حوار شامل سماحة الشيخ حسن بن محمد ناصر النمر : (1/3) "الخطاب الديني" عبارة عن تيارات ورؤى تتقاطع وتتنافر


حاوره علي ال غراش من الدمام: يحظى علماء الدين في المجتمع الإسلامي وبالخصوص السعودي بمكانة مرموقة, و بجاذبية واحترام وتقدير يختلف عن باقي طبقات وشرائح المجتمع من مثقفين واكاديمين يصل أحيانا للتعصب والصنمية والتقديس.. و يعود ذلك لوجود علماء يتميزون بالنشاط الديني والفكري والثقافي والمبادرة في طرح الأفكار الجريئة و السعي في إصلاح الواقع المعاش و المساهمة في رقي وتطور المجتمع بما يلائم الحياة المعاصرة والانفتاح على المثقفين والأكاديميين والإنصات لهم من هولاء المشايخ الذين لهم دور بارز في الساحة السعودية سماحة الشيخ حسن بن محمد ناصر النمر الذي أكد ل"إيلاف" إن التراث والتاريخ الإسلاميين بحاجة لغربلة وترميم وان هناك شخصيات قد ظلمت وحجمت وبالعكس. ضيفنا من مواليد مدينة المبرز (شرق السعودية)عام 1383هـ, ومقيم بمدينة الدمام منذ 35 عاما. وهو أستاذ في الحوزة العلمية وله العديد من النشاطات الفكرية والثقافية في السعودية وخارجها, وشارك في العديد من المؤتمرات الفكرية الإسلامية, وله عدد من المؤلفات والكتابات كما ساهم في تأسيس جامعة أهل البيت الإسلامية, وفي إصدار مجلتي طيبة والمنبر..., و إليكم الجزء الأول من اللقاء:

# ما الأسباب لافتقاد شهر رمضان المبارك الأجواء الروحية الدينية وتحول المناسبة إلى مناسبة احتفالية، وتنافس في مشاهدة برامج التلفاز, بحيث في بعض الدول الإسلامية تقام خيم التسلية والرقص؟
- : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالشكر الجزيل لشبكة إيلاف على إتاحة هذه الفرصة للتواصل مع قرائها الكرام
لعل من أهم أسباب افتقاد شهر رمضان الكريم للأجواء الروحية هو انخفاض مستوى الوعي بقيمة الشهر الفضيل، و الإنسان بحاجة إلى محطة دورية لأن يراجع نفسه ويتأمل فيما قدم وما لم ينجزه على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وبملاحظة حاجته لشغل الفراغ, بادر التجار والعابثون إلى ملئه ببرامج أقل ما يقال فيها أنه رخيصة بكل ما في الكلمة من المعنى.

# ما رأيك بحركة التجديد الديني؟
- قبل أن يصار إلى تبني رأي في (حركة التجديد الديني) يجب أولاً تحديد ماذا يراد بهذا المصطلح . ويمكن أن نقول إن للتجديد معنيين أساسين:
أولاً : أن يراد بالتجديد عدم صلاحية الخطاب الديني للواقع المعاصر . وهذا كلام مجمل لابد من تحديد ما هو الخطاب الديني ؟ وما هي المعاصرة ؟ وماذا نعني بالصلاحية؟ والذي نراه أن الخطاب الديني صالح لمواكبة العصر وتأمين حاجة الإنسان المعاصر.
ثانياً : لأن يراد من التجديد أن الخطاب الديني ، أعني مجمل التصورات الدينية التي أسهم الفقهاء والمتكلمون والمفسرون ... في إنتاجها اعتماداً على ما جاء في الكتاب والسنة، أن هذا الخطاب لا يؤمن للمسلم المعاصر حاجته المعرفية لتحديد الموقف المناسب في مختلف مناحي الحياة وأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية... فهذا أيضاً يمكن التحفظ عليه باعتبار أن (الخطاب الديني) ليس خطاباً واحداً. فهناك تيارات ورؤى تتقاطع أحياناً وتتنافر حيناً آخر، وليس من المنطقي أن تكون جميعا في سلة واحدة. خصوصاً إذا ما لاحظنا أن كثيراً من المشككين في قدرة الخطاب الديني على المعاصرة لم يطلعوا إلا على بعض المدارس الإسلامية دون بعضها الآخر.
وأضيف أخيراً أننا لا ندعي الكمال في واقع الخطاب الديني فهناك مساحات واسعة تحتاج إلى تظافر جهود من جهات متعددة للقفز بالخطاب الديني إلى تبوء المنزلة المرجوة. ومن الطبيعي أن نقول هنا إن التوقعات متفاوتة من هذا الفريق وذاك، بل إن بعض التيارات الدينية لا يرجى منها قليل ولا كثير في ذلك.

# هل تراث الدين الإسلامي وخاصة الروايات المتعارضة مع القران أو مع التاريخ بحاجة إلى إعادة نظر؟
– نعم ، أنا ممن يعتقد بالحاجة الماسة إلى بذل جهود جبارة لغربلة التراث الإسلامي وتخليصه مما علق به من الشوائب التي نسبت إلى الإسلام بغير حق . وبالطبع فإن هذا يستلزم تظافر جهود العشرات بالمئات من المختصين في مختلف شعب العلوم الإسلامية الشرعية وغيرها وسائر العلوم التي تعين على تحليل هذا التراث وتفكيكه من أجل الحكم على ما يمكن أن ينسب إلى الإسلام مما ينسجم مع أصوله وقواعده القطعية.

# متى يصل المسلم الواعي إلى حق ممارسة النقد لرجل الدين والأفكار وهل تؤيدون ذلك النقد والنقاش؟
– هنا لابد من نفثة مصدور، فإن الإسلام والفكر الإسلامي أصبح عرضة لأن يدلي بدلوه كل من هب ودب، دون ملاحظة أن من يود أن يناقش أي قضية فإن المنهج العلمي يفرض عليه أن يلم بمبادئ أولية أحياناً، وبتعمق فيما يراد النقاش فيه أحياناً أخرى. وعليه فكل من أحاط بأمر فإن له أن يثير حوله النقاش في حدود ما ألم به... لذلك أقول: النقاش والمدارسة ليست حكراً على فئة من الناس، بل بابها مفتوح لكل مستوعب لما يريد النقاش فيه مع حفظ الضوابط والقواعد. وأما ما هي هذه القواعد والضوابط فبعضها متفق عليه وبعضها الآخر يمكن النقاش فيه.

# المسلم يشهد حالة من الازدواجية في الرواية و حقيقة الواقع التاريخي مثلا نرى تصرفات من بعض الشخصيات التاريخية... بينما هناك روايات تمجد تلك الشخصية.
– هذا يدخل ضمن حاجتنا إلى مراجعة التراث والتاريخ الإسلاميين. فلقد لمعت شخصيات لا تستحق التلميع، بينما أغمط حق عظماء ما كان يليق بهم ذلك.

# لماذا حالات الجمود والصمود أمام الرواية في ظل اصطدام الروايات ومخالفتها للواقع الحقيقي "التاريخي" ووجود حديث صريح يوضح بان الرواية التي توافق القران هي السليمة؟
– المذهبيات المقيتة والصور النمطية وفقدان روح البحث والتحقيق وعوامل عديدة أسهمت في هذا الواقع الرديء الذي حرمنا من الانشداد إلى الحق، وتهنا في عالم الأشخاص والرموز.

يتبع
معالجة التشنج الديني داخل السعودية سيكون له دور ايجابي على العالم الإسلامي وسيساهم في تذويب جدار الانغلاق الطائفي وإطفاء نار الفتنة والاقتتال.