يقول الخبر، كما نقلته إذاعة البي بي سي العربية الإلكترونية نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط يوم 4/12/2004 _" أقر الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر "المقاومة" في العراق داعيا العراقيين إلى الوحدة من أجل إعادة الاستقرار في بلادهم".
لقد جمع شيخ الأزهر بفتواه هذه، الصيف والشتاء على سطح واحد. أي أنه شرعن ذبح الشعب العراقي من قبل جماعات القتل المنظمة التي يسميها "مقاومة" وفي نفس الوقت يدعو العراقيين إلى الوحدة والاستقرار. والشيخ يعرف جيداً أن في العراق قوات متعددة الجنسيات أقر وجودها مجلس الأمن الدولي بقراراته العديدة وكان آخرها القرار رقم 1546 الذي أناط أمر رحيلها بالحكومة العراقية المنتخبة ومهمتها مساعدة العراقيين على تحقيق الأمن. فكلما يحتاجه العراق الآن هو الأمن والاستقرار ومساعدة العراقيين على إجراء انتخابات في أجواء آمنة لاختيار حكومة ديمقراطية منتخبة تستطيع أن تطالب برحيل القوات الأجنبية، لا الفتاوى التحريضية التي تبيح خطف الأبرياء ونحرهم وقتل العراقيين. لذا فإن ما يسميه الشيخ بالمقاومة من شأنه إطالة بقاء هذه القوات وليس التعجيل في رحيلها أو تحقيق وحدة العراقيين.
كذلك يعلم فضيلة الشيخ، أن هذه "المقاومة" تقتل مائة عراقي مقابل قتل جندي واحد من القوات الأجنبية وأنها تستهدف العراقيين ومؤسساتهم الاقتصادية ليس غير. كما ويجب أن يعلم الشيخ الفاضل أن هذه "المقاومة" هي حرب طائفية-عنصرية ضد الشيعة والأكراد ومن طرف واحد. ونحن واثقون من معرفة سماحة المفتي أن معظم الضحايا العراقيين هم من الأبرياء، من الأطفال والنساء والمصلين والعمال ورجال الشرطة ومراتب الحرس الوطني الذين يغامرون بحياتهم لحفظ الأمن. فهل قتل هؤلاء هو مقاومة مشروعة ضد الاحتلال حتى يكافئ عليها القاتل بالجنة وحور العين والولدان المخلدين؟
وإليكم يا فضيلة الشيخ بعضاً من نماذج أعمال المقاومة التي تدعمونها، إنها مجرد للتذكير، إن نفعت الذكرى: لقد فجرت "المقاومة" بوابة ضريح الإمام علي (ع) في النجف الأشرف في العام الماضي وقتلت الإمام محمد باقر الحكيم ومعه مائتين من المصلين وجرحت مئات أخرى منهم. كما وفجر الإنتحاريون أنفسهم وسط مواكب عزاء الحسين يوم عاشوراء في كربلاء وقتلوا وجرحوا المئات. كذلك فجرت "المقاومة" القنابل وقتلت 47 طفلاً عراقياً في بغداد حضروا على أمل الحصول على قطع الحلوى توزع عليهم بمناسبة حفل افتتاح مشروع للمياه في تلك المنطقة الفقيرة من العاصمة. فهل حقاً هذه هي المقاومة التي تبشرونها بالجنة؟ كذلك قامت جماعات القتل بتفجيرات مروعة وقت الزحام في البصرة صبيحة يوم دام وقتلت أكثر من ثمانين مواطناً مدنياً من بينهم حوالي ثلاثين طفلاً كانوا في طريقهم إلى رياضهم ومدارسهم. وفي يوم واحد تعرضت هذه "المقاومة" إلى سيارات تنقل 49 من الحرس الوطني غير مسلحين في طريقهم إلى أهاليهم بعد ساعات من حفل تخرجهم فقتلوهم جميعاً وبدم بارد دون أي ذنب إلا لرغبتهم الصادقة في خدمة بلادهم وشعبهم بعد خلاصه من حكم البعث الفاشي. فهل هذه مقاومة حتى تبشرون القائمين بها بالجنة؟
ألم تقرأ يا فضيلة الشيخ ما تفعله يومياً جماعات القتل المنظمة من أعمال قطع رقاب الأبرياء من الأجانب والعراقيين وحتى النساء بالسكاكين كما يذبحون النعاج وأمام الكامرات التلفزويونية، يعملون كل ذلك باسم الله والإسلام ووسط صيحات الله أكبر والنصر للإسلام، فهل هذه الأعمال التي يندى لها الجبين تعتبر مقاومة لكي تباركونها وتبشرون مرتكبيها القتلة بأنهم شهداء يدخلون جنة النعيم؟
ثم هل من الإنصاف أن تسمي ما حصل في العراق احتلالاً؟ كان العراق، يا فضيلة الشيخ، محتلاً لما يقارب الأربعة عقود من قبل المافيا البعثية، وهو ما نسميه بالاحتلال الداخلي. هذا الاحتلال أهلك الحرث والنسل في العراق الذي كان العرب يسمونه بلاد السواد، جعله خرائب وشعبه دون مستوى خط الفقر. ولم يكتف صدام حسين بقطع رقاب البشر بل قطع حتى أعناق النخيل، سيد الشجر الذي قال عنه الرسول (ص): "أكرموا عمتكم النخلة" حيث كان في العراق قبل اغتصاب البعث للحكم حوالي 40 مليون نخلة، أما الآن فلم يبقى منها سوى ثمانية ملايين نخلة فقط.
لقد اغتصبت العصابة البعثية السلطة عام 1968 للمرة الثانية بالقوة الغاشمة وصادرت ثروات الشعب العراقي وبددتها على شراء الأسلحة وعسكرة البلاد بدلاً من إعمارها، واستدانت عليها أكثر من 120 مليار دولار، وشنت الحروب على دول المنطقة وغزت الكويت. كما شن النظام البعثي حروبه الداخلية على الشعب العراقي ومنها مدينة حلبجة الكردية المسالمة بالسلاح الكيمياوي وقتل ما يقارب خمسة آلاف نسمة من سكانها الأبرياء وقام بقتل 180 من الكرد في حملة سميت بالأنفال. وحسب تعريف الأمم المتحدة، تعتبر هذه الجريمة من جرائم إبادة الجنس. كما وقتل وشرد عرب الأهوار. كذلك تسبب نظام البعث في قتل ما يقارب المليونين من العراقيين وشرد حوالي خمسة ملايين آخرين وأسقط الجنسية عن مليون عراقي بحجة التبعية الإيرانية لأسباب طائفية بحتة، ونشر في طول البلاد وعرضها المقابر الجماعية التي اكتشف منها لحد الآن حوالي 300 مقبرة، راح ضحيتها ما بين 300 ألف إلى مليون شهيد. وقائمة جرائم نظام البعث الساقط طويلة جداً لا يمكن حصرها في مقال. فهل فكرتم يا فضيلة الشيخ بإصدار فتوى تدينون بها هذه الجرائم الوحشية التي تعرض لها الشعب العراقي على يد النظام البعثي الفاشي طيلة 35 عاماً؟ أم ترون أن هذه المجازر لا تستحق اهتمامكم لأن الضحايا هم من الشيعة والأكراد؟ وإلا كيف نفسر سكوتكم عن تلك الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية؟
يقول مبدأ إسلامي:(سلطان كافر عادل خير من سلطان مسلم جائر). إن ما تسمونه احتلالاً، يا فضيلة الشيخ، هو الذي حرر الشعب العراقي من أسوأ نظام جائر في التاريخ وفتح الحدود للعراقيين المشردين وأعاد الجنسية لمن أسقطت عنهم، وطلب منهم العودة إلى بلادهم للمساهمة في اعمارها. وفي الوقت الذي نرى بعض الحكومات العربية تذرف دموع التماسيح على الشعب العراقي من "جور" الاحتلال، فإنها في نفس الوقت تطالب بالمزيد من تعويضات الحروب التي شنها النظام المقبور. بينما أمريكا التي تصدرون فتواكم لمقاومتها وقتل جنودها ومدنيها تبرعت للعراق بعشرين مليار دور من أموال شعبها وطالبت الدول الدائنة بإلغاء أو تخفيض ديونها ونجحت في ذلك نجاحاً كبيراً حيث تنازلت تلك الدول، ما عدا العربية منها، بمقدار 80% من ديونها. فمن الذي يتعاطف مع الشعب العراقي، أمريكا المسيحية أم الحكومات العربية المسلمة ووسائل إعلامها التي اكتفت بالتأليب على هذا الشعب ليل نهار باسم دعم المقاومة؟
إن لجوء الشعب العراقي إلى دول مسيحية لخلاصها من محنتها ليس بلا سابقة في التاريخ. ولا نريد أن نستشهد بألمانيا وإيطاليا وفرنسا التي حررتها أمريكا من النازية والفاشية، بل نذكركم بموقف النبي محمد (ص) عندما طلب من صحابته أن يستعينوا بالنجاشي النصراني ملك الحبشة. وإذا كان جائزاً لأوائل المسلمين، فلماذا لا يجوز للشعب العراقي بطلب المساعدة من الدولة العظمى لخلاصه من نظام البعث الجائر؟
لقد قالت العرب: (أهل مكة أدرى بشعابها) وكذلك أهل العراق أدرى بمشاكل بلادهم. فقبل أشهر أصدر أربعة من كبار فقهاء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وعلى رأسهم آية الله السيد علي السيستاني بياناً ناشدوا فيه الشعب العراقي عدم مقاومة القوات متعددة الجنسيات وأكدوا فيه أن أفضل وسيلة لإخراج هذه القوات هي صناديق الاقتراع والعمل على استتباب الأمن. فلماذا يلح رجال الدين من غير العراقيين على العنف في العراق وهل هم أعرف بمشاكلنا وأكثر حرصاً على شعبنا من مراجعنا الدينيين العراقيين؟
إن فتواكم يا فضيلة الشيخ وفتاوى غيركم من شيوخ الإسلام من أمثال القرضاوي والمشكيني وعلي خامنئي و26 من رجال الدين السعوديين، خيَّبت آمالنا بكم وجعلتنا في حيرة من أمرنا، كما جعلتم من الإسلام ديناً يدعم الإرهاب في نظر العالم. فبفتاواكم هذه يا فضيلة الشيخ، جعلتم الإسلام والمسلمين مسخرة أمام العالم وفرجة للجميع.