يمنحني وردة حمراء من بستانه الإلكتروني الواسع كلما قفزت إلى نافذته، يصغي إلى ثرثرتي بعناية فائقة، ثم يختزل إجابته في مفردات مقتضبة من فرط كثافتها وفعاليتها أشعرأنه ينحتها قبل أن يغرسها أمامي...
تعرفت على الأستاذ محمود عطاالله "رحمه الله" أثناء أول محاضرة أدرسها في برنامج الدكتوراة قبل 8 شهور تقريباً، لايمكن أن أصف الارتعاشة التي حاصرتني بأنيابها عندما اطلعت على رسالته الأولى في بريدي، وجدتني أنغمس في تفاصيلها منصرفا عن أجواء الفصل، تابعتُ إنحناءتي تجاهه وتجاهها حتى فرغت من رد يتناسب والهيبة التي زرعها الزملاء في "إيلاف" حوله في أحشائي...
منذ ذلك اللحين ونائب رئيس تحرير "إيلاف" يطل يوميا عليّ من خلال توجيهاته، اهتمامه، ومتابعاته، أذكر جيداً كيف كان ينتقد تغطيتي اليومية للانتخابات الأميركية ويمتدحها بصمت يظهر على الحروف القصيرة التي يرد من خلالها على أسئلتي المزدحمة التي أرصها كلما التقينا إلكترونياً...
وفر لي ولزملائي مناخا صحياً للركض الصحافي، كنت أحبُ طريقته في التكليف والتوجيه، كان يرسل لي روابط لأخبار أو متابعات فاتتني مواكبتها على الصعيد الأميركي المكلف بتغطيته على نحو يشعرني انه هو المقصر وليس أنا، يحسسني انه هو المخطئ لأنه لم يخبرني بالحدث مسبقاً حتى أقوم بالغوص في أعماقه رغم أن الذنب يغمرني كاملاً....
كان يعاتبني باسم الناشر الأستاذ عثمان العمير، ويهنئني باسم الناشر أيضاً، كان محترفاً....
في أحايين كثيرة، كنت أود أن يهطل رأسه من الشاشة حتى أقبل وجنتيه ثم أعيده إليه، كان يصنع أعراساً في أرواحنا دون أن نخبره، كان يسعدنا دون أن نشكره....
لم أره قط قبل أن تستعرض "إيلاف" صورته، لم يختلف كثيراً عن الصورة التي رسمتها له في خيالي، رجل يعج بالبياض من رأسه حتى أخمص قدميه، يكدس الطيبة والحرفية في أنحاء وجهه وفي عينيه التي تخفي اتساعها الكامل نظارة كالتي يرتديها والدي...
غداً لن تقفز رسالة تقول: " محمود عطاالله قام بتسجيل دخول الآن"!
إذاً سيكون الغد قاسيا، سيعلن يديه المتوحشتين التي ستطاردنا الواحد تلو الآخر حتى تقبض علينا أجمعين...
رحمك الله يا أبا كريم وإلى جنات الخلد بإذن الله تعالى.

[email protected]