القهر الجنسى له صور متعددة ولكن من أكثر صوره بشاعة هو مانفعله بمن يريد تحويل جنسه وخاصة إذا طلب رجل أن يتحول لإمرأة فلأنه يريد أن يتحول من الأرقى إلى الأدنى وهى الرتب التى منحها له المجتمع فإن نفس المجتمع يرفض وبشدة أن ينقص مجتمع الرجال الفحول فرداً وأن يزيد مجتمع النسوة المائعات المائصات واحدة، وقبل أن نبدأ لابد من البحث فى شريط الذكريات الذى يحمل مشهدين المسافة بينهما هى المسافة بين التقدم والتخلف ورؤية تفاصيلهما عن قرب، وبشئ بسيط من التحليل تفضح كم أصبحنا نعانى من ردة وتقهقر وتكشف عن أننا فضلنا طريق الجهل السهل بعد أن زرعنا طريق العلم بالألغام وفرشناه بالنابالم.
المشهد الأول فى مستشفى قصر العينى وتحديداً فى قسم جراحة التجميل، وفى أثناء السكشن عرض الأستاذ على الطلبة حالة لمريضة أجريت لها عملية تحويل من ذكر إلى أنثى منذ أسبوع أى أنه كان رجلاً منذ أسبوع فقط وتحول حالياً إلى إمرأة، والمسألة لم تكن فى تاء التأنيث التى أضيفت إليه، ولكن فى الخطوات والإجراءات التى أحاطت بهذه العملية، كان الجراح فخوراً وكانت المريضة سعيدة، وكان الطلبة فى حالة إندهاش ولكنها بالقطع لم تكن حالة إدانة، وقد عرفنا بعد ذلك حين إستضافتها أمانى ناشد فى برنامج كاميرا 9 أنها إبنة مستشار بمجلس الدولة.
المشهد الثانى حدث هذا العام حين شاهدت صديقى جراح التجميل يجلس مكتئباً، وعندما سألته عن سر إكتئابه أخبرنى بأن المريض الذى لجأ إليه لكى يجرى له عملية التحويل إلى أنثى منذ أكثر من عام قد إنتحر بقطع عضوه التناسلى وظل ينزف حتى فارق الحياة، وذلك لأن صديقى الجراح لايستطيع أن يغامر بمستقبله المهنى ويجرى له العملية لأنه إذا فعل ذلك سيعرض نفسه للمساءلة وسيتم فصله من نقابة الأطباء وإغلاق عيادته، فالنقابة لاتعترف بهذه العملية، والتيار الإسلامى الذى سيطر عليها دس أنفه حتى فى هذه العمليات بدعوى الحفاظ على القيم والفضيلة والشرف فأسرع بتكوين لجنة مهمتها التفتيش على الكفرة المارقين من جراحى التجميل وكأنها تتعامل مع حلاقين صحة ولاتتعامل مع أساتذة لهم قدرهم العلمى ووزنهم الأكاديمى، بالرغم من أنها تجرى فى السعودية قدوتهم المفضلة بشكل طبيعى !!
ولكى نقدر ونفهم طبيعة المشكلة لابد أن نفهم أولاً طبيعة هذا المرض والذى يسمى "الترانسكس".
والترانسكس مرض من أمراض إضطرابات الهوية التى تصيب الرجال والسيدات على السواء ولكن السائد والمقلق فى نفس الوقت هو التحول إلى انثى لدرجة أننا من الممكن أن نعتبر التحول إلى رجل كأنه غير موجود، ويلخص هذه الحالة قول المريض "أحس بأننى فى فخ ..أشعر أن جسمى خطأ..كل الناس تعاملنى على أننى رجل مع أنى حاسس إنى إمرأة. صحيح عندى قضيب وخصيتان وصوتى خشن وصدرى فيه شعر إلا أننى لست رجلاً ...طول عمرى حاسس بإنى مستريح مع مجتمع الستات وباحسدهن على أنهن ستات"...ويظل يقسم باغلظ الأيمان بأنه ليس رجلاً ويهدد الطبيب فى جملة حاسمة "لو ماعملتليش العملية حاروح أعملها عند حد تانى انا حابقى ست يعنى حابقى ست".....
ويظل المريض مصمماً على إجراء عملية التحويل، وحين يرفض الجميع تحويله ينتهى به الأمر إلى أحد طريقين لاثالث لهما، الطريق الأول هو التحول إلى العنف والبلطجة والشذوذ، أما الثانى فهو الإنتحار بالتخلص من رمز ذكورته الذى يخنقه.
والهوية GENDER شئ والجنسSEX شئ آخر، الهوية مكانها الإحساس والمخ، أما الجنس فمكانه شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية، الهوية رجل وإمرأة، أما الجنس فهو ذكر وأنثى، الهوية سلوك وتصرفات ورضا وقبول بكون الإنسان رجلاً أو إمرأة ، أما الجنس فهو صفات تشريحية وأعضاء تناسلية وخلايا وأنسجة وهورمونات.

وتحديد نوع الجنس يمر بأربعة مراحل :
1. المرحلة الأولى هى مرحلة الGENETIC SEX وهى تتحدد عند تخصيب البويضة وهل الذى خصبها حيوان منوى يحمل جين Xأم Y فإذا كانX فالمولود أنثى وإذا كان Y فالمولود ذكر.
2. المرحلة الثانية هى مرحلة الGONADAL SEX والتى تبدأ بعد الإسبوع السادس لأنه قبل هذا الإسبوع لايحدث أى تمايز للأعضاء التناسلية التى تتحدد بعد ذلك إلى مبيضين أوخصيتين
3. ونأتى بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة وهى المرحلة الظاهرية الPHENOTYPIC SEX والتى تنقسم فيها الأعضاء التناسلية وتتمايز وتظهر الأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية تحت تأثير الهورمونات، فمثلاً فى الذكر يكون تأثير التستوستيرون هو المسبب لظهور الحويصلات المنوية والبروستاتا ....الخ
4. ثم نصل إلى محور حديثنا وبؤرة قضيتنا التى نعرض لها وهى الهوية والتى تتحدد بمرحلة الجنس المخى أو الBRAIN SEX والذى تتحكم فيه عوامل هورمونية ونفسية وأيضاً تدخل فيها عوامل التنشئة والتربية والتركيبة السيكولوجية لهذا الفرد والتى تحدد له فيما بعد هل هو رجل أم إمرأة ؟ ..هل نحن أمام حالة نفسية أم عضوية، وهذه نقطة طبية غاية فى الأهمية لأننا فى معظم الأحيان نخلط مابين الترانسكس و"الإنترسكس"وهو مرض عضوى ينشأ عن عدم المقدرة على تحديد جنس المولود بعد ولادته وذلك لوجود عيوب خلقية فى أعضائه التناسلية الخارجية فتتم تنشئته بصورة مغايرة لحقيقته العضوية، مما يؤدى إلى مشاكل صحية ونفسية وإجتماعية فيما بعد، وهذا النوع يمكن تجنبه بسهولة عن طريق إستخدام تحليل المورثات الجينية CHROMOSOMES بعد الولادة مباشرة.
وبعد التفرقة مابين مرض الترانسكس والإنترسكس لابد لنا من أن نفرق مابينه ومابين ال TRANSVEST والخلط الحادث بين الإثنين ناتج عن محاولة لإرتداء الملابس الأنثوية فى الإثنين، ولكن هناك فرقاً كبيراً بين الإثنين فالأول يرتديها لتأكيد الهوية أما الثانى فيرتديها لأنها الطريق الوحيد لديه للإثارة الجنسية والوصول إلى الأورجازم.
وبعد هذه التفرقة تفرض علامة إستفهام أخرى نفسها وهى هل عندما يلجأ أى رجل إلى جراح التجميل ويطلب تحويله إلى إمرأة هل لابد أن يوافق الطبيب على الفور ويدفع به إلى غرفة العمليات وكأنها عملية زائدة دودية؟ ! الحقيقة والواقع يؤكدان عكس ذلك، وللأسف هذا ما لا تفهمه النقابة، فالجمعية النفسية الأمريكية قد وضعت شروطاً لإجراء هذه العمليات ولتشخيص هذه الحالة وهذه الشروط هى :

أولاً: لابد أن يظل هذا الإحساس بعدم الإرتياح والإقتناع بالهوية لمدة لاتقل عن سنتين.
ثانياً: لابد أن تمتد الرغبة فى تغيير الجنس لمدة لاتقل عن سنتين.
ثالثاً: ألا يكون المريض واقعاً تحت تأثير مرض نفسى كالشيزوفرينيا أو عيب وراثى.
عند توافر هذه الشروط وعند التأكد من هذا القلق والإضطراب الذى يصدع الهوية يجب على أسرة المريض اللجوء للعلاج النفسى لتأهيله نفسياً وإجتماعياً قبل إجراء أى عملية، إذن الأمر ليس لهواً جراحياً أو دجلاً طبياً، القضية علمية بحتة، والمشكلة نفسية تحتاج إلى الفهم بدلاً من التجاهل، والتعاطف بدلاً من التعامى، فهذا حق لهذا البنى آدم الذى يريد أن يحسم هويته ويحاول أن يوازن مابين مخه الذى يخبره بأنه أنثى ومابين جسده الذى يصدمه بأنه ذكر .
الغريب والعجيب أننا كنا رواداً فى مجال هذه الجراحات فأبو جراحة التجميل المصرى د.جمال البحيرى له عمليات تدرس بإسمه فى مجال عمليات التحويل والتى كان يجريها هو وتلامذته فى الستينات والسبعينات حتى أن الأوربيين كانوا يلجأون إليه لإجراء هذه العملية قبل أن يهجر جراحة التجميل التى أصبحت فى نظر الكثيرين رجساً من عمل الشيطان وتغييراً فى خلقة الله، وكانت أكبر اللطمات التى وجهت لهذه العملية الجراحية قد حدثت بعد قضية "سيد عبد الله" الطالب بكلية طب الأزهر والذى أصبح سالى بعد الجراحة التحويلية والتى أجريت له سنة 1986، والمدهش أن الضجة قد أثارها بعض الأطباء الذين تعلموا أن الطب مجرد مصطلحات لاتينية وليس سلوكيات إنسانية وأن المريض ماهو إلا بعض أعضاء متناثرة من كبد وطحال وفشة ...الخ وليس إنساناً متكاملاً يعامل كبنى آدم له علينا حق الفهم وعلينا أن نعامله كأطباء وليس كميكانيكية تصليح أجساد !! والأكثر إدهاشاً أن الذى أنقذ سالى هو وكيل نيابة وليس طبيباً وهو أيسر أحمد فؤاد والذى تعامل مع الأمر بكل تفتح وموضوعية وعقلانية ولكن كل هذا لم يمنع النقابة من التنكيل بالدكتور عشم الله الذى أجرى له الجراحة.
إن أهمية الموضوع ليست فى تفاصيل المرض أو خطوات العملية، وخطورة المسألة ليست فى دور الهورمونات أو الجينات، ولكن الأهمية والخطورة تنبع من أننا نحرم إنساناً من أبسط حقوقه وهى أن يكون نفسه.