806

قرأتُ قبل قليل خبراً وارداً من بيونج يانج يقول : "بدأت السلطات في كوريا الشمالية حملة إعلامية مكثفة لإقناع الرجال بتقصير شعر رءوسهم‏.‏ وقال المسئولون عن الحملة‏ :‏ إن الهدف منها هو حث الرجال علي تقصير الشعر من الجوانب‏، ومن الخلف بشكل مناسب‏، وحذروا من أنه يوجد آثار سلبية لطول الشعر علي تطور الذكاء‏، لأنه يستهلك الكثير من الغذاء وطاقة المخ‏، وأوصوا بقص الشعر كل‏15‏ يوما حتي يتماشي مع نمط الحياة الاشتراكي..‏!‏"..وجدتُ الخبر منطبقا تماماً على مضمون المقابلات التلفزيونية المتسلسلة التي تعرضها قناة العربية بعنوان (سيرة رجل ووطن) وليس بعنوان ( سيرة رجل.. سيرة وطن ) كما كرر ذلك السيد علي عبد العال مرات عديدة في مقالته المنشورة في جريدة إيلاف يوم 11 – 1 – 2004 محاولا تقصير "شعر" الفلم المذكور بأمل أن يكون منظره جميلاً..!
الفرق شاسع في العناوين، مثلاً :
سيرة رجل ووطن..! له معنى محدد بين الرجل والوطن..!
سيرة رجل.. سيرة وطن..! تعني معنيين مختلفين وقد يكونان مترابطين..!
سيرة رجال ووطن..! لها معنى مختلف..!
فهل قام مخرج الفلم باختيار العنوان اعتباطا أو بعفوية أو بتلقائية أو من دون قصد..! كما يعتقد البعض حتى راح هذا البعض " يغيـّر" العنوان في مقالته بالنية الطيبة..!
في ظني أنا : أن العمد واضح في مغزى عنوان الفلم الذي لم يكن اختياراً علاّوياً بكل تأكيد..! العنوان من اختيار "المنتج "بكل تأكيد فهو " الإعلامي الفضائي الذكي "الذي يعرف أن (عنوان الفلم التلفزيوني بلا قوة.. عبث.. أما القوة بلا عنوان فهي تفجير إرهابي في شوارع بغداد ).. ‏!‏ لذلك آمل من السيد علي عبد العال أن يسارع الى تصحيح العنوان حرصا على موضوعية مقالته..!
كان هدف "المنتج "أن يرضي النزعة الفردية في الإنسان، والإنسان الحاكم بالذات..! وفي فلم " سيرة رجل ووطن " تذكرني، بدون وجه حق، برواية صدام حسين المعنونة ( رجال ومدينة ) فالذي كتبها أراد إرضاء نزعات مهووسة في أعماق صدام حسين وروحه.. وليس من شك في أن الظنون تختلف بين الناس مثلما تختلف الرؤى بينهم بسبب الثقافات وبسبب أماكن إطلالة الرؤية..! فمن يسكن طابقا أرضيا في السويد أو هولندا يشعر بالضوضاء التي لا يشعر بها ساكن الطابق العاشر، ولا يعني هذا أن الضوضاء غير موجودة..! كما أن ساكن الطابق العشرين يسمع أزيز الطائرات التي لا يسمعها ساكن الطابق الأرضي وهذا لا يعني أن " أزيز الطائرات لا وجود له..)..!!من هنا كم يكون صحيحا وأكثر وطنية لو تحدث السيد رئيس الوزراء عن تأثير القتل الجماعي والإعدام الجماعي والاغتيالات المتعددة على مواقفه الوطنية والسياسية وعلى مستوى نمو الوعي الجماعي داخل حزبه بدلاً من تركيز حديثه على تفاصيل محاولة اغتياله في لندن التي ركز مخرج الفلم في إحدى حلقاته من خلالها توعدأ أو حلماً بانتقام أياد علاوي من نظام صدام حسين ثأراً لكرامته الشخصية وليس ثأرا لكرامة شعبه! هنا جثمت الذاتية على جميع أحلام فلم ( سيرة رجل ووطن ) مما دعاني أن أكون أول من ينبه الدكتور أياد علاوي إلى مخاطر وقوعه أو وقوع تاريخه كوقوع السمكة( وبفلوسه..! ) في شبكة قناة الفضائية العربية التي لم تثبت عمليا حتى هذه الساعة أنها لا تحاكي نظام صدام حسين وأساليب بقاياه في إيقاف خطى الشعب العراقي نحو الديمقراطية..! قلت ُ وأقول للدكتور علاوي أن أخطاء فلم سيرة رجل ووطن تسعد الكثيرين من أعداء الرجل والوطن!

أعتاد الشعب العراقي في أغلب تاريخه على كراهيته للحكومات التي تحكمه، وقد انطلقت غالبية القنوات الفضائية العربية – باستثناء قناة الفيحاء الوليدة التي لم تتبلور بعد – على تأكيد هذا الجوهر منذ سقوط نظام صدام حسين حتى هذه اللحظة بتحريض الشعب العراقي وتأليبه ضد أول حكومة عراقية وطنية مؤقتة تسعى لبناء المؤسسات الديمقراطية وأولها المؤسسة البرلمانية المنتخبة. وكأن هناك خيوطا مشتركة في أدوار كل قناة من الجزيرة، والمنار، وأبو ظبي، وحتى العربية.. تتغير مواقفها وأطروحاتها حسب الظروف والمعطيات الخاصة بأهداف كل واحدة من هذه القنوات التي تعتقد أنها " ذكية " في إخفاء مراميها بارتداء الجلود الملونة المختلفة..!
نصف الشعب العراقي لا يفهم النصف الآخر.. هذه معادلة عالمية، ولذلك ينقسم الناس، في كل دول العالم، أمام صناديق الانتخاب الى قسمين :إما مع الأحزاب الدينية أو مع العلمانية.. إما مع الوعود الصادقة أو مع الكاذبة وإما مع جون كيري أو مع جورج بوش كما في النموذج الأمريكي..! في العراق أيضا انقسم الشعب منذ تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة أياد علاوي..
قسم يعتقد أن الحكومة امتداد للاحتلال الأمريكي.. وقسم يعتقد أنها امتداد مقنع للبعثيين.. وقسم يعتقد أنها مسئولة عن الزمن العراقي المعتم..وقسم يعتقد أنها تنظم موعد الشعب العراقي مع الديمق راطية وأنا شخصيا مع هذا القسم ولو أنني غير منتم..!!
وشاحات ملونة كثيرة غطت رؤوس وأكتاف الحكومة المؤقتة وكان المفروض أن يستغل الدكتور علاوي بطولته في فلمه بكونه رئيس الحكومة وان يكون في قلب الأشياء الشعبية وفي قلب الأحلام الشعبية وان لا يحاول وضع نفسه في " المكان المرتفع "من السفينة كما أراده مخرج الفلم بنوايا لا أدري دوافعها..!
بين تلاطم الأمواج المحيطة بالسفينة العراقية الحالية من يعتقد أن ارتجاف العراق سببه الخلفية البعثية لرئيس الوزراء وأنا لست مع هذا البعض، وكان ينبغي أن يتحول أياد علاوي البعثي السابق في بطولة هذا الفلم الى مغوار عميق في بئر المشروع البعثي الخطير المليء بالدم والمؤامرات الذي حاول صدام حسين أن يروي به كثير من " مجاري " حركة القومية العربية لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن..!
بعض الكتاب ما زالوا حتى هذه اللحظة ومنهم السيد علي عبد العال يبحث عن ما يعزز علاقة قياديين من حزب البعث بالمخابرات المركزية لصنع حركة دبابات انقلاب شباط 1963 بهدف سحق الشيوعية العراقية وعبد الكريم قاسم وهو ما لا يحتاج إلى تأييد أو تأكيد..! حتى الأمريكان أعلنوا صراحة عن ذلك..! حتى السوفييت أعلنوا عن ذلك..! أنا مطلع جيدا على المصادر لكن مكتبتي الفقيرة في الغربة لا تملكها، فأشير من ذاكرتي إليها، ويمكن الرجوع إلى كتاب بعنوان ( النار.. هذه المرة ) بقلم
المخابراتي المدافع الصادق عن صدام حسين حتى هذه اللحظة رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق حين بدأ أول 24 صفحة من كتابه بالتمام والكمال عن علاقة صدام حسين بالأمريكان..! وقد صودر الكتاب في العراق في حينه حال دخوله..! أما السيد يفجيني بريماكوف فقد اشار لتلك العلاقة بين صدام حسين والأمريكان بالصفحة الأولى في كراسته ( 30 صفحة ) التي نشرها قبل نشوب حرب الخليج الثانية ببضعة أيام في لبنان والقاهرة ومع الأسف أن ذاكرتي لم تسعفني في تذكر عنوان الكراسة بسبب شيخوختي اللعينة..! كما أود التذكير بكراسة صادرة عام1981 بعنوان ( قوات التدخل السريع )مترجمة من قبل مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية وفيها فصل خاص مكرس لدخول الجيش العراقي الى دولة الكويت حال نهاية الحرب مع إيران..! ليتصور القارئ الكريم أبعاد الرؤية الأمريكية فهي تنشر خطط دخول الجيش العراقي إلى الكويت قبل عشرة أعوام من الواقعة التي جرت في آب 1990 مطمئنة من كون العرب أمة لا تقرأ..! لكن صدام حسين كان بالتأكيد يقرأ الممحي..!
ألم يكن من الأفضل أن ينقل لنا أياد علاوي خلاصة تجارب " عقل "صدام حسين ورهطه وقيادات حزبه في محاربة الشيوعية في العراق وكل من يطالب بحقوقه أو بالديمقراطية بتكديس مليون شاب منتظم داخل حزبه، واستخدامهم كأداة لحفر المقابر الجماعية مرتين، الأولى في 1963 والثانية في 1977، وممارسة التوسع العسكري إشباعا لنزواته البدوية في احتلال بلدين، إيران 1980 والكويت 1990، وذبح الشعب الكردي مرتين في 1975 والثانية في أنفال ثمانينات القرن الماضي كلها..! وذبح أحزاب الشيعة مرتين، في خان النص وفي انتفاضة آذار، وذبح قادة السنة في الرمادي وغيرهم من المقربين التكارتة، وما تبع كل ذلك وما أعقبه وما سبقه عشرات الآلاف من الضحايا كان
أياد علاوي وعبد الخالق السامرائي وعدنان الحمداني وآلاف من البعثيين الآخرين ممن حملوا قلوبا نظيفة فكانوا نماذج من ضحايا القمع والبطش الصدامي..!
الشعب العراقي ليس بحاجة إلى استعراض " تلفزيوني " يقوم به رئيس حكومة مؤقتة لأحداثٍ صاحبت عصر صدام حسين، فذاكرة الشعب أقوى وأوسع بكثير من ذاكرة فرد واحد حتى ولو كان أسمه الدكتور أياد علاوي..! بل الشعب بحاجة الآن الى " فعل ٍ بديل ٍ " يجدد حياة الشعب والوطن حتى ولو كان " الفاعل " بعثيا سابقا – أياد علاوي - بشرط أن لا يخاف من الظلال التي قبع تحتها ردحا من الزمن ليكشف بعدها عن إيمانه أن الضوء هو الأساس..! فلا حكمة في السياسة من دون مراجعة تاريخية ذاتية وعامة نقدية و شجاعة، ولا عقل سياسي من دون الخلاص من تمجيد الذات..!
أنهم في القنوات الفضائية تعودوا على عدم التفريق بين " الموضوعية " و "الذاتية "ولا يفرقون بين الأكذوبة والمصداقية ولا يفرقون بين الحب والكراهية، فلا تصدق، أيها الدكتور علاوي، من يقول أن الشاشة التلفزيونية والظهور فيها يمكن أن تجعل " الحاكم " محبوبا مثل المطربين والمطربات والممثلين والممثلات، وإلا لصار صدام حسين محبوب الناس في كل بقاع الأرض فقد كان لربع قرن نجما لامعا، كل يوم، في شاشات القنوات التلفزيونية العالمية..!
وأرجو أن تثق يا " دولة " رئيس الوزراء أن أخطاء فلم المقابلات التلفزيونية تسعد بنهاية المطاف "
كادر" الشاشة التلفزيونية نفسها ومن يقف وراء قناة العربية..! وكم أكون سعيدا لو أسمعك في الحلقات القادمة ترفض أن يناديك محاورك بلقب " دولة " أياد علاوي كي تقدم درسا في تواضع القادة العراقيين
الديمقراطيين برفض قبول هذا اللقب العقيم غير الأصيل..! وأرجو عدم نسيان حقيقة أن رئيس أكبر دولة في العالم ينادونه : بوش..! أو المستر بوش بأبعد احتمال..!
سيحبك نصف الشعب العراقي يا أياد علاوي إن اكتفيت بتوجيه " اللعنة الكبرى " على تاريخ الطاغية من أوله إلى آخره ومن دون تبرير أخطاء من تبعوه وصادقوه ووثقوا به أو انقادوا إليه بحجة الأنفلونزا الحزبية فلا توجد وصفة سياسية أو فلسفية قادرة على تخليص من أصيب بلوثة صدام حسين غير النقد الذاتي البطولي الجريء، القائم على تلخيصك الشخصي لتجربة دموية بشعة عاشها الشعب العراقي تحت قيادة حزب البعث زمنا طويلا لكي تستطيع أن تنير طريق المستقبل للشعب العراقي كله ولبقايا البعثيين التائهين الآن في دروب الظلمة ومن بينهم عناصر طيبة كانت تقاوم صدام حسين بقلوبها..!
أخيرا أعود إلى الحلاقين الكوريين لأقول لهم و للقراء الكرام أن لا يصدقوا نظريتهم عن قص الشعر، لأن " الحلاقة " لا " تجمـّل " الوجوه، وإلاّ لأصبحتُ أنا أجمل من " ألن ديلون " فأنا أحلق ذقني مرتين باليوم الواحد، وأحلق شعر رأسي مرة كل 23 ساعة فلا صرت جميلاً ولا ذكياً..! أما " حلاّقو " قناة العربية فنظريتهم قائمة على أساس : ادفع الفلوس ليهتفوا لك.. يا.. يعيش.. يا.. يا..!!
العن حكام الماضي يا أياد علاوي. وبس..!

ولنا عودة!
بصرة لاهاي