حال العراق الذي نقول له "صباحا صباحا"كل إشراقة شمس، ليس ما حققه أهله ديموقراطيا مثالا جديدا في إقليم شرقنا الأوسطي المنتظر وحسب، هناك لمسات قل أن يلاحظها كثيرون من متابعي الفضائيات العربية التي تنقل الحدث "الديموقراطي والإرهابي"كل على سجيتها وطبيعة أهدافها ومراميها، وبالعين التي تراها مناسبة لها. ما يلفت الانتباه هو أسلوب التعاطي الجديد بين أهل العراق ذاتهم من مواطنين ومسؤولين مرورا بالصحافيين الذين احسدهم على طبيعة تعامل قيادات بلدهم الجديد معهم، ولعل هذا التعامل يعطي غيضا من فيض ويؤشر على ما سيأتي به العراق المعطاء بشرا وتراثا وعلما وقوانين وطبيعة وخيرات من مفاجآت كعادته منذ 6 آلاف عام. ولعلني لن أطيل، حين أقول بعجالة أن من يتابع المؤتمرات الصحافية لقيادات العراق على مختلف مستوياتهم من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وزعامات الكيانات السياسية وحتى الطائفة يلمس توجها غير مسبوق في تعامل هؤلاء مع أهل القلم واللسان، وهو في نظري كصحافي يعتبر درسا لكل مسؤول عربي في الجوار.

تعود الصحافيون العرب دخول المؤتمرات الصحافية ، خائفين وجلين من بعد تفتيش مريع ودقيق، هذا فضلا عن التثبت من هويته كأنما هو مجرم ينتظر براءته، لكن الحال العراقي الجديد نسف كل ذلك، والذي يتابع تلك المؤتمرات الصحافية بكل تفصيلاتها ودقائقها لا بد وأن يلمس روح الدفء التي تسود بين المتحدث ومحاوريه من الصحافيين المشاركين، سواء في أسلوب الرد أو طريقة توزيع الأسئلة على كل منهم في القاعة ولا استثناء بين صحافي وآخر رجلا كان أو سيدة، ولا يوجد منهم "أبناء الست وأبناء الجارية" بشكل انتقائي ، حتى أن البعض يلح على دوره في السؤال حتى لو انتهى الوقت المحدد للمؤتمر، ويحوز في الأخير على هذا الحق، ولا تخلو تلك المؤتمرات من ممازحة في غالب الأحيان بين السائل والمجيب وابتسامات نابعة من القلب غير مفترضة أو مصطنعة، فكلهم أبناء طينة وعجينة واحدة، فلا أحد فوق ولا أحد تحت. وكلمات وتعبيرات لم يكن يسمعها الصحافي العراقي أو العربي من ذي قبل، مثل :تفضل عيني، شكرا عيني ،، السؤال إلك أخوي، هات ما عندك بس باختصار عيني،، أتفق معك،، بس من وين سمعت بالمعلومة اللي تسألني عنها،،، اعترف لك أنني لا اعرف... لكن زميلي الوزير (...) يعرف اكثر مني ..... وهكذا.

لعل المؤتمر الصحافي الأخير للرئيسين الشيخ غازي عجيل الياور والدكتور إياد علاوي غداة الانتخابات الناجحة الناجزة حملت أكثر من حميمية وصداقة وكلام نابع من القلب، فالدعاية الانتخابية انتهت ولا حاجة لأي من الرجلين أن يحاول التقرب من الصحافيين في الكثير من الود الذي يعطيه. وما صدر عن الرئيس الياور حين مازح إحدى الصحافيات بوصفه لها بالمشاغبة لم يكن أكثر من جسر تواصل وود، فهو مازحا حرمها من سؤال ثان كادت أن توجهه له، حيث أعطى آخرين الحق بالسؤال، لكنه عاد إليها "المشاغبة" بابتسامته المعهودة قائلا "لك الآن أيتها المشاغبة حق آخر سؤال ... بش شويه علي بالهون". قالت الصحافية: "سؤالي يا رئيسي الحبيب هو..." هنا قاطعها الرئيس اليارور ضاحكا ... "عفوا إلا كلمة الحبيب ... يمكن يسمعوها الآن ويفسروها على كيفهم، عندك كلمه غيرها؟"، قالت الصحافية نعم: "يارئيسي العزيز.." رد الياور: "هذي مقبولة منك.."

أخيرا، أقول أن أسلوب التعامل الجديد في العراق الجديد، على كل المستويات رغم الأيام الصعبة التي ستنجلي غمتها وغمامتها قريبا بقدرة العراقيين على الحياة والبقاء والعطاء لعالمهم حولهم، أشبه بالصخرة التي ترتطم من عل في المياه الآسنة. فهل يعتبر المسؤولون العرب من النظراء العراقيين الجدد الذين لا يتمسكون بالسلطة ولا هي هدفهم حيث الديموقراطية تسري سريان النار في الهشيم في أسلوب التعامل مع رجال الصحافة. وليس هذا فقط.. فكل مسؤول عراقي يتحدث عن مهماته في مستقبل الوطن كأنه سيظل أبدا، وهو يعلم علم اليقين أن الديموقراطية لن تبقيه عبر صناديق الاقتراع الحرة التي جرت ممارستها رغم التهديد بقطع الرؤوس والتفجيرات الانتحارية. فما بالنا بديموقراطية آتية في حال آمن مريح في غد قريب حين ترتد الروح إلى العراق وتنبض شرياناته بدمائها الحارة من جديد... انتظروا العراق.