نشأت فى أحد الأحياء الشعبية لمدينة القاهرة، وكانت الحارة والشارع هما المتنفس الوحيد لنا لممارسة أى رياضة وكان اللعب هو حياتنا، وكان والدى رحمه الله يعتقد أن اللعب لا يناسب سوى الأولاد (الصيع والبايظين)!! على حد تعبيره، وأن اللعب معطل للتفوق الدراسى والنجاح، ورغم ذلك كنت فى الحارة طوال اليوم أستمتع بحريتى وباللعب مع الأصدقاء. اليوم فى عالم الإنترنت والتليفزيون وألعاب الفيديو وأفلام الفيديو وكل أنواع التسلية الغير رياضية أجد صعوبة أحيانا فى إقناع بناتى للخروج خارج البيت للعب بدلا من الجلوس أمام الكومبيوتر أو التليفزيون، وأنا مقتنع تماما بأن أى لعب أفضل من الجلوس داخل البيت، والرياضة البدنية والفنون فى مدارس بلاد الفرنجة هى مادة أساسية مثلها مثل الرياضيات والفيزياء، لذلك ساءنى كثيرا أن بعض المدرسين والمدرسات المتطرفون فى بعض قرى مصر قد قاموا من تلقاء أنفسهم بإلغاء مواد التربية البدنية والفنون والرسم والموسيقى على أساس أنها (ما لهاش لا زمة)، وبحجة ضعف الميزانية، وعندما كنا نلعب الكرة فى الحارة لم نكن نحتاج لأى ميزانية، كل ما كنا نحتاجه هو شراب (جورب) قديم وقطع أسفنج (مقتبسة) من كرسى الأتوبيس، وبصناعة يدوية محلية كنا نقوم بصناعة كرة شراب (آخر جمال) نقضى بها فصل الصيف. ولدينا رياضة أرخص هى رياضة المشى أو الجرى.


......

والآن أ ستمتع يوميا مع بلايين البشر فى مشاهدة الدورة الأوليمية فى أثينا عبر شاشات التليفزيون فى مشاهدة الشباب والبنات (اللى زى الورد) وهن يتنافسن من أجل التفوق الرياضى، جاءوا من كل بلاد العالم بغض النظر عن ألوانهم ودياناتهم أو أصولهم الإجتماعية جاءوا للتنافس الشريف، والإستمتاع بواحدة من أفضل الأنشطة الإنسانية والتى تمثل سمو الإنسان هذا المخلوق العظيم، يستمتع الجميع بشرف تمثيل بلادهم، بعيدا عن (قرف) التعصب والتطرف والتزمت والإرهاب، يرتدون ما يمكنهم من المنافسة المريحة، فترى البنات والأولاد يلبسون من الملابس الرياضية (ما قل ودل)، ومن الطريف أن الزى الرسمى لرياضة (الكرة الطائرة على الشاطئ) هو المايوه البكينى!!، لذلك شاهدت العديد من تلك المباريات لأن فيها ما يسر الناظرين!!

والمباريات قد قاربت على الإنتهاء، فيوم الأحد مهرجان الختام، وقد قمت بالنظر الى حصيلة الميداليات، وسعدت كثيرا كل مرة كنت أعرف أن مصر قد حصلت على ميدالية، وكانت قمة سعادتى عندما حصلت مصر على ميدالية ذهبية (لأول مرة منذ عام 1948)، وكنت أخشى أن أفارق الدنيا قبل أن تحصل مصر على ميدالية ذهبية فى حياتى. وكان الأداء المصرى أفضل أداء لمدة تزيد عن ال60 عاما، وهذا شئ رائع، ولكننى نظرت الى حصيل ميداليات البلاد العربية والإسلامية فكانت حتى تاريخ كتابة المقال كالتالى:
إيران (2 )، المغرب (2)، مصر (5)، سوريا (1)، الإمارات (1)، أندونيسيا (4)، تركيا (6) أى أن مجموع الميداليات التى حصلت عليها البلاد العربية والإسلامية يبلغ (21) ميدالية، وهو يعادل الميداليات التى حصلت عليها دولة صغيرة هولندا (21)!

ولاحظت أيضا (حتى ساعة كتابة المقال) أن العشر الأوائل فى نصيب الميداليات هى الدول الآتية:
أمريكا (90)، روسيا (68)، الصين ( 57)، أستراليا (44)، ألمانيا (44)، اليابان (35)، فرنسا (28)، إيطاليا (27)، كوريا الجنوبية (26)، بريطانيا (26).
هل مصادفة أن تكون السبع دول الصناعية الكبرى من ضمن العشرة الأوائل ؟ لا أعتقد أنها مصادفة، الحضارة لا تتجزأ، وكما كانوا يعلموننا قديما (العقل السليم فى الجسم السليم)، الحضارة مبنية على العقل، والرياضة مبنية على الجسم، وكلا من العقل والجسم يسيران معا، بإستثناء الشعوب التى فقدت عقلها، أو التى أصبح عقلها (فى الطراوة) على حد تعبير أولاد البلد فى مصر.
وهل هى مصادفة أن أكثر من بليون مسلم مجتمعين لم يحصلوا على أكثر من (21) ميدالية ، والحمد لله على التفوق المصرى هذا العام، وإلا كان نصيبنا (16) ميداليات فقط. لا أعتقد أبدا أنها مصادفة، لقد إستبعدنا 500 مليون مسلمة طالما نعتبر أن المرأة عورة، ومعظم ال 500 مليون الباقيين يرون فى الرياضة نوع من ضياع الوقت، ونحن لا نعرف متى نلعب ومتى نعمل، لذلك فشلنا فى اللعب وفى الجد.

وهذا ما لا أفهمه لأن المسلمون لديهم حديث واضح للرسول عندما قال :" علموا أولادكم السباحة والرماية
وركوب الخيل"، وما لفت نظرى أن الرسول بدأ حديثه برياضة السباحة وهى رياضة لم تكن ممارسة لا فى مكة ولا فى المدينة فى وقت الرسول، ولا بد أنه سمع عنها عن طريق بعض الناس الذين كانوا يعيشون بالقرب من البحر الأحمر، ورغم أنه سمع عن تلك الرياضة الا أنه بدأ بها حديث الرياضة، وأنا وااثق بأن لو أن الرسول سمع عن رياضة الجمباز فى هذا الوقت لقال :" علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل والجمباز"!!

[email protected]