منذ بداية حياة الإنسان على هذه الأرض ظلت المرأة تحتل المرتبة الثانية بعد الرجل لكون الرجل هو الأقوى جسدياً والقادر على اصطياد الحيوانات وجلب الغذاء لعائلته. ثم اكتشف الإنسان الزراعة وكوّن المجتمعات الزراعية المستقرة التي ظلت تعتمد على قوة الرجل الجسدية أولاً ثم على الثور الذي يجر المحراث. ثم جاء النبي إبراهيم برسالته السماوية وقنن مجتمع الذكورية الأبوي Patriarchal Systemالذي استمر في اليهودية والمسيحية ثم جاء الإسلام ليختم بالختم النهائي على وضع المرأة الثانوي والخاضع للرجل خضوعاً تاماً. ورغم الأصوات التي تصدر عن الإسلامويين لتعلن وتكرر لنا أن الإسلام أعز المرأة، لا نجد في صلب التعاليم الإسلامية غير ازدراء المرأة. فالآيات القرنية العديدة التي تجعل المرأة نصف الرجل، والأحاديث النبوية التي كادت أن تطلب من المرأة أن تسجد لزوجها لا تحتاج إلى تكرار في هذه العجالة. ولكن كمثال بسيط للتعاليم الإسلامية كم فهما السلف الصالح، نقدم مقتطفات بسيطة: فقد قدّم الإمام علي بن أبي طالب هذه النصيحة لابنه الحسن بعد موقعة صفين (( إياك ومشاورة النساء فإن رأيهنَّ إلى أفن، وعزمهنَّ إلى وهنٍ. واكفف عليهنَّ من أبصارهنَّ بحجابك إياهنَّ فإن شدة الحجاب أبقى عليهنَّ، وليس خروجهنَّ بأشد من إدخالك مَنْ لا يوثق به عليهنَّ، وإن استطعت أن لا يعرفنَّ غيرك فافعل. ولا تمّلك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها )) (نهج البلاغة، شرح محمد عبده). ولا بد أن نذكر هنا حديث الرسول عندما بلغه أن الفرس ولوا ابنة كسرى ملكةً عليهم، فقال: (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )).
ولم تكن وصاية الرجل على المرأة محصورةً في الإسلام، فقد شهدت القرون الوسطى تسلط حاخامات اليهود وباباوات وقساوسة المسيحية على المرأة، غير أن هذين الديانتين تطورتا مع تطور الزمن فسمح الحاخامات اليهود للمرأة بأن تكون حاخاماً Rabii وأن تقود الطائرات العسكرية والمدنية وأن تقود الرجال في الجيش الإسرائيلي. وسمحت كل الكنائس ما عدا الكنيسة الكاثوليكية للمرأة أن تكون قسيسةً وتقود المصلين يوم الأحد. ولكن الشيوخ الإسلاميين، وعلى رأسهم الجامع الأزهر، ما زالوا يحفرون خنادقهم وينزلون فيها للدفاع حتى الموت عن مجتمعهم الذكوري. فهاهو الجامع الأزهر الذي ظل نائماً منذ قيام ثورة أيلول عام 1952 قد أفاق فجأة عندما سمع أن الدكتورة الباكستانية أمينة ودود أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة فرجينيا، سوف تقوم بإمامة المصلين في مدينة نيويورك يوم الجمعة الموافق 18 من الشهر الجاري، وأصدر فتوى بأن إمامة المرأة للرجال بدعة لا يوافق عليها الأزهر، فقد أكد الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، أن تحريم إمامة المرأة للرجال أمر مجمع عليه في الإسلام، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة. . وقال إن هذا يأتي في إطار الحملة الشرسة التي تستهدف الإسلام. وأشار إلى أن هناك أموراً كثيرة يجهلها أبناء الأقليات الإسلامية خاصة في الأحكام الشرعية، ولا بد أن يرجعوا فيها إلى مجامع الفقه الإسلامي والمرجعيات المعتمدة في العالم الإسلامي ( الشرق الأوسط 12 مارس 2005). ولم يخبرنا الدكتور نصر من الذي يقود هذه الحملة الشرسة ضد الإسلام إن لم يكن الشيوخ أنفسهم قادتها بتمسكهم بأحكام نقلية أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد تجارى إنسان القرن الحادي والعشرين. والشيعة ليسوا أقل تمسكاً من الأزهر بهذا الطرح، فقد قال السيِّد الخوئي رحمه الله (( ... والصحيح أن المُقلَّد يُعتبر فيه الرجوليِّة، ولا يسوغ تقليد المرأة بوجه، وذلك لأنّا قد استفدنا من مذاق الشارع أن الوظيفة الشرعيّة المرغوبة من النساء إنّما هي التحجّب والتستر، وتصدّي الأمور البيتيِّة، دون التدخّل فيما ينافي تلك الأمور، ومن الظاهر إنّ التصدي للإفتاء ـ بحسب العادة ـ جعل للنفس في معرض الرجوع والسؤال لأنهما مقتضى الرئاسة للمسلمين، ولا يرضى الشارع بجعل المرأة معرضاً لذلك أبداً، كيف ولم يرض بإمامتها للرجال في صلاة الجماعة فما ظنك بكونها قائمة بأمورهم ومديرة لشؤون المجتمع ومتصديّة للزعامة الكبرى للمسلمين، وبهذا الأمر المرتكز القطعي في أذهان المتشرعة يقيَّد الإطلاق، ويردع عن السيرة العقلائيِّة الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم مطلقا رجلاً كان أو امرأة )) ( الاجتهاد والتقليد ص 226 ).
ومما يزيد في نكبة المرأة المسلمة أن هناك نساء مسلمات متعلمات يُفترض فيهن الدفاع عن بنات جنسهن اللاتي تتفشى فيهن الأمية بنسبة 40-60 بالمائة في معظم البلاد الإسلامية. ولكن هؤلاء النساء المتعلمات قد خضعن لعملية غسيل دماغ من قِبل المشايخ ودخلن معهم الخندق. فهاهي الدكتورة سعاد صالح، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، والمعروفة بأنها «مفتية النساء» في مصر، تقول: (( إن قيام المرأة بإمامة الرجال أمر مخالف للإجماع منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن، وأن المرأة لا تصلح لتولي الولاية العامة، وهي الإمامة في الصلاة، وان شروط الذكورة لإمامة الصلاة شرط متفق عليه منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن.)) وأضافت: (( أما إن كانت المرأة تصلي مع النساء فيصح أن تؤمهن، بشرط أن تقف في وسطهن، وكما أن الفقهاء يحرمون أذان المرأة، فمن باب أولى تحريم إمامتها للرجال.)) فحتى إن سمحوا للمرأة بإمامة النساء، يجب عليها أن تعرف مكانها الطبيعي، ولا تتطلع إلى القيادة فتقف أمام النساء كما يقف الرجل أمام الرجال عندما يؤمهم. يجب أن تقف المرأة في وسط الصف حتى لا تتشبه بالرجل ويدور في خلدها أنها يمكن أن تصبح قيادية في يوم من الأيام. وتكرمت الدكتورة سعاد بإسداء هذه النصيحة لنا عندما أعربت عن إيمانها: (( ليس هذا فيه نقض أو تقليل من مكانة المرأة في الإسلام، وإنما هو من باب التكريم والمحافظة على بدنها، حيث أن إمامة المرأة للرجال يشترط أن تقف أمامهم ثم تنحني للركوع وللسجود، وهذا يؤدي لكشف عوراتها.)) وربما نعذر الدكتورة سعاد لو كانت المرأة المصرية المسلمة تذهب إلى الجامع يوم الجمعة لتؤدي الصلاة وهي لابسة فستاناً قصيراً وكعباً عالياً وعلى رأسها طرحة صغيرة. فهذا حتماً سوف يؤدي إلى كشف عورتها عندما تركع. ولكن المرأة التي تُعمّر مساجد الله يوم الجمعة تلبس الزي الإسلامي الذي تغطيه بالعباءة، ويُفترض في الرجال المسلمين الذين يذهبون لأداء صلاة الجمعة أن يكون همهم مرضاة الله والخشوع له وقت الصلاة بدلاً من النظر إلى مؤخرة الإمام، رجلاً كان أو امرأة. والقرآن يخبرنا (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) فأي فحشاء أكثر من التطلع إلى دبر الإمام وهو يقود المصلين ؟ فالرجال الذين يتطلعون إلى دبر السيدة التي تؤمهم في الصلاة لا يحق لهم أن يصلوا خلفها أو حتى أن يدخلوا المسجد.
ولم تقف نكبة المرأة المسلمة عند هذا الحد، فقد تعدتها إلى منظمة العفو الدولية التي عقدت مؤتمراً في البحرين في يناير 2005 لمحاربة ظاهرة التمييز ضد المرأة العربية، ولا يخفى علينا تفشي ظاهرة ضرب المرأة العربية وإخضاعها لشتى صروف العنف والاضطهاد والتمييز. ولكن السيدات: الجوهرة العنقري وثريا عابد شيخ ووفاء طيب ونادية العريفي والدكتورة لبنى الأنصاري اللاتي حضرن المؤتمر كممثلات عن المرأة السعودية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، هددن بالانسحاب من المؤتمر إذا لم يضف المؤتمر في توصياته النهائية جملة: (( بما يتفق مع روح الدين الإسلامي )) واعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً مهماً لدى الدول الخليجية عند تصديقها على الاتفاقيات الدولية التي تصدرها المنظمة. ( الشرق الأوسط 11 يناير 2005). والمعروف أن منظمة العفو الدولية تحتكم في مرجعيتها إلى مواثيق حقوق الإنسان بعيدا عن تدخل أي من الأديان السماوية في هذه القوانين.
وللإنكليز مثل يقول: With friends like these who needs enemies أي إذا كان أصدقاء المرء من هذه الشاكلة، فمن يحتاج إلى أعداء. وحتى تكتمل صورة اضطهاد المرأة المسلمة، فقد أصدر نصر فريد واصل مفتي مصر السابق فتوى خطيرة مفادها: (( إنه لا يجوز للمرأة الترشيح لانتخابات الرئاسة ))، أي أن الدكتورة نوال السعداوي، وغيرها لن يترشحن لانتخابات الرئاسية المصرية. وهذا الفتوى تتماشى مع ما قاله أحد أعضاء مجمع البحوث من: (( أن الدكتورة نوال السعداوي لا يجوز لها مجالسة الرجال، أثناء ترشيحها لانتخابات الرئاسة )) مما يعني انه لا يجوز لها التقدم إلى الانتخابات الرئاسية القادمة". ولله في خلقه شؤون.