المشهد الأول
طبيبة قبطية شابة، 23 سنة، اسمها مريان ميلاد، وقفت أمام والدها في مقر مباحث أمن الدولة في الفيوم في صعيد مصر وهي شاردة وتبدو مخدرة وفي حالة رعب كما قال والدها وأخبرته أنها ستتحو ل إلى الإسلام خوفا على أسرتها ولكي تحافظ على أخوتها، في الوقت ذاته قالت زميلتها تريزا عياد،23 سنة، لأمها أنني أحبكم جداً ولكني لا أستطيع العودة معكم كما جاء فى جريدة وطنى القسم الانجليزى بتاريخ 6 مارس 2005.

المشهد الثاني
الرئيس جورج بوش يصدر قرارا في نفس الأسبوع بترشيح مساعدته لشؤون الأفراد في البيت الأبيض دينا حبيب باول 31 عاماً لموافقة الكونجرس على تعيينها مساعداً لوزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون التعليم والثقافة ونائباً أول لوكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الدبلوماسية العامة كارين هيوز. وبهذا يكون للأقباط سفيرتين في الخارجية الأمريكية هم دينا حبيب ومارسيل وهبة بالإضافة إلى العشرات من النساء والرجال في مناصب مختلفة في وزارة الخارجية الأمريكية.
كنت في لقاء عشاء مع د. سعد الدين ابراهيم حيث قال لي، مجدي أكتب عن دينا باول وما وصلت إليه، وماذا كان سيكون مصيرها لو ظلت كفتاة قبطية متفوقة في مصر ولم تهاجر إلى أمريكا. قلت له يؤسفني يا عزيزي د. سعد أنها لو ظلت بمصر ربما كان نصيبها من الاضطهادأوصلها لتقع تحت ضغوط مشابهة لما تعرضت له طبيبتي الفيوم، فهن من أسر متوسطة مثلها وهن بالتأكيد أذكياء ومتفوقات مثلها بدليل تخرجهن من كلية الطب.
المشهد الأول يعكس حالة التدهور الاخلاقى والتخبط والهوس واستهداف الاخر الدينى الذي ابتلى به المجتمع المصري، والمشهد الثاني يعكس قمة التسامح لفتاة من أصول مصرية يعمل والدها في محل صغير يمتلكه في تكساس، هاجرت من مصر وهي طفلة وتتكلم العربية والإنجليزية والإسبانية بطلاقة، تحصل على أعلى المناصب في أكبر قوة ظهرت على وجه الأرض منذ مجىء أبونا آدم ليعمر هذا الكوكب.
نعود إلى دينا حبيب ونقول إنه بعد 11 سبتمبر أدركت الولايات المتحدة ومعها الغرب، بأن مفجري أحداث 11 سبتمبر وبعدها 11 مارس في مدريد والمئات الأخرى من أعمال العنف والتخريب حول العالم هم نتاج تعليم وثقافة وإعلام ينشر الكراهية والبغض والاستعلاء ويمجد الإرهاب ويفتخر بالانتحاريين ويزغرد للقتلة ويقيم الأفراح والليالي الملاح - كما حدث في الأردن مؤخراً – لشاب قاتل تسبب في قتل وجرح أكثر من350 شخصاً حتى وصلت الامور لقتل ابرياء يصلون على جثمان ميت فى قلب مسجد شيعى فى العراق. هؤلاء القتلى بالالاف فى العراق هم بالدرجة الاولى ضحايا عمل اربعة اجهزة مخابرات لدول اسلامية مجاورة للعراق وياللأسف يطلقون على ذلك جهاداً.
أنشأت الولايات المتحدة إدارة للدبلوماسيية العامة بميزانية كبيرة للاهتمام بالاتصال بالعالم الإسلامي وخاصة العربي منه من أجل التعاون الإيجابي للمساعدة فى تغيير المفاهيم العدوانية في تلك البقعة من العالم إلى قيم التسامح والتعاون وقبول الآخر والانفتاح على الكون عبر الحوار وتعديل مناهج التعليم ورسالة الإعلام.
لطالما صرخ الأقباط ومعهم أصحاب قيم الاستنارة من أشقاءهم المسلمين من خطورة التعليم والإعلام المنحرف، وللأسف كل يوم تزداد مساحة الكراهية والغوغائية والديموجاجية. ومما يؤسف له أن ثقافة الكراهية والبغض تمتلىء بها كتب تشرف عليها الحكومات العربية ومن جامعات ومدارس دينية تمولها الحكومات العربية، وللأسف أيضاً أن ثقافة الكراهية تمتلىء بها وسائل إعلام عربية شبه حكومية، بل إنه في مصر على سبيل المثال أكثر الصحف ابتزالاً وانحطاطا وعدوانا ضد الاقباط هي التى اطلق عليها البعض "الصحف الأمنية" يتلقى اصحابها التعليمات من الاجهزة الامنية ويعبثون بالبلد تحت حماية رجال امن الدولة ، وأن أكبر صحيفة في مصر، والصحيفة شبه الرسمية بها أكثر من عشرين كاتبا دينيا، الكثير منهم ينشر الحقد والكراهية والخرافات.
إذا عدنا إلى مأساة ما تتعرض له الفتيات القبطيات في مصر وما تكرر مع الآلاف منهن في العقود الثلاثة الأخيرة يكاد يكون بدرحة كبيرة متشابه، استهداف وتربص وإغواء وابتزاز من الجناة، ورعب للضحية وتستر على الجانى من قبل الاجهزة الامنية، وفي النهاية يترك الحدث أسرة مكلومة محطمة، وذكرى حزينة تظل الاسرة في حالة حسرة وحزن وألم ودموع وذهول إلى نهاية حياتهم، وتظل الأسئلة حائرة في أذهانهم ماذا جرى وماذا حدث ولماذا كانت البنت مرعوبة بهذا الشكل عندما قابلناها في مقر امن الدولة. لا أبالغ إذا قلت أن كل المكالمات التي تلقيتها هنا في أمريكا من أباء وأمهات مكلومين على بناتهن قالوا لي نفس الكلام. البنت كانت مرعوبة وتبدو مخدرة وشاردة ومذهولة، وقالت لنا أبعدوا عني أتركوني وإلا الأذي سيلحق بكل عائلتنا.
عند غزو العرب لمصر خيروا الاقباط بين الاسلام او الجزية او القتل،وكما يقول بن سعد فى الطبقات الكبرى"وضعوا الجزية على جماجم اهل الذمة"،مما حدا بمفكر اسلامى معروف هو د.احمد صبحى منصور ان يقول "هذا ليس اسلاما بل هو نهب وسلب،لقد سالت دماء مئات الالوف من الابرياء فى كل البلاد التى غزوها ظلما وعدوانا تحت اسم الاسلام والجهاد، وتشتت مئات الالوف من العائلات والاسر فيما بين اواسط اسيا الى ليبيا ونهب العرب كنوز المنطقة بعد المعارك وقسموا بينهم الذرية والنساء ولحق النهب والسلب بالبلاد التى اختار اهلها ايضا الصلح ودفع الجزية كما يقول بن كثير".
حتى انه يمكن تلخيص التاريخ الاسلامى فى ثلاثة كلمات: الخداع والكذب،العدوان والعنف،السلب والنهب.
ما يحدث مع البنات القبطيات يعيد الصفحات المظلمة فى التاريخ الاسلامى، فبعد الايقاع بالضحية بكل الطرق القذرة والغير قانونية والاجرامية يخيروا الضحية بين الاسلام او الفضيحة وتتستر على جرائمهم هذه مباحث امن الدولة،اما اذا كان الضحية شاب قبطى فالخيار محدد الزواج من الفتاة المسلمة بعد الاسلام طبعا والا مواجهة القتل او التعذيب لدى مباحث امن الدولة------- التاريخ لم يتغير هى نفس اساليب البلطجة العربية القديمة من عمرو بن العاص الى اسامة بن لادن والزرقاوى.
فقدنا آلاف البنات لأننا فرطنا في حقنا القانوني الذي قررته اللوائح منذ عهد اسماعيل باشا منذ 142 عاماً، في حقنا في الالتقاء بهؤلاء في مكان محايد والتأكد من انهن ليسوا تحت تهديد وابتزاز. وياللأسف عندما طالبنا وأصررنا على الالتقاء بهؤلاء في مكان محايد، اتضح بشكل كامل بأن هؤلاء مغرر بهن وأنهن تحت ضغوط وابتزاز رهيب تشارك فيه الأجهزة الأمنية وتشجع عليه. لقد فقدنا الالاف لاننا تهاونا فى النضال من اجل بناتنا وابنائنا،فقدنا الالاف لاننا لم نقم بجهد كاف فى الرعاية والتوجيه والتحذير من هذه الاساليب الاجرامية بصوت مرتفع. وللأسف أكثر عندما حصلنا على حقنا في حالتين فقط مؤخراً وهو حق قانوني كما قلت، هاجت الدنيا وماجت وكأننا ارتكبنا معصية، فهم تعودوا على أن تتم العملية بمنتهى السهولة والخداع وضد القانون والعرف واللوائح والقيم الإنسانية.
لقد قصرنا جميعاً في حق شعبنا وقصرنا في حق وطننا لأن الدفاع عن القيم والعدالة والحق هو قمة الوطنية، ولأن الدولة التي تتدهور فيها الأخلاق وحكم القانون والعدالة هي في حكم الدولة الميتة.
كل الطرق والاحتجاجات السلمية مشروعة وقانونية بل وهى واجب انسانى من اجل رفع الظلم وتطبيق العدالة. على الاقباط ان يستمروا فى الاحتجاج والتظاهر ويجربوا وسائل اخرى مثل الاضراب عن الطعام امام المنظمات الدولية او امام القصر الجمهورى او امام مجلس الشعب والعصيان المدنى والشكوى لمنظمات حقوق الانسان الدولية والمحاكم الدولية وخلاف ذلك من الاليات المحلية والدولية.
وفى النهاية هل يمكن ان نسمى هذا الجهازالذى يتواطئ ويتستر ويشارك فى الجرائم التى تقع على بناتنا بجهاز مباحث امن الدولة؟
الاجابة بالقطع لا. انها مباحث امن الاسلام وامن النظام،الاسلام الوهابى الاخوانى المتعصب المحارب العدوانى بالطبع وليس الاسلام الذى يدين به الملايين من الناس المسالمين البسطاء الذين يؤمنون بعدالة الله وبانه لا اكراه فى الدين ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

وفي الفم ماء كثير

[email protected]