راح كوفي عنان يسفر بخطوات سريعة عن حقيقة موقفه من العراق والعراقيين. فبعد تصريحاته عن عدم شرعية الحرب، وهي تصريحات كانت بمثابة التصويت ضد بوش، وبعد مطالبته مرارا بتأجيل الانتخابات العراقية، نراه اليوم يهب لنجدة الإرهاب والإرهابيين في الفلوجة، محذرا من اقتحام المدينة بعد أن برهن أعوان صدام والزرقاويون، المحتلون للمدينة، على الإصرار على القتل والدمار، وتصديرهما لبقية مناطق العراق. وكوفي عنان يتذرع مجددا بالانتخابات التي تحفظ على موعدها كما تحفظ على مشاركة عراقيي الغربة فيها. ولا يتردد عنان عن الكلام باسم العراقيين مدعيا أن الهجوم على معاقل الإرهاب في الفلوجة سوف "يثير غضب العراقيينّ، كما قال نصا!!
عجيب وأكثر من عجيب أمر هذا الرجل الذي شبع ابنه وموظفوه من أموال النفط العراقية، وتستروا على تلاعب صدام ببرنامج النفط مقابل الغذاء، والذي وضع ثقله منحازا لجبهة أعداء الحرب في مجلس الأمن؛ غريب منه أن يتحدث عن مآس تحل لو هزم الإرهابيون في المدينة، بينما لا سبيل لهزيمتهم بدون اقتحامها، متناسيا جميع المآسي الدموية التي سببها الإرهابيون للشعب العراقي منذ سقوط صدام. إن كوفي عنان الذي لم يفتح فمه لإدانة المقابر الجماعية ولمجازر صدام خلال حكمه، ولمجازر أتباعه والقاعديين و عملاء المخابرات الإيرانية والسورية منذ التاسع من نيسان 2003؛ هذا الأمين العام نفسه هو الذي يحذر ويخوّف من تصفية بؤرة الإرهاب الكبرى في الفلوجة، وهي التصفية الضرورية لحقن للدم العراقي الذي يراق كل يوم في بغداد وخارج بغداد، و لضمان الأمن والاستقرار والبناء.
لقد دمر الإرهابيون عشرات المنشآت العراقية الحيوية ومقرات الأمم المتحدة والأحزاب الوطنية والكنائس والصحف، وقتلوا الآلاف من العراقيين، وخطفوا العشرات بعد العشرات، وقطعوا الرؤوس، وراح بعضهم يقودون مهرجان الرقص على الأشلاء المحترقة في الفلوجة نفسها. يبدو أن جميع هذه المآسي لا تعني لدى الأمين العام شيئا هاما، ولكنه في نفس الوقت يتباكى على احتمال وقوع ضحايا مدنيين أبرياء في الفلوجة. وهذا الاحتمال وارد مع الأسف الشديد بسبب كون الإرهابيين قد خطفوا المدينة وأهلها، وراحوا يغتصبون نساءها وصباياها، ودفعوا للهجرة معظم أهاليها. لقد اغتصبوا البيوت وأجبروا عددا كبيرا من العائلات على إيوائهم، وحولوا المساجد نفسها لثكنات حربية. طبعا سيذهب ضحايا أبرياء مع الأسف الشديد، ولكن تحرير المدينة من الإرهاب سوف يساعد على إنقاذ حياة مئات الآلاف من العراقيين الذين يهددهم خطر الإرهاب ما لم يستأصل بالحسم العسكري.
كنا نتمنى لو أن السيد عنان حذر سوريا وإيران من مواصلة دعم الإرهاب في العراق وتسهيل عبور المئات الجديدة من الإرهابيين لدخول البلاد عبر حدود البلدين. كنا نتمنى لو أن كوفي عنان اقترح في مجلس الأمن وقفة دقيقة حدادا على أرواح ضحايا المقابر الجماعية. ولكن هيهات!
أما موقف عنان وموظفيه ومبعوثيه من قضية الانتخابات، فإنه حافل بالمتناقضات المذهلة. ففي العام الماضي دعا مبعوثه غسان سلامة لإجراء الانتخابات في بداية العام الحالي. كما أنه دعا لمشاركة أعوان صدام في السلطة، وهو ما أثار غضبا حقيقيا لدى معظم العراقيين. ولكن الموقف تبدل لتحل محله المطالبة بتأجيل الانتخابات على لسان الإبراهيمي وسكرتارية الأمم المتحدة. ونعرف أن هناك جدولا زمنيا معتمدا دوليا. ومع ذلك فمن أجل خلق ظروف أمنية أفضل كان على عنان دعم جهود الحكومة العراقية والقوات المتعددة الجنسية في التصدي لحرب الإرهاب، التي تشكل الفلوجة معقلها الأول. كما كان عليه، وهذا ما مر ذكره، أن يناشد إيران وسوريا بوقف تدخلهما السافر في العراق لكي يمضي تنفيذ الجدول الزمني في وضع أمني أفضل.
فعسى أن يراجع الأمين العام مواقفه وحساباته وفاء لمسؤولياته الدولية!