العراقي علي خضر واحد من 15 يصنعون الثقافة في بلجيكا

حاوره كريم عبد : أواسط السبعينات وفي ( مقهى البرلمان ) ببغداد كنتُ أصادف علي خضر طالب معهد الفنون الجميلة لماماً، ثم شتتنا ( حملة التبعيث ) المكارثية نهاية السبعينات بعد إنتفاخ أوداج السلطة بالبترودولار. وبعد أكثر من عقد من السنين وفي ( مقهى الروضة ) بدمشق صادفته مرة أخرى، لنلتقي لاحقاً في العاصمة البلجيكية بروكسل وهو مدير للمركز الثقافي العربي فيها حيث حوله إلى معهد لصناعة الثقافة وإنتاج الفنون، حتى أصبح الكاتب والفنان العراقي علي خضر ووفقاً لتقديرات الجهات البلجيكية المعنية، واحداً من 15 شخصية يصنعون الثقافة في هذا البلد الأوربي. مواضيع هذه المقابلة هي حصيلة أحاديثنا خلال لقائنا الأخير في جنوب فرنسا:

* ما هي ملابسات مغادرتك العراق؟!
- حدث ذلك في صباح احد شهور الصيف في عام 1978 أي في بداية حملة التبعيث ضد الفنانين والمثقفين الديمقراطيين، وقتها كنت في الخدمة العسكرية الإجبارية اعد نفسي للذهاب إلى المعسكر عندما وصلت الأخبار إلى شقيقي ( وهو ضابط بدرجة نقيب او رائد لا أتذكر بالضبط ) بان مخابرات النظام في طريقها لاعتقالي بسبب علاقاتي بالوسط الديمقراطي، أخبرني أخي بذلك فقمت بنفس اللحظة بالاتصال ببعض المعارف لتنظيم مسألة توقيع تسريحي من الجيش بتزويره في دفتر الخدمة، بعدها في نفس اليوم قادني أخي إلى دائرة الجوازات حيث اتصل بأحد العاملين في هذه الدائرة واتفق معه على تجديد جوازي. حصلت على الجواز وغادرت الوطن في اليوم التالي عن طريق كردستان العراق ثم تركيا. من المفارقات في هذا الموضوع هو اني عندما وصلت الى اسطنبول كانت الحرب الأهلية على أشدها هناك.

* هل تستطيع أن تقارن بين أيام مغادرتك العراق وبين أيام عودتك إلى بغداد صيف العام الماضي وبعد ربع قرن من الغربة.
- أنت تسميها الغربة أما أنا فاسميها المنفى لأني غادرت العراق مكرها. عندما غادرت العراق كان عمري 26 سنة وعندما عدت إليه لأول مرة في شهر أيار 2003 كان عمري 52 سنة. وهذه الـ 26 سنة من المنفى لم تذهب هدرا، لقد قضيتها في الدراسة والعمل وبالطبع النضال المستمر ضد الفاشية في العراق وكذلك ضد الفاشية في بلجيكا. ان أمل العودة إلى الوطن لم يفارقني في أي لحظة من عمري الاوربي. لذلك فقد عشت تجربة كبيرة عمقت كثيرا من رؤيتي للحياة وللإحداث. ان نظرتي الحالية لتلك الفترة البعيدة نسبيا مبنية على حلم العودة وعلى تجربة الحرية والديمقراطية والعمل بكل العزة والكرامة التي عشتها في أوربا وبالأخص في بلجيكا. ان عراق السبعينيات كان جحيما لا يطاق، عسكرة الحياة والناس كانت هي السياسة السائدة، كل شئ كان تحت المراقبة، الشارع ملئ بالانضباط العسكري والمقاهي مليئة برجال المخابرات، اما معهد الفنون الجميلة الذي كنت ادرس فيه ففي كثير من الأحيان كانت المدرعات العسكرية وسيارات المخابرات تقف أمام أبوابه لتخويف الطلبة واعتقال من يشكون بكونه معارضا للسلطة. اما الممنوعات في الحياة العامة فلا يمكن عدها لكثرتها، اذكر منها الصحف والمجلات الأجنبية التي كنا نحتاج للاطلاع عليها لمعرفة ما يحدث ثقافيا في العالم كانت ممنوعة، تصوير الأعمال الفنية في ساحات بغداد كان ممنوعا، الحب كان ممنوعا، كنا نعيش نحن الشباب في حالة اختناق من الصعب وصفها.
على اثر سقوط الدكتاتورية في نيسان 2003 أشرقت شمس الحرية على الناس، إذ اختفت بعض الوجوه البعثيه التي تثير الاشمئزاز، والغيت ممنوعات السلطة الفاشية. لكن البؤس الاقتصادي والخراب النفسي والتخلف في العلاقات الاجتماعية ما زالت كما تركتهم. يضاف إلى ذلك الفوضى على كل المستويات وفقدان السلطة الشرعية المنتخبة والمدعومة من قبل الشعب. وهذا يعني ان الحالة الاجتماعية لم تتغير بالرغم من تغير الوضع السياسي. أما الآن ومن خلال ما أقرأه في الصحافة فأن الوضع أصبح مخيفا أكثر بسبب عودة البعثيين إلى السلطة والإجراءات الهادفة الى منع المنفيين من العودة إلى الوطن.

* ما هي أسباب الأزمة التي تجعل العراق بلداً قلقاً وشعبه تراجيدياً إلى هذا الحد؟!
- عندما نبحث بشكل علمي نجد ان الأسباب الرئيسية للازمات ( عدا بعض الاستثناءات ) متشابهه في جميع أنحاء العالم، والعراق القلق لا يختلف عن دول قلقة كانت لها حضارات عظيمة مثل مصر واليونان. ولحد الآن، فالذي يزور جزر الجنوب اليوناني الفقيرة ويلتقي بسكانها فانه سيجد الاحاسيس التراجيدية بالضبط كما هي موجودة في الريف العربي في جنوب العراق وفي معظم المناطق الفقيرة.
المشكلة في العراق ليس في أسباب ألازمه بل في مدتها التاريخية. فمنذ سقوط بغداد بيد هولاكو في سنة 1258 ولحد الآن لم تتوقف المذابح وحملات القمع الدموية، ان الحس التراجيدي هو نتيجة لثمانية قرون من الاحتلال والقمع ومسخ الشخصية. ان المجتمع العراقي الحالي مجتمع ضائع، تعب، متفكك وغير متماسك. ضياعه يأتي من عدم ثقته بالمستقبل، أما تعبه فيأتي من ممارسات القمع عليه وفي داخله وعلى كل المستويات، من السلطات الكبيرة ( مثل الحكومة، الجيش والشرطة ) إلى السلطات الصغيرة العائلية. ان من الخطأ التحدث عن تماسك الشعب العراقي، لأن هذا التماسك جاء في الماضي عن طريق استعمال القوة والقمع لإجبار الآخر على قبول سلطة القوي والاندماج بها. لهذا فالفرصة لم تتح لهذا المجتمع لان يخلق قوانين لتقاليد تعاون جذرية تحقق اندماج القوميات والطوائف المختلفة، وهذا يعني انه تماسك وهمي. ان الاتحاد ما بين القوميات والطوائف يجب أن يكون طوعياً ومن خلال الاقتناع بالعمل سوية من اجل المصالح المشتركة. فعدم تطبيق الديمقراطية أدى إلى تفكك الشعب العراقي. أن الاتحاد الطوعي من خلال تطبيق النظام الفيدرالي والديمقراطي هي فرصة ثمينة لعملية اندماج الشعب العراقي وللوقوف ضد التقسيم. وأنا أقدر كثيرا موقف الحركة الكردية باختيار الوحدة مع العرب وباقي الأقليات على أساس النظام الفيدرالي الديمقراطي.

* أنت متخصص بالموسيقى ولديك مؤلفات موسيقية تعتمد على الكلاسيكيات العراقية، وأيضاً تعد بحثاً طويلاً بهذا الصدد. أين تكمن أهمية الموسيقى العراقية؟! وهل هناك آفاق عملية لتطورها ، وكيف؟!
- أود أن اقسم هذا السؤال إلى قسمين، أولا حول تجربتي الموسيقية وثانيا حول وضع الموسيقى العراقية. قبل أي شئ من الضروري أن أوضح باني قد درست الموسيقى في البداية في معهد الفنون الجميلة في بغداد وبعدها في جامعة بروكسل ببلجيكا في قسم تاريخ الفن والآثار فرع علوم الموسيقى. أثناء دراستي زرت معظم المتاحف الاوربيه الكبيرة وتعرفت على التراث الفني التشكيلي العالمي وزرت العديد من المسارح ودور الأوبرا واكتشفت من خلالها طرق عمل الفرق السيمفونية العالمية. فكون هذا صورة واضحة عندي عن العلاقة والتطور المشترك ما بين الموسيقى والفن التشكيلي. لكن تخصصي الفعلي لم يأت فقط من الدراسة بل أيضا من أكثر من عشرين سنة عمل مليئة بالتجارب في هذا المجال. لقد تابعت النشاط الموسيقي العالمي أثناء وبعد الدراسة فشاهدت مئات العروض الموسيقية والاوبرالية والباليه وكذلك عروض فرق موسيقى الشعوب وتعرفت على عشرات المؤلفين والموسيقيين ومغني الأوبرا. وعندما تم تعييني كمدير للمركز الثقافي العربي في 1988 بدأت أشارك فعليا في النقاش الثقافي والفني الدائر في بلجيكا. هذا الجو دفعني إلى المساهمة العملية في النشاط الثقافي من خلال تقديم أعمال ذات توجه عالمي. لقد كتبت مجموعة قليلة من المؤلفات التي تستند على طريقة الكتابة الهارمونية، ثم توجهت بعد ذلك إلى أسلوب المزج بين الموسيقى العربية وبالأخص العراقية بالمؤلفات الغربية مستندا على أسلوب التوازن التونالي. فاشتغلت على مؤلفات موزارت وفيفالدي وباخ. وبما ان الموسيقى العربية تعتمد في كثير من الأحيان على الارتجال فقد اعتمدت على الموسيقيين العرب الذين عملوا معي لإكمال هذه الأعمال. ومنذ عدة سنوات تُـقدم هذه الأعمال في مهرجانات الموسيقى الكلاسيكية البلجيكية وتلاقي نجاحا ملحوظاً عند الجمهور. أما حاليا فاني اعمل على إحدى مؤلفات جايكوفسكي ومزجها بالموسيقى العراقية من اجل تقديمها في مهرجان الموسيقى الكلاسيكية في 2005 والمخصص لجايكوفسكي.
فيما يخص الشطر الثاني من السؤال فقد انتهيت من كتابة الجزء الاول من البحث بالفرنسية وسينشر قريبا عن احدى دور النشر البلجيكية. اما بالنسبة لقضية التراث فأقول بان تراثنا الموسيقى غني جدا لكنه تراث محلي وهذه مسألة لا تخفى عن أي شخص. ان موضوع تطوير الموسيقى العراقية معقد لأنه مرتبط بعوامل عديدة منها اجتماعية وتربوية ومنها فكرية وسياسية. المشكلة تكمن أيضا في فهم مصطلح التطور وعمليته الفنية. ان المحافظة على التراث مسألة جيدة، لكن تقديس التراث إلى مستوى منع تجربة التجديد الفني فهذه مسالة خطرة على المسيرة الثقافية، لان هذا المنع لا يعني فقط إغلاق باب الخروج من التراث القديم بل ايضا منع العملية الإبداعية لخلق تراث جديد وبكلمة أخرى فأن المنع يعني انغلاق المجتمع على نفسه واستمراره بالعيش في الماضي. أما بالنسبة لآفاق التطور الموسيقي بعد سقوط الدكتاتورية فالفرصة الحالية ليست مثالية لكن بالامكان استغلال بعض جوانبها لخلق أسس بناء جديدة تتطور مع تحسن الوضع السياسي والاقتصادي والتربوي والثقافي العام. ومن أولى خطوات عملية البناء هو اختيار الكادر الإداري والفني الكفوء والتخطيط على المستوى المتوسط والبعيد والانفتاح الثقافي على العالم.

* هل بامكانك أن تحدثنا قليلا عن تاريخ ودور المركز الثقافي العربي في بلجيكا وعن طبيعة عملك فيه وكذلك حول إمكانية التعاون مع المؤسسات الثقافية والفنانين والأدباء في العراق؟
- تأسس المركز الثقافي العربي في سنة 1988 وتم اختياري كمدير له منذ البداية. هيئته الإدارية مشكلة من مجموعة من كبار المفكرين والكتاب البلجيك مع وزيرين وسيناتور بالإضافة إلى ثلاثة فنانين ومثقفين عرب. وزارة الثقافة البلجيكية الفرانكفونية تبنت المشروع ماديا من بدايته وبدون أي شروط. ومن الضروري ان أوضح بأننا لا نتعاون مع السفارات والحكومات العربية لأننا قررنا منذ التأسيس ان نحتفظ باستقلاليتنا وحريتنا برسم برامجنا. أما دوري بالمركز فهو بنفس الوقت فني واداري، فانا اقوم بتنظيم البرنامج الثقافي السنوي ورسم السياسة وتقديمهما للاجتماع السنوي للهيئة الإدارية. كما اني المسئول على كل العمل الإداري. اما دور المركز في بلجيكا فانه مهم الى ابعد الحدود لانه اكبر مؤسسة ثقافية عربية في القسم الفرانكفوني البلجيكي، وغالبا ما يتصل بنا نواب البرلمان البلجيكي أو الأوربي وكذلك الأحزاب السياسية من اجل التعاون معنا او لطلب مساعدتنا فيما يخص القضايا العربية. ويعمل في مؤسستنا 14 شخصا بينهم إداريين وفنانين. أما توجهاتنا الثقافية فهي أوربية لكون بروكسيل عاصمة الاتحاد الأوربي. وبالطبع فان هذا التوجه يتطلب ان يكون مستوى النشاطات وتنظيمها بالمستوى الأوربي. لهذا فنحن نعتمد كثيرا على الفنانين والمثقفين العرب من أصحاب التجربة الأوربية. ويدور عمل المركز حول ثلاثة محاور وهي النشر، الإنتاج والإبداع.
ينظم المركز كل سنة عشرات الحفلات الموسيقية والمعارض التشكيلية والندوات الثقافية والعروض المسرحية بالإضافة لدورات تعليم اللغة والخط والموسيقى العربية للأوربيين. ويشارك بمعظم المهرجانات الفنية العالمية البلجيكية ويقوم أيضا بالترجمة والنشر وطبع الأقراص الموسيقية. ولدينا فرقنا الموسيقية والمسرحية وكذلك المختصة بالرقص العربي.
لقد أدت نشاطاتنا الثقافية إلى كسب عشرات الآلاف من الأوربيين إلى الثقافة العربية حيث أصبح عدد كبير منهم أصدقاء حقيقيين للعرب. ولن أبالغ أبدا بالقول بان عدد الأوربيين الذين نكسبهم إلى ثقافتنا يوميا من خلال عملنا الثقافي هو أكثر مما تقدمه كل السفارات العربية مجتمعة.
لقد دعونا مئات من الفنانين والأدباء العرب إلى بروكسيل أستطيع ان اذكر بعض الاسماء الشهيرة مثل نزار قباني، مظفر النواب، منير بشير، الطاهر وطار، الطيب صالح، عبد الرحمن منيف، لميعة عباس عمارة، فرقة عشتار الفلسطينية وغيرهم، مع المعذرة لعدم ذكر الآخرين.
بالنسبة للعراق، لقد دعونا خلال الستة عشر سنة الماضية عدداً كبيراً من الفنانين والمثقفين العراقيين المنفيين والمكافحين ضد الدكتاتورية والفاشية ومن جميع القوميات لتقديم انتاجاتهم الفنية في بلجيكا. واستمرارا لهذه السياسة فقد أعددنا حاليا مجموعة من مشاريع التعاون الثقافي الموجهة إلى المؤسسات والجمعيات الثقافية وإلى الفنانين في داخل العراق. وستُنشر مشاريع التعاون هذه خلال الأسابيع القادمة في المواقع الالكترونية والصحافة العراقية. وانتهز هذه الفرصة لأوجه الدعوة إلى كل الموسيقيين العراقيين في الداخل من عازفي الآلات الشرقية والعراقية فقط مثل القانون، السنطور، الجوزه، الناي والعود للاتصال أو بالكتابة لنا لكي نتعرف عليهم وندرس مسألة التعاون معهم ودعوتهم إلى بروكسيل. كما أوجه الدعوة إلى خريجي اللغة الفرنسية في جامعات العراق (خلال السنتين او الثلاث سنوات الماضية) للاتصال بنا من اجل دراسة تنظيم دورات مجانية لهم في بلجيكا لتقوية لغتهم الفرنسية وتعرفهم على الثقافة الفرانكفونية.

* لقد دخلت عالم المسرح مؤلفاً ومخرجاً، متى بدأ ذلك؟! وكيف ترى العلاقة بين الموسيقى والمسرح وكيف تجسدت هذه العلاقة في أعمالك المسرحية؟!
- ان من يعرف طبيعة الدراسة في معهد الفنون الجميلة وطريقة تنظيمه في نهاية الستينات وبداية السبعينيات سيجد بأن الاختلاط وروح التعاون والتضامن وحب الاكتشاف والتعلم أو على الأقل الإطلاع على باقي الفنون كانت من مزايا معظم طلاب المعهد. لذلك كان تبادل التجارب بين طلاب الموسيقى والفنون التشكيلية والمسرح شائعا. فكان هذا أول احتكاك عملي لي في المسرح. عندما وصلت إلى أوربا في 1978 اندمجت منذ البداية بالوسط الفني وكنت عضوا في الفرقة المسرحية والموسيقية التابعة للجامعة. ومنذ ذلك الوقت بدأت أعيش التجربة الفنية العالمية وبالأخص البلجيكية بكل فروعها ومن ضمنها المسرح. هذه التجربة كونت عندي فكرة إعطاء دور للموسيقى وللفنون التشكيلية يوازي دور الممثل في العمل المسرحي. وهذا يعني ان النص يتكون عندي من الموسيقى والفن التشكيلي والفعل التمثيلي. لكن أول فرصة عملية سنحت لي كانت في منتصف التسعينيات عندما ساهمت بكتابة وإخراج ملحمة جلجامش بالفرنسية للمسرح حيث قدمت بمهرجان المسرح العالمي ببلجيكا. استخدمت في هذه المسرحية موسيقى حية قدمها الفنان الكبير حميد البصري. بعدها ساهمت بالعديد من الأعمال إلى أن أتيحت لي فرصة جديدة في سنة 1998 لإخراج مسرحية زجل الأشواق التي قدمت كتقدير للشاعر الفرنسي اراغون الذي كتب الشعر بطريقة الزجل بكتابه الشهير ايلزا. في هذا العمل اعطيت للموسيقى دور يعادل النص والتمثيل فكان بالامكان مشاهدة العمل كمسرحية او ككونسرت موسيقي. قدم هذا العمل اربعين مرة واختير وقتها كأفضل عمل رومانسي جرئ.

* في العراق الديمقراطي الجديد، هناك وزارة ثقافة، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الوزارة في العراق إذا كانت الثقافة في الأنظمة الديمقراطية تعتمد على القطاع الخاص والمجتمع المدني، أي أن الثقافة ينبغي أن تكون بعيدة تماماً عن تدخل الدولة ؟! نرجو أن تعطينا مقارنة مع بعض التجارب الأوربية.
- اني استند على تجربتي التي عشتها خلال 26 سنة في أوربا الغربية وبالأخص في بلجيكا في تقدير الوضع في العراق. لقد عملت في مجال الثقافة العربية والبلجيكية ليس فقط كفنان بل كإداري ومبرمج إستراتيجي من الدرجة الأولى. فانا عضو المجلس الأعلى للتربية الدائمية لوزارة الثقافة البلجيكية/الفرنسية وكذلك عضو لجنة خبراء الدعم المالي للمؤسسات الثقافية لإقليم بروكسيل. إداريا، كان وما يزال عملي مستمرا في مجال التنسيق بين مختلف المؤسسات الثقافية والجمعيات الأهلية والمساهمة في إدارة وتنظيم النشاط الثقافي في بلجيكا الفرانكفونية. في سنة 1999 كنت من بين 15 عامل في الثقافة تم اختيارهم من قبل مجلة لوفيف لوكسبريس، وهي أهم مجلة أسبوعية عندنا، كصانعين للثقافة البلجيكية. استنادا على تجربتي هذه، أستطيع أن أؤكد بأن عملية التطور الثقافي في جميع أنحاء العالم لا يمكن ان تتم بدون الدعم الحكومي لها، لهذا أؤكد على أهمية وجود وزارة ثقافة. في الدول الديمقراطية التي تضع القانون قبل وفوق أي اعتبار، يمكن تشبيه دور وزارة الثقافة بدور العمود الفقري الذي يدعم الجسم في كل حالات الحركة والسكون وبدون ان يتدخل في شؤون قيادة هذا الجسم. ان هذه الوزارة لا ترسم السياسة الثقافية للبلد بل تقوم بتنسيق الآراء وتنظيم هذه السياسة التي يخططها ويرسمها ويقوم بتحقيقها العاملين في مجال الفن والثقافة. وتقوم الوزارة بتوفير المستلزمات الأساسية للفنانين والمثقفين للقيام بدورهم في رفع مستوى الوعي والمعرفة وللبقاء في مستوى التطور العالمي. فعلى سبيل المثال أن مؤسسة التلفزيون البلجيكية المدعومة ماديا من قبل وزارة الثقافة، ترسم سياستها بنفسها وبدون تدخل الوزير. ان عملية رسم السياسة الثقافية وتنفيذها بهذه الطريقة الديمقراطية هو عمل أصحاب الكفاءات والتجربة العملية والعالمية على المستوى الإداري والفني. ومثالا على ذلك فأن أحد صانعي الثقافة البلجيكية هو مدير دار الاوبرا في بروكسل (بيرنار فوكرول) الذي يعتبر من أهم عازفي آلة الهاربسيكورد في العالم وإداري من الدرجة الأولى بالإضافة لموا قفة الإنسانية والديمقراطية والمعادية للفاشية. وهذا يعني ان مدير المؤسسة الثقافية يجب أن يجمع مزايا تجعل منه قائدا حقيقيا.