لم يكذب الشيخ فخري القيسي، خليفة الصميدعي في رئاسة ما يسمى بالمجلس الإستشاري للإفتاء والتوجيه الإسلامي، و لم يتجمل، في لقائه مع صحيفة ليبراسيون الناطقة باسم الاشتراكيين الفرنسيين التي التقته بجامع ام الطبول ببغداد الذي اصبح جامع ابن تيمية الآن..
و قد اعجبتني صراحة الشيخ الذي اعلن على الملأ الفرنسي، بأنه و جماعته يمثلون سياسيا "جميع فصائل المقاومة العراقية"، مردفا في رده على مقتل مارجريت حسن بأن " المقاومة ستقتل الجميع، النساء، والعجّز، والأطفال الرضّع. لم يترك لنا الأميركيون غيرَ خيارِ العنف." و كأن النساء و والعجّز و الأطفال الرضّع قد قدموا مع الأميركان للهجوم على الفلوجة.
كما أعلن الشيخ صراحة بأن المقاومة " ستهاجم الفاتيكان وستقتل كل الموجودين فيه"، ردا على اقتحام الاميركان لمساجد الفلوجة، كما أعلن بأن رفض البابا للحرب كان "مجرّد تمويه. لو كان ضد الحرب، فلماذا لم يقم بإدانة الهجمات على المساجد؟ وكنّا قد ندّدنا بالعمليات ضد الكنائس، ولكننا لن نندّد بها بعد الآن".. فالمسيحيون في كل مكان إذن، وفق منطق الشيخ، يتحملون مسؤولية هجوم الفلوجة، و سيدفعون الثمن مثلهم مثل الامريكان و العراقيين الذين معهم بل و كل الاحزاب و الجماعات التي تفكر بالمشاركة في الانتخابات كما أوضح في نهاية خطبته العصماء.
لقد أوضح لنا الشيخ بجلاء ما ينتظر العراق في حال "انتصار" الجماعات التي يمثلها جميعا كما قال، فأبشر يا شعب العراق بعهود الجراد التي تأكل الأخضر و اليابس، و تقتل القاعد بالضاعن، و لا توفر النساء، والعجّز، والأطفال الرضّع، و لا كتابا، و لا خصلة شعر، و لا ابتسامة، و لا ضحكة طفل، و لا جلسة سمر على ضفاف دجلة، و لا قصيدة حب.. انها طالبان جديدة شاملة و متوحشة، لا تبقى و لا تذر.


و ما أدراك ما فرنسا..
لقد بصق الشيخ، على صفحات ليبراسيون واسعة الانتشار، في وجه فرنسا التي كانت في ذات الوقت تطالب بإشراك "منظمات المجتمع المدني حتى تلك التي تلجأ الى العنف في مؤتمر شرم الشيخ".. و لا ادري ان كان الفرنسيون فعلا قد استخدموا تعبير المجتمع المدني (ليساعدنا في ذلك من قرأ النص بالفرنسية). لقد قدم لنا الفرنسيون، اصحاب الحضارة و الثافة و قيم العدالة و الحرية، تعريفا جديدا للمجتمع المدني، فاصبحت جماعة الزرقاوي من منظمات المجتمع المدني، و القاعدة كذلك بالاستعاضة، و كل التسميات من أسد الله الى ثأر الله الى جيش محمد الى التوحيد و الجهاد الى جيش المهدي و كتائب عمر المختار و ربما الحرس الخاص و العام و الجمهوري ومخابرات البعث العراقي و السوري و مخابرات ايران الى اخر تلك القائمة الطويلة التي "تقاوم" على أرض العراق.. أو لم يسبق لفرنسا ان انقذت "قاطعي الرقاب" في الجزائر من بطش السلطة و اخذت تدور بهم في اروقة الاتحاد الأوروبي لشرح قضيتهم؟ و لكن، ماذا تريد فرنسا؟
في نقاش غير رسمي مع دبلوماسي أوروبي، في مكان ما من هذا العالم العربي، تساءلت عن مغزى الدور الفرنسي في العراق و غير العراق خصوصا فيما يخص الحركات المتطرفة التي تنتهج العنف، فأجاب بأن لأوروبا منظورا مختلفا بعض الشئ عن التصور الأمريكي للعالم، و ربما كانت فرنسا الأكثر سفورا في التعبير عنه نظرا لثقلها السياسي و الاقتصادي في منظومة الاتحاد الاوروبي و تجربتها التاريخية في المنطقة.. "العراق، بحيرة الذهب، سيصبح قريبا جارا مباشرا للاتحاد الاوروبي (بعد انصمام تركيا اليه)، فالاستقرار فيه اساسي لاستقرار الاتحاد، و بعد انضمام اسرائيل الى الاتحاد، سيصبح مجمل المشرق العربي جارا مباشرا للاتحاد ايضا و تنطبق على بلدانه نفس القاعدة. الاستقرار أهم من التحديث و الديموقراطية و العصرنة الى آخر القائمة. اذ انه مع النهضة الصينية، بعد عدة عقود، ستبدأ مليارات الصين بتقليد النمط الغربي للاستهلاك، و سيركب الصيني بحكم الطفرة الاقتصادية أحدث السيارات و يستهلك من الطعام و الوقود ما يستهلكه الامريكي.. فتخيل ما سيحدث لموارد العالم المتناقصة اصلا اذا التحق ملياران من البشر بركب الاستهلاك، و ماذا سيحدث اذا ارادت بقية اسيا و افريقيا و المنطقة العربية و امريكا اللاتينية اللحاق بركب الرفاهية الغربية.. سيجد العالم نفسه يتقاتل على الموارد الناضبة، و هذا ما تراه فرنسا و الكثيرات من شقيقاتها الاوربيات، و لذا تدعم انظمة الاستبداد و حتى الدينية منها..فليتحقق الاستقرار، على حساب الرفاه و التقدم، و لا بأس ببعض "التجميل" لتلك الانظمة، لتبقى الأمور على حالها، في سكينة مطمئنة، كما كانت عبر مئات السنين.. فلا نمو يستهلك الموارد، و لا عصرنة تستفز عوامل التقدم المكلف أو بكلمات اخرى، "فليبقى نائما في العسل"..هكذا، و بكل بساطة.
قد يكون هذا ضربا من الخيال، و قد لا يكون.. و لكن الحقيقة الساطعة هي ان اوطاننا ستبقى الى حين اسيرة خناجر الشيوخ قاطعي الرقاب..