-1-
الأسباب العقلانية للارهاب
هناك، في العالم العربي والإسلامي، من يبرر الأعمال الإرهابية التي تنفذها جماعات متطرفة بتحيز الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي وتعثر مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. وهو ما يؤدي إلى الإرهاب والرغبة في مواجهة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بالعنف ،
فهل هذا صحيح؟
والجواب على ذلك أن الإرهاب العربي - وليس الإسلامي - اليوم لا علاقة كبيرة له بسياسة (أمريكا) تجاه اسرائيل، ولا علاقة كبيرة له بالظلم الذي يحيق بالفلسطينيين من قبل اسرائيل. فالعلاقة الأمريكية- الاسرائيلية قائمة منذ خمسين عاماً، والظلم الواقع على الفلسطينيين من قبل اسرائيل قائم منذ أكثر من نصف قرن.
فما معنى أن ينفجر الإرهاب الآن على هذا النحو المدمر؟
أن الأسباب العقلانية للإرهاب تعود إلى :
1- احتكار الحكم في فئة واحدة، أو حزب واحد، أو قبيلة واحدة، أو عائلة واحدة. وهذه قاعدة سياسية مشينا عليها نحن العرب منذ أكثر من 1400 سنة عندما قال الرسول: "الأئمة من قريش" و "الأئمة منّا أهل البيت". فحكمتنا قريش القبيلة وحدها أكثر من ستـة قرون (632-1258م) عبر الخلفاء الراشدين، وعبر الأمويين والعباسيين، وما زلنا محكومين للعائلات الواحدة حتى الآن.
2- ماضينا الممتد في حاضرنا. فجاءت أسباب الإرهاب من انتصار الاتباع على الابداع، وانتصار الرواية على الدراية في تراثنا الأدبي والفقهي، وانتصار جهاد الآخر على جهاد النفس العدوانية، ومن هذه الثقافة العنيفة التي تقطر دماً من تقاليد الحروب والمشاحنات القبلية والطائفية وبطش السلطات الغاشمة قديماً وحديثاً.
3- لا شك أن التعليم الديني الظلامي قد لعب دوراً كبيرا في هذه الأسباب، فغسل أدمغة التلاميذ والطلبة يومياً بالهوس بالماضي، وبالنرجسية الدينية، وبعداء المرأة، وغير المسلم، والعقل، والحداثة. فتلاميذ الأزهر في السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم الثانوي يدرسون كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" تأليف الشربيني المتوفى سنة 550 هـ. فماذا يقرأون فيه؟
يقرأون فيه: " أن قتل تارك الصلاة عمداً قياساً على المرتد، وقتل تارك الصلاة كسلاً حداً لا كفراً". ورغم هذا فهناك من المثقفين وكتبة الصحف يروّجون لمزيد من التعليم الظلامي الديني. ففهمي هويدي (الخبير الدولي بالاستراتيجيات الاسلاموية، والمحلل السياسي الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين) مثالاُ لا حصراً يروّج للتعليم الديني الظلامي بقوله، بأن فتاوى إهدار الدماء لا تصدر إلا عن شبان لم تساعدهم دراستهم على التعمق في الدين. والخلاصة أن المناهج الدينية التي لاتسمح لطلبتها بالدراسة الكافية للدين هي المسؤولة عن الإرهاب. وإذا كنتم تريدون التخلص من العنف الديني، ضاعفوا ساعات التعليم الديني!

والسؤال الآن:
هل عمر عبد الرحمن الحاصل على دكتوراه في علوم الشريعة من الأزهر والذي أفتى بتكفير المطرب محمد عبد الوهاب، وقتل فرج فوده ونجيب محفوظ والسادات، وتفجير "مركز التجارة العالمي" والمحكوم عليه بالمؤبد من أجل الإرهاب ينقصه التعمّق في الدين حسب رأي هويدي؟
وهل الشيخ القرضاوي الحاصل على دكتوارة في علوم الشريعة من الآزهر، والذي أفتى بقتال وقتل الأمريكيين من عسكرين ومدنيين في العراق، فقط، كان ينقصه التعمّق في الدين حسب رأي هويدي؟
وهل أشياخ الأزهر كالشيخ الدكتور عبد المعطي بيومي العميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والشيخ الدكتور صالح زيدان الأستاذ بجامعة الأزهر، والشيخ منصور الرفاعي وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق، والذين أيدوا القرضاوي في فتواه تلك، كان ينقصهم التعمّق في الدين حسب رأي هويدي؟

-2-
أوضاعنا الداخلية والارهاب
هل أن الأوضاع الداخلية للبلدان العربية : غياب الديمقراطيات، الفوارق الطبقية، الأزمات الاجتماعية المطبوعة بالفقر والبطالة على وجه الخصوص، تلعب دور المحرك للانخراط في أعمال العنف الموجهة نحو الخارج، وأن معالجة الأوضاع الداخلية للبلدان العربية من شأنه أن يخفف من موجة الإرهاب اللصيقة بالعرب؟
والجواب على هذا السؤال هو أنه لا شك بأن هذه الأسباب ساعدت على انتشار الإرهاب. ولكنها ليست الأسباب الرئيسية. غياب الديمقراطية بالدرجة الأولى ساعد كثيراً على انتشار العنف والإرهاب. فوظيفة الديمقراطية في أي مكان هو اقامة الحواجز والموانع ضد العنف. لأن للديمقراطية مسارب لإبداء الرأي والرأي الآخر. في المجتمعات الديكتاتورية لا يوجد طريق للتعبير عن الرأي والرأي الآخر غير العنف. والحركات الشعبوية والإرهابية لا تظهر ولا تمثل خطراً على المجتمع إلا عندما تُخنق الحريات وتتعطل الاستحقاقات الديمقراطية. وهناك علاقة عكسية بين الديمقراطية والإرهاب. فكلما نقص من الأولى زاد في الثانية، وكلما زاد في الثانية فمعناها نقصان في الأولى.
أما الفقر والبطالة فلا علاقة كبيرة لها بالإرهاب. في بعض دول آسيا كالفلبين مثلا نرى فقراً وبطالة أكثر مما هو في العالم العربي. فلم ينتشر الإرهاب إلا في صفوف المسلمين الفلبينيين فقط (جماعة أبو سياف) من مؤيدي تنظيم "القاعدة" ومن متلقي البترودولار، وذلك بفضل التعليم الديني الظلامي. وفي بعض دول (أمريكا) اللاتينية هناك فقر وبطالة أكثر مما في العالم العربي، ورغم ذلك لم ينتشر الإرهاب كما انتشر في العالم العربي. في أفريقيا هناك جوع قاتل وبطالة هائلة ورغم ذلك اتجه الأفارقة إلى الغابات لكي يأكلوا لحوم الطرائد، أما نحن فقد اتجهنا إلى المدن العامرة لكي نأكل لحوم الخلائق.
في رأيي المتواضع، أن التعليم الديني الظلامي الذي ورثناه عن العثمانيين الذين حكمونا اربعمائة عام (1517-1918) وما زالوا يحكموننا حتى الآن من قبورهم، فلا زال السلطان عبد الحميد الثاني (السلطان الأحمر) (1842-1918) يحكم معظم العالم العربي بأساليبه الدموية من قبره، وبالإعلام المزيف الخادع الخاضع للتبعية السياسية والدينية الكاملة، وبالثقافة المزورة المُسيّرة بأمر السلطان والسلطات، وهي ثقافة تبريرية لا نقدية .. كل هذه الرزايا هي المسؤولة عن انتشار الإرهاب في العالم العربي بهذه الصورة المفزعة الآن.

-3-
أين الدرس المفيد للحاكم الرشيد؟

هل أخذت الدول العربية الدرس من الأحداث التي عرفتها الساحة السياسية العربية في السنين الأخيرة: الحرب في أفغانستان، الحرب في العراق، من حيث مراجعة الذات والاعتراف بأخطائها، ومعالجة الاختلالات القائمة في مجتمعاتها، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي والسياسي وترسيخ الديمقراطية، والالتحاق بالحداثة والانخراط في العالم المتحضر والتصالح مع الآخر؟ والجواب على ذلك أن الدول العربية تلميذ فاشل وخائب في مدرسة البلهاء والغوغاء والدهماء السياسية. الدول العربية منذ أكثر من نصف قرن لم تتعلم إلى الآن الدرس الفلسطيني، وما زالت تقرأ التاريخ الفلسطيني في صفحة عام 1948، رغم أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية عام 1948، ولا عام 1956، ولا عام 1967، ولا عام 1973، ولا عام 1993 (اتفاقية أوسلو). ولكن ما زال العرب في الدرس الأول، وفي الصفحة الأولى لهذه القضية، ولم يحفظوا درسها بعد، ولم يستوعبوه. وهم لم يتخطوا بعد درس حروف الهجاء الفلسطينية. في حين أن القضية تغيرت، وتشعبت، وتطورت، ودخلت عليها معادلات اقليمية ودولية لا أول لها ولا آخر.فكيف نطالب الدول العربية الآن أن تأخذ الدرس والعبرة من أفغانستان والعراق، وهما درسان قاسيان وصعبان ومستعصيان على الفهم العربي السياسي المحدود والطفولي الغرائزي؟

أفغانستان تحررت، والانتخابات الرئاسية تحققت لأول مرة في تاريخ أفغانستان. وجرت انتخابات شفافة باشراف الأمم المتحدة تنافس فيها 17 متنافساً على مقعد الرئاسة بينهم امرأة، ونحن العرب ما زلنا نُعدّل مواد الدساتير التي هي (بساطير) مهترئة في أقدام الديكتاتورية العربية من أجل التمديد والتجديد وبقاء الوعد والوعيد، وننتخب قسراً وقهراً وزوراً وجوراً الرئيس الذي لا منافس له للمرة الخامسة والسادسة والسابعة وإلى يوم الحساب، ليتجاوز حكمه للبلاد عشرين عاماً وأكثر، ولا يترك القصر إلا إلى القبر، عملاً بالتقليد السياسي العربي المعروف من أيام معاوية بن أبي سفيان حتى الآن :
" لا طريق لولي الأمر، إلا أن يبدأ بالقصر وينتهي بالقبر".
فأي الدروس تلك التي استفدنا منها.
أن مشكلتنا أننا طلاب خائبون وفاشلون وبلهاء في مدرسة السياسة العربية الغوغائية التي يُدرّس فيها مدرسون من دهماء الشارع. ولا ينفع معنا الآن إلا الضرب بالعصا الغليظة حتى نتعلم التحلي بالخلق السياسي أولاً، ثم نتعلم علم السياسة. وهذا ما حصلفي اليابان في 1945 عندما ضُربت بعصا نووية غليظة، فتعلمت، وعادت إلى رشدها بعد غيّها العسكري. وهذا ما حصل في العراق، بعد الغيّ الديكتاتوري، وسيحصل في بلدان عربية أخرى في المستقبل القريب. فالعراق هو البداية ولن يكون النهاية رغم التكلفة البشرية والمادية العالية. فثمن الحرية لم يكن يوماً ما ثمناً رخيصاً وتافهاً. لقد دفعت أوروبا أكثر من عشرة ملايين ضحية ثمناً لحرياتها من الديكتاتورية النازية والفاشية. ودفعت اليابان وحدها في عام 1945 أكثر من مليون ضحية ثمناً لتحررها من الديكتاتورية العسكرية التي جلبت عليها المصائب والويلات والدمار.
فماذا دفعنا نحن حتى الآن؟
لم نضحِ حتى الآن بالثمين، الذي ضحت به شعوب الأرض.

[email protected]