية الغربية والازدهار الاقتصادي يعود بالأساس إلى أمريكا ومساهمتها في تحقيق النصر للحلفاء.
الحادثة التاريخية الثانية التي أخرجت أمريكا من عزلتها هي حادثة 11 سبتمبر 2001. فقبل هذا التاريخ كان الرئيس جورج بوش الإبن وفريقه من المحافظين الجدد يرومون العزلة وترك العالم والاهتمام برفاه الشعب الأمريكي. ولكن هذه الكارثة، مكر التاريخ أو فلسفته، ورب ضارة نافعة، أجبرت بوش وفريقه التخلي عن سياسة العزلة والتوجه لبناء العالم على أسس الديمقراطية والحداثة والحضارة الإنسانية ولن يتحقق هذا إلا بسحق الإرهاب والإطاحة بالحكومات التي ترعى الإرهاب مثل حكومة الطالبان في أفغانستان والنظام البعثي الفاشي في العراق وهكذا كان.
لذلك فانتصار الرئيس بوش هو انسجام تام مع منطق التاريخ لنشر الحضارة في منطقة الشرق الأوسط وسحق الإرهاب ومن يدعم الإرهاب، وانتصار رائع للشعبين الأمريكي والعراقي وكافة شعوب المنطقة. فتهانينا للرئيس الشجاع جورج دبليو بوش وفريقه وألف مبروك للشعبين الصديقين، الأمريكي والعراقي وكل إنسان شريف في هذه الأرض والخزي والعار للإرهابيين ومن يدعمهم.