التفكير بالبعد الثالث بعيدا عن خيارين اثنين احلاهما مر!!


ثنائية الانقسام المعاصر بين العراقيين
أقرأ هذه الايام واسمع ان العراقيين ينقسمون بين متفائلين وبين متشائمين.. متفاءلون لأنهم يبصرون أن مستقبلا زاهرا ينتظرهم وهذي رغبة اكيدة لكل العراقيين الذين يريدون ان يتخلصوا من براثن الماضي الصعب.. ومتشائمون على اشد انواع التشاؤم لأنهم يجدون ان مستقبلا مظلما سيدخلون في غياهبه.. والكل من هذه المجموعة البشرية التي يدعونها بالعراقيين يتكلمون بعلانية فاضحة باسم شعارات وتوجهات وامنيات ومرجعيات ومنصوصات وتصل الى حد المقدسات بل ويصل الامر الى حدود التناقضات والاقصاءات والتمويهات والتضخيمات والتهويلات ومسميات لا حصر لها والتماهي معها ومحاباة هذا الطرف على حساب الاطراف الاخرى، بل ويصل الامر الى درجة الغاء الاخر واقصاء من يختلف في الرأي والافكار والعقيدة والملة والمذهب من دون اي شعور بالتقصير ازاء المسألة الوطنية والذهنية الجامعة وحرية الاراء والرؤية البعيدة .. انهم يتشدقون بالحريات والديمقراطية والرأي الاخر وفي الوعي الباطن لكل عراقي - بما فيهم المتكلم حتى لا يتهمني الناس ظلما وعدوانا – يختفي مستبد لا يعرف الرحمة بالاخرين من المواطنين المشاركين انفسهم لانفسهم في وطن واحد اسمه العراق!

تغيرات اجتماعية من دون تحولات سياسية
والحقيقة، كما اراها وبكل تواضع، ان العراقيين اليوم في وضع تاريخي صعب لا يحسدون عليه وخصوصا وانهم يمرون بتجربة تغيرات اجتماعية معقّدة، وليست تحولات سياسية بالضرورة فقط يريدها الامريكيون كما هو شائع، تغيرات قوية وحادة لم يمروا بها على امتداد تاريخهم الطويل.. ويبدو ان اجندة متنوعة واقفة بانتظار من يحاول رفعها يكفي ان البعض يدّعي بأنه مستقل التفكير والممارسات وعلماني التوجهات والتطلعات، ولكنه قد جبل على ان يفكر ضمن تفكير الهيئة التي ينتمي اليها منذ زمن طويل سواء كان يشعر بذلك عن قصد او لا يشعر بذلك من دون قصد. .. وفي كلتا الحالتين فانه يثير الاسفاف والعقم والصراعات باصطفافاته التي ربما يقسر نفسه عليها تماشيا لمصالحه او خوفا من رهبة المجتمع في مثل هذا الوقت الصعب، وطالما كتبت ونشرت بأن سلطة المجتمع اشرس كثيرا في احايين متنوعة من سلطة الدولة او النظام.. فالمجتمع العراقي كما هو معروف للقاصي والداني، سريع التقلبات والاهواء بحكم رهفة مشاعره وقوة احاسيسه وتنوع تكويناته وقوة تموجاته.. ويتعجب المؤرخ من مواقف عراقية لا تعد ولا تحصى لرجال سياسيين وعلماء دين وشيوخ قبليين ووجهاء مدن ومثقفي مرحلة.. يتعجب من تلك التقلبات المثيرة التي اتصفوا بها وكثيرا ما انتجت تلك الحالات كوارث ونكبات مع الاسف! ناهيكم عن ان العراقيين كما عرف عنهم اتخاذهم مواقف معينة واحدهم ازاء الاخر والرهان على انتصارات وهمية يتصورونها حقيقة كما هو واقع كل العرب في هذا الخضم الجارف، وبعد مضي سنوات يجدون احلامهم قد تبخرت، وخيالاتهم قد ذهبت وان واقعهم عنيد واوضاعهم قد زادت سوءا وتفككا!

خياران احلاهما مر!
ليس لي اية مصالح انوية او فئوية او جهوية او طائفية او مذهبية او دينية ابدا.. في ان اسدي ما اراه صائبا، وما اتوجس من مخاطره على العراق والعراقيين في قابل.. انني انصح كل ابناء العراق ومن جميع الفرقاء بين من يرى ان الخير عميم ومن يرى بأن المستقبل خراب ذلك أن المسألة العراقية اليوم امام خيارات متعددة ولكنها، في الحقيقة، امام خيارين احلاهما مر، فهل يمكن للعراقيين ان يفكروا بالبعد الاخر؟ هل يمكنهم ان يخضعوا انفسهم للمزيد من التساؤلات والبحث عن اجابات عليها؟ هل بمقدورهم ان يهجعوا قليلا ليستمع صغيرهم الى كبيرهم وليهتدي ثوارهم الى حكمائهم، وليستوعب احدهم الاخر بعيدا عن اية اجندة اقليمية طائفية وشوفينية عربية يستوردونها عبر الحدود، وسواء كانت تلك الحدود شرقية ام غربية، فان حوارا لابد ان يتأسس بين الفرقاء من اجل مستقبل البلاد.. لابد ان يتحكم بها العقل والمنطق بعيدا عن المشاعر والنزوعات والانتماءات مهما كانت طبيعتها ونوعيتها.. وان يدرك علماء الدين ورجاله بأن للدنيا المعاصرة مقاييس ربما لا تتلاءم مع ما يحملونه من نزوعات راسخة عندهم رسوخ الجبال.. وان اي اجندة لها ارتباطات دينية او طائفية او تتحكم بها مرجعيات داخلية او تسّيرها جماعات مقدسة في الداخل او انها ترتبط بما تملية عليها ارادات الخارج، فان العراقيين وايم الله سيعانون الامرين لفترات طويلة لا يمكنني التكهن بمداها الزمني.
ان الاختلافات والازمات ان لم تكن لها ادارة موضوعية وحيادية غير متحزبة فانها ستخرب اي مشروع يعتقد البعض بصلاحه.. ولابد للتناقضات ان تطفو على السطح بحيث لا يمكن التستر عليها تحت مظلة حجج واهية ونبقى ننتظر تاريخا قادما لا ندري كنهه الا من خلال الاوهام والتخيلات اما نرسمه في مخيالنا زاهرا ورديا ام نلطم عليه من اليوم ونشق الجيوب ونحن نجري لصنعه باصرار باعتباره سيكون مضمخا بالدماء والصراع فان العراقيين سيبقون في حلقة مفرغة من كل المعاني الحقيقية للحياة التي يطمح اليها كل المخلصين والاوفياء. اننا لا نريد ان نتوهم الحاضر بكل مآسيه وكأن علاجه واحد ونتوهم بأن الامور ستهدأ والاستقرار سيستتب وسيغدو العراق بقدرة قادر جنات عدن تجري من تحتها الانهار.. او اننا سنعمل بكل ما اوتينا به من قوة على ان نبقى في قلب الاحتقانات ووسط بركة من حمامات الدم كون هذا الوضع لا يمكن ان يستقر وليذهب كل العراقيين الى الجحيم.. ان الرؤيتين قد توهم اصحابها العراقيين توهما كبيرا، وهم بذلك كمن ينفخ في قربة مشروخة ويا للاسف الشديد! ان الايام القادمة ستكشف المزيد من صحة ما اقول، ذلك ان اي عملية سياسية وخصوصا في العراق لا يمكنها ان تحل جملة هائلة من المشكلات الصعبة. ولا ادري لماذا لم يتعلم العراقيون ومعهم كل العرب من تجاربهم في القرن العشرين، فلقد توهموا ان الثورة القومية او الانقلابات العسكرية ستنقلهم نهضويا الى مصاف الامم المتقدمة.. فاريقت دماء وازهقت ارواح واعتقلت نفوس وسحلت اجداث وعذب بشر لتحقيق الانتصارات التي توهمها الناس نقلات حضارية، فاذا بكل عالمنا يزداد تخلفا وهمجية!

التفكير بطريق العراق: البعد الازلي
ان العراقيين لا يدركون حتى الان قيمة انفسهم ومكانة بلادهم وقوة اتحادهم وروعة تنوعاتهم ومعطيات تضامنياتهم في ظل كيان نظيف من كل العوائق والتناقضات والمرجعيات باستثناء ما يؤسس من قوانين عراقية مدنية تجمع الكل ولا تفرقهم وتبقيهم مجتمعين ولا تفرقهم الى شراذم وملل ونحل.. ان طريقا واحدا يكفي لو سلكوه ولمرة واحدة.. لتبين لهم ان الاضواء الخضراء ستسطع لهم من بعيد.. انهم فقط لو ابعدوا السياسة التي يختلفون فيها عن كل ما له علاقة بانقساماتهم الاجتماعية والدينية والمذهبية والعرقية والطائفية لرسموا لهم خطا عميقا في التاريخ وانطلقوا نحو آفاق جديدة لهم في الحياة.. ان حالاتهم اليوم التي يرثى لها وبعد كل الذي تحقق لهم تمزقها الاهواء وتسيطر عليها الاطماع وتعبث بها الاحتقانات.. انهم بهذا وذاك سوف يزيدوا بذلك حلقة مريرة جديدة الى حلقات تاريخ العراق الصعب، ويضيفوا مصائب اخرى الى كل ما حل من مصائب بالعراق.. انني انصح كل العراقيين ان لا يعلنوا عن اي هوية باستثناء العراقية والانتماء لوطن كان وسيبقى للجميع من دون ان يحتكره احد ومن دون ان يعمل هذا الاحد او ذاك على الغاء الاخر..
على العراقيين ان يعتزوا بمدنهم وجهوياتهم وطوائفهم ومللهم ونحلهم ولكن ليبقى العراق هو ذاكرتهم وقاعدتهم ومرجعيتهم كلهم.. اننا جميعا ابناء العراق الكبير من مختلف الاجيال اذ لا يمكن ان يتجاوز اي جيل منّا على الزمن ويحاول ان يقطع نفسه عن الاجيال السابقة او الاجيال اللاحقة.. ليدرك الناس بأن الانتخابات القريبة على الابواب التي سنكون معها كخيار يؤطر مستقبلنا ونحن معه ما دام الجميع يؤمنون بأنه بداية للحكم الدائم لا المؤقت.. ولكن ارجو ان لا تسيطر الاندفاعات على من يعشق الانتخابات مثلي بحيث يتوقع ان العراق سيصبح جنة من بعدها.. وعلى الطرف الاخر، لا يمكن لأي فئة او طائفة او ملة تطمح لعرقلة مشروع الانتخابات اذا لم يكن هناك اتفاق على الاولويات لأنها ستخسر مستقبلها بهذا الذي تبغي تعطيله.. ويا للاسف الشديد، وعند ذاك سيتحول العراق الى حمام دم لا علاج له الا التقسيم – لا سمح الله -، وهذا ما ينتظره كل الاعداء.

العراقيون بين الفرقة القديمة والشراكة المستقبلية
انني الاحظ بأن العراقيين في اغلب ما يفعلونه ويكتبونه يخرج عن سياق العقل والمنطق والواقع وكما عودونا دوما انهم يندفعون اقصى الاندفاع، وهذا ما وجدناه في بدايات اي عهد سياسي مروا به في القرن العشرين، ولكنهم لا يدركون النتائج الا بعد ان تخيب الامال التي رسموها فيلقوا بتبعات ما فعلوه على الاخرين.. واقولها واعيدها مرارا وتكرارا: اننا يا ابناء العراق جميعا انما تهددون بما تصنعونه اليوم وحدتنا الوطنية العراقية التي اصبحت لدى البعض من العراقيين في ادنى درجات اهتماماته.. وعيب على العراقيين اقصاء انفسهم بانفسهم.. عيب على العراقيين نكران جميل قسمات من بلادهم والتجني على تاريخ ابناء مدينة معينة او مدن معينة او طائفة او اقلية او قومية او دين.. فاذا تريدون تصفية الحسابات التاريخية مع بعضكم البعض فليس في مثل هذا الزمن البليد وانتم لديكم اضعف دولة اليوم في حين ان مجتمعات العالم تسعى الى الشراكة عبر القارات من اجل الانتاج والابداع.. تتنابذون وتتناحرون كي يستهزىء هذا العالم كله بالعراقيين ويجدهم بقاصرين عن حكم انفسهم بانفسهم في ان يعلنوا عن مخازي قام بها البعض هنا وهناك على ارضه وترابه بحق البعض الاخر!
اذا كنتم تكرهون بعضكم البعض ( باستثناء كراهية كل من شارك شخصيا باضطهادكم في عهد الجلاد من رفاق وشاة عملهم كتابة تقارير ورجال سلطة وعناصر امن وضباط مخابرات وازلام نظام وافراد جيش شعبي.. يودون جميعهم الى المقصلة )، فدعوا عنكم ذلك ولا تدعوا من يحيط بعراقكم ان يجد نفسه بينكم كونكم صنعتم له الثغرات المعينة ليتدخل في شؤونكم ليدوس عليها وعليكم من اجل مصالحه ليس الا.. لا تستفزوا مشاعر بعضكم البعض فاقسى ما يشعر به العراقي ان لا تجرحه كلمات نابية.. انه يجد طعنات السكين عنده ارحم من جرح المشاعر والاحاسيس، ومن لم يقتنع فليقرأ تاريخ العراقيين الاجتماعي ليجد ضالته، فشعرة واحدة هي التي تفرّق بين التوحش والرقة عندهم! ان العراقيين لم ينزلوا مطهرين من السماء انهم ورثة مجتمع متنوع بين التحضر والتريف والبدونة ولكنه لا يعرف غير الكبرياء والانفة والغيرة والاعتزاز بالنفس حد التوحش.. والعراقيون ورثة تاريخ متسلسل بتضاداته وتناقضاته منذ ان فتحه العرب المسلمون وحتى هذه اللحظة التاريخية الراهنة.. فاذا كنتم لا تدركون مغزى التحولات السياسية بعد، فلا تحاكموا انفسكم على اجندة تاريخية لا مراء ان نتائجها الاجتماعية هي من البشاعة بمكان! واذا كنتم لا تدركون بعد قيمة هذا العصر الزاخر بكل المنجزات والتطورات، فلا تحاكموا الماضي حسب ما التئم من نزوعاتكم الدينية وانتماءاتكم الطائفية اليوم وبعين حاضركم المشوب بكل التناقضات! ومن يشعر منكم انه غبن وظلم واصابه التهميش، فليعرف ان كل العراقيين قد ذاقوا الامرين على امتداد التاريخ الصعب. ومن يريد مخالفتي فليختبر قدراته العلمية والتاريخية من بطون المعرفة والكتب والتاريخ والوثائق في غربلة ما كان من محاصصات مع اعتزازي بكل رأي مخالف.

متى تتعلمون من تاريخكم؟
كم اتمنى ان اجد العراقيين كبقية خلق الله يتماسكون ويتضامنون ويتجاذبون ويتحابون ويناصر بعضهم بعضا في السراء والضراء من دون ان يحتموا بالاخرين على ابناء جلدتهم! الم تتعلموا من تجارب تاريخية مريرة مضت؟ الم يرقص العراقيون على نشيد ( يا ويل عدو الدار ) على اجداث ( العميلين ) عبد الاله ونوري السعيد وكانا في تحالف مع كل عشائر العراق وفي تلك الساعات التي كانا يسحلان فيها ويقطعهما العراقيون اربا اربا كانت وثائق العراق تهرب الى الجمهورية العربية المتحدة؟ ألم يفتك الاخرون بتجربة 1958 وانقسمتم ايها العراقيون بين قاسميين وناصريين بين شيوعيين وقوميين وذبحتم احدكم الاخر على اصداء اذاعة ( صوت العرب ) الهمجية او بيانات موسكو الاممية؟ الم تتعلموا من تجربة 1963 الدموية القاسية ولم يكن احدا في ذاك الزمان يتكلم باسم الطائفية سنة او شيعة؟ الم ينّصب عبد الرحمن عارف من قبل عبد الحكيم عامر ولم يدر العراقيون حتى اللحظة الراهنة من كان وراء مصرع اخيه عبد السلام وكانوا منقسمين بين عسكريين متعصبين متخلفين وبين مدنيين اكاديميين وسياسيين؟ الم تتعضوا من تلك الجبهة المشوهة التي ضحك فيها ميشيل عفلق على كل العراقيين بين شيوعيين وبعثيين واكراد ثم كان ما كان؟؟ الم يصفق الجميع للطاغية الجلاد خوفا وهلعا ورقصت شيوخ العشائر في حضرته بعد احراق حلبجة ودك الدجيل ونحر الفرات الاوسط واكل الكلاب لحوم ابناء مدن الشمال؟ ومن كان في ركب السيد الرئيس من الاتباع والمحافظين واصحاب الزيتونيات والمسدسات المتدلية والشوارب الكثة؟ من كان يقدّسه ويجعله في مصاف الالهة في مهرجانات الشعر الشعبي؟ من كان يحرر في صحفه ويسيطر على الاجهزة الاعلامية من رؤساء تحرير الصحف العراقية؟ الم يكونوا من كل العراقيين؟ هل باستطاعة احد ان يفهمني لماذا اطلق سراح كل من سعدون حمادي ومحمد سعيد الصحاف وغيرهما من الاعتقال؟
وعبر تاريخ طويل مضمخ بالنقائض، الم يشترك الكل في مارثون الاحزاب السياسية من دون ان تعلنوا عن اية مرجعيات؟ وتأتون اليوم لكي تكرروا نفس المأساة باثواب واسمال اخرى؟ وانتم يا من تفرقون ولا تجمعون وتتباغضون ولا تحابون لماذا لا تصغوا لصوت العقل ولو لمرة واحدة وتنصروا اخوانكم العراقيين وتجتمعوا على كلمة واحدة كما فعلت كل شعوب الدنيا؟؟ فهل يمكنكم ان تشاهدوا عمليات القتل المتوحشة بحق العراقيين وانتم تطلقون شعارات الجهاد والمقاومة؟ كيف تقبلون قتل المدنيين بالسيارات المفخخة؟ كيف تبيحون قتل العراقيين وشبابهم؟ لماذا حرق الكنائس الآمنة ودور العبادة؟ لماذا حز الرؤوس لأناس ابرياء؟ لماذا لا تستخدموا كل الوسائل المتاحة بعيدا عن خلط الاوراق؟ لماذا لن تجعلوا السياسة ميدانا بعيدا عن سمو الدين وتجلياته؟ لماذا كلكم يتجرد امام الدنيا عن الطائفية وهو لا ينفصل عن محفزاتها ومكوناتها ويجعلها اجندة سياسية له اناء الليل واطراف النهار؟ من الذي خوّل البعض ان يتبارى في الجهاد ويجعل مناطق عراقية كاملة مأهولة بالبشر ميدان مبارزة واستعراض عضلات وشوارع قتل؟ لماذا جعلتم من الطائفية شماعات تمثلها هيئات ومرجعيات تحرقون فيها الاخضر واليابس فثمة مدن لا تعرف الطائفية ابدا اذ تختلط فيها العناصر والطوائف والاقليات والاديان! لماذا يقبل العراقيون ان تبقى حدودهم مفتوحة وابوابهم مشرعة امام كل من هب ودب، كي يعبث بالامن الداخلي للعراق، والعراقيون يستغيثون بلا مجيب؟؟ واذا كنتم قد اتخذتم مواقف معينة من البعض الذين خرجوا على السياق فما جناية الملايين من ابناء مدن عريقة لها دورها الفعال في تاريخنا الحضاري..؟!

العراقيون: قدامى وجدد
وليدرك العراقيون الجدد لعلهم لا يعرفون أدوار العراقيين القدامى النضالية الناصعة في تاريخ العراق اليوم في القرنين التاسع عشر والعشرين، فمن العراق ظهر الاحرار الاوائل ومنها ظهر المستنيرون الاوائل والضباط الاوائل والعروبيون الاوائل والمثقفون الافندية الاوائل والثوار الامميون الاوائل والانقلابيون العسكريون الاوائل والساسة المعارضون الاوائل والمنفيون الى جزيرة هنغام الاوائل والصحفيون المهنيون الاوائل.. وفيه كانت روح الاحزاب السياسية وفيها ظهر رجالات لا يمكننا نكرانهم ابدا، اذ خدموا العراق لحما ودما وعظما.. اسأل عن ادوارهم في الاحزاب السياسية وعن مواقفهم الفكرية وعن صحافتهم المحلية وعن تربوياتهم ومنشوراتهم وكتبهم وابداعاتهم ومنتجاتهم ومؤلفاتهم؟؟ كان عيبا عليهم ان يتفوهوا ويتقولوا انهم من سنة وشيعة، او انهم اكثرية واقلية.. كانوا عراقيين اقحاحا مهما كانت انتماءاتهم الاخرى التي لم يعيروها اهمية تذكر.. وعندما صعد سعيد قزاز المشنقة لم يصعدها لأنها كردي اصيل، بل اعتلاها لأنه عراقي نبيل ووطني حتى العظم ليقول قولته الشهيرة التي اصبحت مثلا من الامثال الصادقة عند عقلاء العراقيين.
نعم، عراقيون كانوا، نسوة ورجالا حتى النخاع! لماذا؟ لأن طريقهم هو العراق ولأن بيتهم هو العراق ولأن مستقبلهم هو العراق! ربما كذبوا وناوروا وناضلوا وتقاتلوا وتآمروا وتعاملوا مع الاجنبي، ولكن من اجل اهداف سياسية وطنية للعراق لا من اجل اجندة طائفية ومحاصصات بليدة متخلفة في عصر المعلومات. فكيف كانوا يرون العراق في القرن العشرين؟ كان هذا يراه ملكيا هاشميا وذاك رآه شيوعيا امميا والاخر رآه عربيا قوميا والاخير رآه بعثيا شوفينيا.. لكن لم يكن في مقدور ايا منهم ان يعلن عن انتماء غير الوطن ولم نجدهم يسعون من اجل اهداف دينية او طائفية! ربما كانوا عملاء ورجعية وملحدين وشوفيينيين فاشيين ولكنهم كانوا عراقيين.. ولم اقصد الساسة والحكام وكل المسؤولين حسب بل اعني جملة كبرى من النخب وتشكيلات واسعة من المثقفين والمفكرين العراقيين المتنوعين بتياراتهم واتجاهاتهم .. فهل يدرك العراقيون الجدد بأن العراق لم تسّيره اي مرجعية دينية او مذهبية على امتداد تاريخه؟ كم من الحكمة ان يبتعد علماء الدين ورجالاته عن اللعب بمصير المجتمع وتحريكه كيفما يريدون؟ كم من الحكمة ان تتشكل قطيعة وطنية عراقية بين الدين والسياسة؟ لتكن اراء اولئك العلماء مسموعة ومحترمة من لدن السلطة السياسية، ولكن سوف لن يجد العراقيون ضالتهم ان بقوا منقسمين سياسيا في ظل مرجعيات دينية تسّيرهم وخصوصا ان هذا الباب سيفتح مصراعيه امام التدخلات الاقليمية الخارجية باسم دين او طائفة او مذهب؟؟

وأخيرا: لا تخلطوا الغالي بالرخيص ولا الكل بالجزء
ان جملة من المشكلات الصعبة والمعقدة ورثها العراقيون عن ايام الحكم السابق وخطاياه بحقهم جميعا، فلا يمكن لأي طرف ان يدّعي انه الوحيد الذي ظلم وقهر واضطهد؟ لا يحق لأي عراقي ان يتهم مدنا كاملة ومناطق كبرى ومجتمعات عريضة انها كانت وراء المأساة.. واسأل عن رجالات علم ومعرفة وثقافة؟ اسأل عن وطنيين عراقيين من كل الالوان والاطياف وقفوا ضد الطغاة؟؟.. فلم يكن كل العراقيين بشوفينيين ولا كلهم بارهابيين ولا كلهم بصداميين ولا كلهم بشيوعيين ولا كلهم بعلمانيين ولا كلهم بوهابيين او كلهم بسلفيين.. كفى احترموا غيركم واعرفوا التواريخ الحقيقية ولا تخلطوا الغالي بالرخيص وعيب عليكم ان تكيلوا الاتهامات لابناء العراق من سنة او شيعة من عرب او كرد او تركمان.. من مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين او اثوريين ويزيديين ولا تبغضوا مدنا بعينها فهناك مدنا تعتبر من امهات العراق وتأخذون عليها بعض اشرارها وتتناسوا منها: اسماء رجالات حقيقيين للعراق وعلماء عراقيين هم شرف للعراق كله ونالوا ما نالوا من صدام حسين وزبانيته.. ولم يكن المعدومون والمغيبون والمنفيون والمهجرون والمعذبون والمقصوفون والمحروقون.. من ملة واحدة او من طائفة واحدة او من مدينة واحدة او من منطقة واحدة او من قبيلة وعشيرة واحدة . واخيرا على اشقائنا العراقيين ان يتوقفوا عن هذا الردح ويعرفوا من هو المجرم الحقيقي الذي اودى بمصيرنا الى هذا المستنقع الاسن.. لا تفرقوا دم صدام بين القبائل فهو وكل من اشترك معه من كل مدينة وطائفة ومذهب وقومية ساهم في الجريمة وفي صنع كل القذارات، وهو الذي قدّم العراق على طبق من ذهب الى الولايات المتحدة الامريكية!

[email protected] ( للحديث صلة )