مثلما اختفى النّظام البعثي‮ ‬الفاشي‮ ‬في‮ ‬بغداد بين ليلة وضحاها،‮ ‬وذهب ليختبئ في‮ ‬جحر في‮ ‬الأرض،‮ ‬هكذا آن الأوان أن‮ ‬يذهب البعث الشّامي‮ ‬إلى الجحيم،‮ ‬وإذا شاءت الأقدار أن‮ ‬يكون ذلك بعون من العالم الحرّ‮ ‬والدّيمقراطي،‮ ‬فليكن ذلك‮. ‬النّظام العربي‮ ‬بأسره،‮ ‬ممالك وإمارات وسلطنات وجمهوريّات وراثيّة،‮ ‬والنّظام العربي‮ ‬بأسره من مجتمعات وتقاليد ومعتقدات،‮ ‬يجب أن‮ ‬يذهب إلى الجحيم وإلى الأبد‮. ‬لم‮ ‬يعد أحد‮ ‬يطيق هذا الوضع المزري‮. ‬التّغنّي‮ ‬بالشّعارات الزّائفة طوال قرون قد أزهقت أرواح البشر على مللهم ونحلهم وأفقرت البشر في‮ ‬مناطق تُعدّ‮ ‬من أغنى بقاع الأرض‮. ‬لم‮ ‬يعد أحد في‮ ‬هذا العصر‮ ‬يصدّق هذا الدّجل العربي‮. ‬
نحن أمّة على مفترق طرق فإمّا أن ننظر إلى أنفسنا بالمرآة ونرى قبحنا وإمّا فلن تكتب لنا الحياة أبدًا‮. ‬نحنُ‮ ‬أمّة تُقدّس الماضي‮ ‬على موروثه الإجرامي،‮ ‬بل أكثر من ذلك إنّنا نُربّي‮ ‬الأجيال الجديدة في‮ ‬البيت وفي‮ ‬المدرسة،‮ ‬في‮ ‬وسائل الإعلام وفي‮ ‬دور العبادة على هذا الموروث الّذي‮ ‬آن الأوان إلى نفضه وإلى طحنه وإلقائه في‮ ‬سلّة مهملات التّاريخ البشري‮. ‬
نحنُ‮ ‬أمّة عنصريّة وقد ترعرعنا حضاريًّا على كراهية العجم،‮ ‬والعجم هم الأغيار بلغة هذا العصر‮. ‬نحنُ‮ ‬أمّة عنصريّة لأنّنا كُنّا نتغنّى في‮ ‬الصّبا بشعر المتنبّي‮: »‬لا تشترِ‮ ‬العبدَ‮ ‬إلاّ‮ ‬والعصا معه‮ - ‬إنّ‮ ‬العبيد لأنجاسٌ‮ ‬مناكيدُ‮«‬،‮ ‬فعلّمونا في‮ ‬المدرسة أن تهتزّ‮ ‬مشاعرنا فرحًا بهذه العنصريّة الشّعريّة‮. ‬هكذا في‮ ‬المدرسة وهكذا في‮ ‬الشّارع وهكذا في‮ ‬كلّ‮ ‬زاوية من بقاعنا من المحيط إلى الخليج‮. ‬
نحن أمّة عنصريّة لأنّنا ملل ونحل وطوائف وقبائل تربّي‮ ‬أبناءها على الكراهية طوال قرون،‮ ‬بينما ترفع في‮ ‬العلن شعارات الإخاء الزّائفة‮. ‬لم‮ ‬يعد هذا الكلام‮ ‬ينطلي‮ ‬على أحد‮. ‬
نحن أمّة قبيحة تتغنّى بجمالها الزّائف،‮ ‬غير أنّ‮ ‬العالم من حولنا‮ ‬يرى قبحنا على حقيقته‮. ‬آه،‮ ‬ما أقبحنا‮. ‬
أنظروا كيف أنّنا نحن أكثر الأمم حديثًا عن الشّرف والكرامة‮. ‬أليس في‮ ‬هذا خير دليل على انعدام الشّرف والكرامة لدينا‮. ‬إذ لو كنّا حقًّا شرفاء وكرامًا لما احتجنا إلى التّغنّي‮ ‬بكلّ‮ ‬هذه الشّعارات‮. ‬لو كنّا حقًّا شرفاء وكرامًا‮ ‬لأشعنا أنوارهما على من حولنا‮. ‬نحن أمّة ذكوريّة لا شرف لنا من ذواتنا نحن،‮ ‬بل نضع كلّ‮ ‬هذا الشّرف في‮ ‬النّساء‮. ‬إنّ‮ ‬من لا‮ ‬ينبع شرفه من ذاته هو فلن‮ ‬يكون شريفًا أبدًا،‮ ‬مهما تغنّى بهذا الشّرف الزّائف‮. ‬
إنّ‮ ‬ما نشيعه اليوم في‮ ‬العالم من حولنا هو الإرهاب والتخلّف فقط‮. ‬هذه هي‮ ‬صادراتنا العربيّة إلى العالم اليوم‮. ‬ألا تخجل هذه الأمّة بهذا الإرث الّذي‮ ‬نخرته الأرضةُ‮ ‬فتتطاير شررًا‮ ‬يحرق الأخضر واليابس عندنا،‮ ‬وعند جيراننا في‮ ‬هذه البشريّة المنكوبة بنا وبحضارتنا البلهاء‮. ‬
غالبية مثقّفينا ومفكّرينا خانوا شعوبهم بصمتهم على هذا الإرث الإجرامي‮ ‬والّذي‮ ‬ينزف دمًا وتخلُّفًا منذ قرون طويلة‮. ‬ألم‮ ‬يئن الأوان لإجراء جلسة واحدة حقيقيّة لحساب النّفس؟‮ ‬ألم‮ ‬ييأس أحد بعد من هذا الوضع؟‮ ‬
ها أنا أدعو القرّاء اليوم إلى اليأس‮. ‬اليأس هو مفتاح الولوج إلى سواء السّبيل‮. ‬وسواء السّبيل ليس بالمعنى الدّيني‮ ‬الّذي‮ ‬يرفعه الدّجّالون من فقهاء الظّلام‮. ‬سواء السّبيل الّذي‮ ‬أرمي‮ ‬إليه هو إعمال العقل،‮ ‬هذه النّعمة الّتي‮ ‬أغدقتها علينا الطّبيعة‮. ‬العقل‮ ‬يوحّدنا بَشَرًا،‮ ‬وكلّ‮ ‬ما سواه‮ ‬يفرّقنا مللاً‮ ‬ونحلاً‮ ‬هي‮ ‬أقرب إلى الحيواناتِ‮ ‬المفترسة منها إلى البشر‮. ‬فالعقل،‮ ‬والعقل وحده،‮ ‬هو ميزتنا البشريّة،‮ ‬وكلّ‮ ‬ما سواه،‮ ‬من معتقدات دينيّة وتقاليد بائدة،‮ ‬هو ميزتنا الحيوانيّة من عصور التّخلُّف البشري‮ ‬السّحيقة‮. ‬
نحن بحاجة إلى ثورة أتاتوركيّة في‮ ‬العالم العربي‮ ‬تفصل الدّين عن الدّولة وعن المجتمع العامّ‮ ‬بصورة جذريّة‮. ‬نحن بحاجة إلى ثورة أتاتوركيّة تحظر قيام أحزاب دينيّة تفرض أيديولوجيّاتها على المجتمع وعلى الشّارع‮. ‬نحن بحاجة إلى ثورة ذهنيّة تقوم‮ ‬بإرجاع العفريت الدّيني‮ ‬والطّائفي‮ ‬إلى القمقم ودفنه في‮ ‬أسفل سافلين‮. ‬
لا توجد طريق أخرى للخروج من هذه المزبلة الحضاريّة‮. ‬
إذا كان لديكم طريق أخرى،‮ ‬هيّا أرشدونا‮.‬