انه لأمر مثير جدا، ان يبقى التشيع في العراق محتفظا بولائه للتشيع الصفوي الساساني المقيت، الذي سخر مذهب اهل البيت بعد ان شوه معالمه الحضارية لخدمة مصالحة السياسية في مواجهة التسنن السلطاني المقيت ايضا في الدولة العثمانية. فما تعرضه شاشات القنوات الفضائية هذه الايام مثارا للسخرية والتهكم من قبل شعوب العالم اجمع، وهم لا يعلمون ان تلك الممارسات لا تمثل التشيع العلوي بجميع مستوياته، وانما هي تركة التشيع الصفوي التي انتقلت يوما ما الى العراق فتعهدتها الشعوب المضطهدة آنئذ،ٍ وربما وجدت فيها ملاذا للتنفيس عن قمع السلطات الحاكمة. غير ان مبررات التمسك بتلك العادات والتقاليد وهي لا تحمل أي رصيد شرعي مثارا للاستغراب والتعجب سيما بالنسبة لشيعة العراق بالذات، الذين عرف اغلبهم بتوازنه العقدى واعتداله في ممارسة الطقوس والشعائر، رغم وجود شرائح اجتماعية ما زالت تصر على ممارسة الطقوس الحسينية بأسلوبها الصفوي.

ان من السهل تفهم العنف الموجه ضد مساجد وحسينيات الشيعة من قبل قوى الظلام الديني والارهاب السياسي، حتى اوقعت تلك الهجمات العدوانية الشرسة في صفوف العزل والابرياء اكثر من مئة ضحية فقط في موسم عاشوراء لهذا العام، لكن الذي لا نفهمه لحد الان ذلك العنف الموجه ضد الذات؟، ولماذا الاصرار على تقديم صور لا انسانية عن مذهب اهل البيت الكرام؟ أليس بين الشيعة رجل حكيم من العلماء؟ أليس فيهم غيور على الدين والاسلام؟ أليس فيهم من يضع حدا لتلك الممارسات؟ ثم لماذا يفتي العلماء بحرمة تلك الممارسات اللادينية بينما يصر عليها رجال الدين واللاوعين من الناس؟ ولماذا نضع بين يدي المتربصين ما يبرر هجومهم ضد الدين والاسلام ومدرسة آل البيت؟
لاشك ان الشيعة شكلوا تحديا كبيرا لأولئك الذين استبدوا بالحكم اكثر من ثلاثين عاما، ولما اصروا على المساهمة في تقرير مصيرهم بأنفسهم من خلال المشاركة في الانتخابات اصبحوا هدفا ثابتا لأزلام النظام البائد. كما ان استراتيجية قوى الظلام الديني قائمة على تكفير الآخر وارهابه وجواز قتله. فما دام لآخر يختلف معهم مذهبيا وعقيديا، اذا يستباح دمه (رجلا، امرآة، صغيرا، كبيرا، شيخا، شابا، لا فرق في ذلك) بل يجوز قتل رضيعهم وصبيهم فضلا عن حلية اموالهم وممتلكاتهم، انهم مشركون، كفرة!!، وان شهدوا الشهادتين!! وصلوا وصاموا!!. انها مأساة الظلام الديني المقيت الذي ابتلت به الامة الاسلامية جمعا، ولا يمكن استئصال هذه الفئة ما لم يستأصل رجل الدين اللاواعي، الاناني، المصلحي، الغبي الذي يشرعن لهؤلاء ممارساتهم، ويبارك لهم اعمالهم. والغريب رغم العنف ضد العزل والابرياء لكنك لا تسمع صوتا دينيا ينهى او يستنكر تلك الاعمال الشنيعة، وكأن ما يقوم به هؤلاء القتلة يصدر عن تنسيق محكم مع مصادر الفتوى المنتشرة في جميع انحاء العالم. وألا فهل صحيح ان هؤلاء لا يسمعون بتلك الجرائم المروعة؟ او لا يفقهون اهدافها وتداعياتها؟ فهل جوّز الاسلام يوما قتل الابرياء والعزل من الرجال والنساء؟ فكيف يجوز قتل المسلم البريء؟ وبأي دليل تسكت المجامع الفقهية عن تلك الجرائم البشعة؟ وكأنها تتفرج على نصر مؤزر حققه بالنيابة عنهم الزرقاوي واتباعه في ارض العراق. ومن قال انه بعضهم لا يسجد كل يوم شكرا لله لما يقوم به المجرمون نيابة عنهم في قتل شعب اعزل لا ذنب له الا انه والى آل بيت رسول الله (ص)؟ فهل حقا ان ولاء الرسول وآل بيته جريمة نكراء يستحق عليها الانسان القتل والعقاب؟ ان جريمة سكوت رجال الدين اين ما كانوا اكبر من جريمة التفجيرات المروعة التي حصدت المئات لا لسبب لانهم لا يتفقون معهم في بعض مفردات العقيدة غير الاساسية.
اذن ما يقوم به هؤلاء اصبح امرا مكشوفا في اهدافه، ومن السهل جدا معرفة توقيتاته وتحديد اماكنه، لكن الشيء اللامفهوم هو اصرار بعض شرائح المجتمع العراقي على ولائهم للتشيع الصفوي الساساني المقيت، واصرارهم على ممارسات وطقوس مرفوضة دينيا واجتماعيا. ولا شك عندي ان طيفا كبيرا من هؤلاء الناس يتعاملون مع تلك الطقوس والشعائر ببراءة وطيبة وصدق وهم يحسبون ان ما يقومون به ولاء حقيقيا لأل البيت الكرام. كما ان بعضهم لا يتمتع بوعي يمكنه ادراك تداعيات ما يقوم به من اعمال وممارسات، وما ينعكس سلبا على الدين والاسلام، اللذان هما غاية حركة الحسين بن على وهدفه الحقيقي. ولا شك ايضا ان وراء تلك الممارسات رغم تداعياتها الكبيرة، ورغم تحريم العلماء والواعين لها صراحة، ورغم ما كتب عنها، اهدافا سياسية، فالناس الطيبون لا يتحركون الا بامر ديني باعتبار ان الطقوس دينية. فمن يا ترى يبرر لهم تلك الممارسات ويتحدى فتاوى العلماء؟ من الذي يستجيب لللاواعين من الناس البسطاء، ويدفعهم نحو تلك الاعمال؟
ان الناس على سجيتهم وطيبتهم ونواياهم الصالحة، لكن الويل من رجل الدين الذي يستغل مشاعر الناس، وبساطتهم، وطيبتهم، وسذاجتهم، فيضخ لهم الاموال، ويأمرهم بشراء ما يحتاجون من اسلحة ومعدات، ويؤمن لهم الفتوى، ويضمن لهم الجنة والامن يوم الحساب، لممارسة طقوس العنف ضد الذات، وليس امامه سوى مصالحة المقيتة السيئة. وهؤلاء وكأني اعرفهم بسماتهم من المفلسين سياسيا واجتماعيا، لهم مطامعهم الدنيئة في توظيف الحشود الحسينية ليثبت للآخرين شعبيته وعمقه الاجتماعي بعد فشله في ميدان السياسة والعمل الاجتماع وقد اخفق في كسب الناس وتغيير قناعاتهم. انه لا يعلم ان الانتخابات كانت مجسا حقيقيا لشعبية وحضور الافراد والاحزاب والحركات، ولو كان هؤلاء يملكون مشروعا حضاريا يقتنع به الشعب العراقي لكان عدد مقاعدهم في المجلس الوطني قد ارتفع الى ثلاثة مقاعد لا مقعدين يتيمين فقط!!!
وما لم تتحرك الحوزة العلمية في النجف الاشرف، بما فيها المرجعيات الكريمة، وتتحلى بالشجاعة العلوية والشيمة الحسينية وتقف بوجه تلك الممارسات، فسوف يقضي التشيع الصفوي الساساني الفارسي المقيت لا على نقاط القوة في مذهب اهل البيت بل يطفئ نور الرسالة المحمدية والاهداف الالهة، فالله الله بالاسلام، الله الله بالدين الحنيف، الله الله بمذهب اهل البيت، لا يستغله ذوو النوايا السيئة بسبب سكوت العلماء، وتخلف المثقف الرسالي الواعي. وأتمنى لو يطلع العلماء الشرفاء على تلك الطقوس من على شاشات القنوات الفضائية ويتابعوا مشاعر المشاهدين وكتابات المتخرصين ويقيموا مدى الخسارة التي تلحق بالاسلام والدين الحنيف ومذهب اهل البيت من جراء تلك الممارسات اللادينية. أم ان المرجعيات الدينية لا تتحرش عادة برصيد شرعيتها، وان كان ذلك على حساب الدين والاسلام؟ سؤال سوف تجيب عنه الايام، وان كنت اشك في ذلك ما دام لقب آية الله موجودا، وتقبيل اليد محروزا، والمال بحمد الله موفورا، ومستقبل الابناء مضمونا، فليعمل الناس ما يشاءون، وليعتقدوا بما يرضي ولاءهم الصفوي وان كان لا دينيا ولا شرعيا. لكن ارجو ان اكون مخطأ من كل قلبي واتمنى ان يقف العلماء المحدثين بوجه تلك الممارسات كما وقف السيد محسن الامين، ومطهري، والدكتور علي شريعيتي، وعدد كبير من العلماء والمفكرين والمثقفين الاوفياء للدين والمذهب.

[email protected]