-1-

لأول مرة منذ التاسع من نيسان (ابريل)2003 ، يوم سقوط الفردة الأولى لبسطار الديكتاتورية العربية في العراق بانتظار سقوط الفردة الثانية، يعترف سياسي عربي مرموق وزعيم من زعماء المعارضة اللبنانية كوليد جنبلاط أن شمس العراق تسطع الآن في لبنان. وأن ما يتم في لبنان الآن من انتفاضة شعبية سلمية هو بفضل ما حققه وأنجزه الشعب العراقي العظيم في الفترة الماضية بدءاً من التاسع من نيسان 2003 إلى الآن.
ونحن نضيف أن الشعب اللبناني استطاع لأول مرة في تاريخ العرب وبالمقاومة السلمية أن يُسقط حكومة لبنانية كانت مدعومة بأقوى الأجهزة الأمنية في المنطقة، ورغم ذلك سقطت هذه الحكومة رغم كل أوتادها وقوائمها الاستخباراتية ومرتكزاتها الأمنية القمعية، لكي يُثبت الشعب اللبناني لكافة الشعوب العربية أن الشعب إذا ما تحرك خلال المعارضة السلمية المستنيرة والعقلانية المصممة على النصر، ومن خلال الدعم الخارجي الدولي المتمثل بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوق الانسان والرأي العام العالمي وأصوات الأحرار في كل مكان من العالم قادر على اسقاط أعتى الحكومات، وأعتى الأنظمة المدعومة من أقوى الأجهزة الأمنية والاستخبارتية.

-2-

الدرس اللبناني الذي كتبته حناجر المعارضة اللبنانية من الجيل اللبناني الطالع، والمقاومة اللبنانية السلمية الرشيدة، كان أقوى من كل أجهزة القمع والطغيان، وهو أكبر انجاز شعبي ووطني تمَّ منذ الاستقلال اللبناني حتى الآن. وكان الدرس اللبناني كما قال وليد جنبلاط بفضل تلك الشمس التي سطعت في بغداد في ربيع عام 2003 ، وامتد شعاعها الساطع إلى لبنان وهو آخذ في الامتداد إلى بلدان عربية أخرى، ما زالت تقبع في ظلام القرون الوسطى سياسياً وإعلامياً واقتصادياً.

-3-

لقد قال الليبراليون العرب الجدد منذ التاسع من ابريل/نيسان 2003 يوم سقوط الفردة الأولى لبسطار الديكتاتورية العربية، أن العراق هو الأول ولن يكون الأخير. وها هي اليوم تتحقق أول رؤيا من رؤى الليبراليين العرب الجدد في لبنان، حيث أسقط قطار الحرية والديمقراطية الذي مرَّ بالمحطة اللبنانية سريعاً حكومة عمر كرامي المسؤولة عن مقتل رفيق الحريري.
إن الشعب اللبناني بذكائه المعروف، وبتبنيه الراشد والريادي للحداثة السياسية في العالم العربي، حيث يتمتع لبنان بأعلى سقف عربي للحريات، وبأكبرسقف عربي للديمقراطية والشفافية، وهو البلد الوحيد في العالم العربي الذي لدية رؤساء جمهوريات أحياء يرزقون، يعيشون كمواطنين عاديين، بعد أن أتموا فترتهم الرئاسية.. هذا الشعب بذكائه وشطارته و (حربقته) استطاع أن يستنسخ التجربة العراقية ويستغل (الفيلم العراقي) بذكاء شديد، ويستغل المعادلات السياسية الإقليمية الجديدة، والتوجهات السياسية الدولية الجديدة في المنطقة، ويطبقه على لبنان وينجح نجاحاً عظيماً، بدون أساطيل، ولا بارجات، ولا حاملات طائرات، ولا صواريخ كروز، ولا جيوش متحالفة.كان بيد المعارضة اللبنانية ورقة رابحة واحدة فقط، وهي ورقة الشرعية الدولية، وهي قرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن. وبهذه الورقة السلمية الرابحة في "اليانصيب الوطني" سوف يفعل الشعب اللبناني غداً، ما عحزت جيوش جراره على فعله، وسوف ترون.

-4-

إن سقوط حكومة كرامي بفضل المقاومة اللبنانية السلمية، ليس مجرد سقوط حكومة بحد ذاته، أو هزيمة رئيس وزراء، أو فشل تيار سياسي. فما أكثر الحكومات التي استقالت، أو سقطت بطريق غير مباشر في لبنان. وانما سقوط حكومة كرامي هو نصر ثانٍ للشعب العربي بعد النصر العراقي. وهو نصر ثانٍ لمسيرة الديمقراطية والحرية كلها في العالم العربي.
إن سقوط حكومة كرامي درس بليغ وواضح وضوح شمس بغداد الحارقة لكافة الشعوب العربية التي تسعى لنيل حريتها وديمقراطيتها.
إنها دعوة لباقي الشعوب العربية للتحرك نحو بلوغ استحقاقات الحرية والديمقراطية وعلى الطريقة اللبنانية التي ستكون مدرسة العرب غداُ في كيفية التخلص من المواريث الخشبية السياسية التي نخرها السوس، وما زالت تتحكم برقاب العباد بالبطش والقتل.
ويبدو أن اللبنانيين ليسوا سادة العرب في فن السياحة فقط، ولكنهم سادة العرب في فن السياسة أيضاً.

-5-
انتبهوا أيها السادة وراقبوا بدقة ما يفعله الشعبان العراقي واللبناني.
استذكروا دائماً يوم خرج العراقيون في نهاية شهر يناير تحت التهديد بالقتل والخطف والتلغيم والتفخيخ واحتكموا إلى صناديق الاقتراع أمام انبهار العالم كله بشجاعة وتصميم وفداء العراقيين النادر.
واستذكروا دائماً يوم خرج اللبنانيون في نهاية شهر فبراير منذ الفجر تحت التهديد وأمام حراب أجهزة الأمن لكي يحتكموا إلى البرلمان والى الشارع اللبناني الذي أسقط حكومة كرامي، وليس إلى الجيش لكي يقوم بانقلاب على الحكومة ويسقطها.
إنهما درسان بالغا الأهمية وعميقا الأثر.
إنهما مثالان بارزان لمدى تقدم الحداثة السياسية العربية، ولمدى قوة المعارضة والمقاومة السلمية في الاطاحة بأقوى الحكومات المدعومة بأعتى الأجهزة البوليسية.
والدرس اللبناني على وجه الخصوص مُهدى للمقاومة المسلحة اللبنانية والفلسطينية لكي تأخذ العبر والحكمة منها.
إن العالم العربي يعيش اليوم مرحلة سياسية جديدة تختلف كل الاختلاف عن مرحلة الحرب الباردة التي كان فيها الاتحاد السوفياتي يدعم الجمهوريات الديكتاتورية في العالم العربي. فالديكتاتورية في العالم العربي لم يعد لها من يدعمها أو يدافع عنها في المحافل الدولية. وها هي تتهاوى الواحدة بعد الأخرى كأبراج البسكويت تحت ضربات المعارضة العربية، ووقوف العالم كله بكافة مؤسساته إلى جانبها، حيث أدرك العالم بأن الديمقراطية الإنسانية سوف تظل منقوصة، ما دام هناك شعوب ما زالت ترزح حتى الآن تحت سياط الديكتاتورية.


-6-
ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث منذ التاسع من ابريل/نيسان 2003 يوم سقوط الفردة الأولى لبسطار الديكتاتورية العربية، يقوم رئيس الجمهورية بطلب تعديل المادة 76 من الدستور المصري التي كانت كقيد العبيد في رقاب الشعب المصري، لكي تُستبدل بمادة تتيح لمنافسين آخرين للترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية ليس من خلال نواب مجلس الشعب، ولكن من خلال انتخابات شعبية سرية. وهي المادة التي كافح من أجلها الشعب المصري منذ أكثر من نصف قرن ولم يفلح في تحقيقها بسبب غياب الدعم الخارجى لمطالبه في الحرية والديمقراطية، والمتمثل بقوى حقوق الانسان في العالم ومنظماته ومؤسساته الدستورية والشعبية. ولم تعد الديكتاتورية المصرية تستقوي على الشعب المصري كما كانت تستقوي عليه في الماضي بالاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، كانت تدّعي مساندة الشعوب في مطلبها لتحقيق الحرية والديمقراطية، وما كان الاتحاد السوفياتي في الماضي إلا داعماً للديكتاتوريات العربية الجمهورية في مصر والعراق وسوريا والجزائر وفلسطين وجنوب اليمن.

يبدو أن قطار الحرية والديمقراطية بدأ يقترب قليلاً قليلاً من المحطة المصرية، وسوف يُسرع الخطى أكثر فأكثر بعد الذي حصل في العراق ولبنان، ومع وجود معادلات سياسية جديدة في المنطقة بدأ الحكام العقلاء يأخذونها بعين الاعتبار، ويحسبون لها الحساب الجاد. وفي مصر كما في لبنان صدقت رؤى الليبراليين العرب الجدد. وكانت شمس بغداد من شدة السطوع وقوة الحرارة ما استطاع أن يذيب جليد القاهرة الصحراوي الذي كتم على أنفاسها أكثر من نصف قرن مضى. وعلى كل الليبراليين العرب الجدد، أن يقفوا مع الشعب اللبناني والشعب المصري في زحفهما الطويل، كما وقفوا في السنتين الماضيتين إلى جانب الشعب العراقي المنتصر بالديمقراطية.

[email protected]