حوار مع رئيس الجمعية السورية لحقوق الانسان الأستاذ هيثم المالح
حاوره في دمشق حسام شحادة

* أخلاقيات حقوق الإنسان، هل هي نموذج غربي، أم أنها ميزة إنسانية، ميزة لكل الشعوب والديانات، وبالتالي أليس من الضروري حماية هذه الأخلاقيات وإحياؤها لتكون بمستوى قيمتها الكونية؟

- الحقوق جمع حقٌ، والحقُ قديم : فقد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ). كما نصت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد ثلاثة عشر قرناً على مايلي: ( يولد جميع الناس أحراراً). وعلى بعد الشقة بين تاريخي هاتين الجملتين فإنهما تعطياننا فكرة عن كنه حقوق الإنسان الأساسية وتفصحان عن أبرز صفحاتها، ولعل أبرز هذه الصفات هي :

1-أنها موغلة في القدم : بمعنى أن هذه الحقوق موجودة منذ خلق الإنسان فهي ليست وليدة التطورات الاجتماعية والأحداث العالمية، لأن الإنسان كل إنسان بحاجة إليها لا يستطيع العيش بدونها، فلكل إنسان الحق في الحياة والكرامة والحرية... الخ.
2-الأبدية : وهذه الصفة تفيد أن حقوق الإنسان باقية ما دامت كرتنا الأرضية تضم على ظهرها البشر، لأن الإنسان لا يستطيع العيش بدونها لأنها الضمان الأساسي الذي لا غنى عنه ليحيا حياة كريمة.
3-التلازم : بمعنى أنها ترافق الإنسان منذ نشكله جنيناً إلى ولادته وحتى وفاته، ولا يستطيع أحد أن يحجبها عنه، فهي ملازمة للإنسان لم يمنن بها عليه أحد، ولم يمنحها له أحد، ولا تنقصم عنه مطلقاً.
4-الإعلانية : فحقوق الإنسان موجودة حكماً لا موجب لإقرارها من قبل سلطة تشريعية أو دستورية أو أية سلطة أخرى... وهذا ما أشارت إليه الأمم المتحدة عندما قالت ( بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولم تقل بإقرار هذه الحقوق )، وإنما مهمة التشريع تنحصر في تنظيم ممارسة هذه الحقوق فحسب.
5-شمولية حقوق الإنسان :أي إن هذه الحقوق ليست قاصرة على فئة معينة من الناس ولا على بقعة واحدة في العالم ولا في زمان محدد من الأزمنة، وإنما هي حقوق موجودة أبدية ملازمة لجنس الإنسان في كل زمان ومكان. وقد أشار القرآن الكريم إلى تكريم الإنسان بقوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " وقد حضر محمد (صّ)حلفاً سمي حلف الفضول في الجاهلية قبل الإسلام وفي هذا الحلف تعاهد أشراف مكة على " أن لا يجدوا في مكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على ظالمة حتى ترد مظلمته " وسمت قريش هذا الحلف بحلف الفضول وقال الرسول محمد (ص) " لقد شهدت مع عمومي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت به في الإسلام لأجبت". وهذا ما يؤشر إلى وجود الحق ووجود محاولات لتأسيس هيئة أو منظمة أو سواها للدفاع عن الحق. جميع الديانات السماوية والنظم الوضعية حديثاً تؤكد على هذه الحقوق بغض النظر عن تسميتها حقوق إنسان أو ممارستها فعلياً. ولذلك فإن من واجب المجتمعات جميعاً التعاون والتكاتف لحماية حقوق الإنسان، لأن في حمايتها صوناً للكرامة وتكريساً للحرية والتقدم.


* هل الخصوصية مبرر كاف لرفض الأطر الديمقراطية، وما هي أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطية في المجتمع العربي عموماً والسوري خصوصاً؟
- معروف أن مصطلح الديمقراطية هو مصطلح غربي نشأ أساساً في اليونان ثم تطور وانتقل إلى كافة أرجاء العالم، وهذا المصطلح إنما يعبر في الحقيقة عن حرية الناس في حكم أنفسهم بالشكل الذي يختارونه لا أن يفرض عليهم، نظام من فوق، مستبد لا يعباً بالرأي الآخر ولا يحترم الاختلاف، والديمقراطية بهذا هي عبارة عن أسلوب للحكم وفيه يحترم الاختلاف بين الناس ويمنع الاقصاء والاستئصال والإبعاد، ولقد كرس القرآن الكريم في العديد من الآيات القرآنية مبدأ الخلاف فقال في نهاية سورة هود " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم، ولذلك خلقهم،" فسَّر الخلق يكمن في الخلاف والاختلاف وهو مبدأ أصيل في الدول المتقدمة الديمقراطية ولا يوجد هناك من مبرر للتمسك بالخصوصية من أجل فرض نظام استبدادي. والنظام الديمقراطي كما هو معروف لا زال بعيداً عن التطبيق في العالم العربي الذي تحكمه أنظمة استبدادية شمولية طابعها العام تسلط الجنرالات العسكريين، وبالتالي فهم يقاومون أي محاولة للتغيير في هذا العالم لأنه مع الديمقراطية ينتفي التسلط العسكري ويجري ترسيخ الحريات الأساسية ومحاربة الفساد.

* التعددية وحق الاختلاف، هل هما غاية بحد ذاتهما، أم هما الأساس الذي لا بد منه لتأصيل الفكرة الديمقراطية؟
- إن التعددية هي أساس الخلق كما مر معنا وأية محاولة لتغيير هذا الأساس سيؤدي بالمجتمعات إلى التخلف. فالتعددية هي ظاهرة صحة وعامل هام من عوامل تقدم المجتمعات وقد قال تعالى" ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " فهذا التدافع هو المظهر الأساسي للاختلاف وهو لذي يشحذ الفكر وينبه القلب ويهيئ التنافس للتواصل الحضاري.

* في ظل تعاظم المعطيات الدولية والاستحقاقات السورية الراهنة،لماذا برأيك حتى الآن لم تقتننع القيادة السورية، بأن تفعيل مؤسسات المجتمع المدني واحترام استقلاليتها بما يكرس الاعتراف بحقوق الإنسان وإطلاق حرية التفكير والإبداع، هو السبيل إلى إلغاء القطيعية والعداء بين السلطة والمعارضة كطريق يؤهل بالتالي لمواجهة هذه الاستحقاقات؟.

في الحالة السورية طالما أن نظام الحكم ليس ديمقراطياً ولا يؤمن بالحريات العامة، ويتحكم فيه فئة مستبدة لا تؤمن بالرأي الآخر - وإن كان الرئيس في خطاب القسم قد اعترف بوجود الرأي الآخر - إلا أن ذلك لم يجد آلية للتنفيذ، بل على العكس لا تزال السجون ملأى بالمعتقلين لأتفه الأسباب ولا تزال الأجهزة الأمنية هي الفاعلة على الساحة العامة ومن هنا فلا يمكن لنا أن نرى بان السلطة عازمة على تفعيل مؤسسات المجتمع المدني والعكس هو الصحيح، فمعلوم أن مؤسسة الوقف والجمعيات الخيرية هي مؤسسات مجتمع مدني إلا أنه يجري التضييق عليها وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في نيويورك ولا يزال يجري استدعاء الأئمة والخطباء والوعاظ إلى الأجهزة الأمنية بغية إرهابهم وتخويفهم، أما أن نقول بوجود عداء بين السلطة والمعارضة فلا أظن هذا صواباً، إذ لا نستطع الإقرار بوجود عداوه وإنما بوجود اختلاف جذري في الرؤيا المستقبلية لسورية.


* منذ خطاب القسم والتوقعات الإصلاحية في سورية مشوبة بالأمل والقلق، فهل ما تشهده سورية، لا يعدو كونه تدابير احترازية مؤقتة،أم أننا أمام برنامج متكامل يعكس رؤية عميقة لمواجهة التحديات والاستحقاقات؟.
- إن أولى الخطوات نحو الاصلاح - في حال وجود نية حقيقية لهذا التوجه – إنما تكون بإلغاء تشريعات أساسية ليتم التأسيس لمستقبل البلاد، وهذه التشريعات سبق أن تحدثت عنها، منها إلغاء المادة 19 من مرسوم رقم 14 بإحداث أمن الدولة ومنها صلاحيات المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وعلى رأس ذلك انهاء حالة الطوارئ المعلنة منذ أكثر من أربعين عاماً، ومنها إلغاء القانون 49 لعام 198. القاضي بإعدام المنتسبين للإخوان المسلمين، فطالما لم يتم المس بهذه التشريعات والأنظمة حتى الآن فإن أي زعم للإصلاح لا يكون له أساس في الواقع، ذلك أنه كما هو معلوم أن القاعدة الأساسية تقول " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل " فقول بلا عمل لا يعني شيئاً.


* قبل إشهار الجمعية، تقدمتم بطلب ترخيص إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، ولم ترد الوزارة وبعد مضي 6. يوماً اعتبرتم أن الجمعية أصبحت مرخصة قانوناً، ومع ذلك الجهات الرسمية لم تعترف بشرعيتكم ومنعتم من السفر..وفي المقابل بعض الجهات الرسمية كوزارة الداخلية ومكتب شؤون رئاسة الجمهورية تخاطبكم في مراسلاتها باسم رئيس جمعية حقوق الإنسان في سورية، هذه مفارقة.. هل ثمة حل قريب لهذه الإشكالية.

- معلوم أن المرجع الرسمي للترخيص وشهر الجمعيات إنما هو وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بموجب قانون الجمعيات، إلا أن تغول الأجهزة الأمنية المتعددة على مؤسسات الدولة وعلى المجتمع يجعل هذا الاختصاص وهمياً وهلامياً فلقد تقدمنا بطلب ترخيص وفق قانون الجمعيات المعمول به مع سائر الوثائق المطلوبة، إلا أن الوزارة لم ترد علينا في الوقت المناسب كما علمنا من الوزيرة شخصياً بأن الأمر ليس بيدها، فاعتبرنا أنفسنا محصنين بالقانون، وتبادلت رسائل عديدة بوصفي رئيساً لمجلس الإدارة مع جهات رسمية أجابتني عليها، وأخيراً تقدمت بدعوى أمام القضاء الإداري للفصل بالخلاف مع السلطات المعنية في هذا المجال، وآمل أن نحصل على حقوقنا الدستورية والقانونية.

لقد مضى على تأسيس الجمعية أكثر من ثلاث سنوات وبرغم الصعوبات التي تعترض طريقنا وأهمها التمويل الذي يقتصر على اشتراكات المشتركين وعدم وجود طاقم عمل متفرغ، فقد قمنا بعمل لا يستهان به، وأصدرنا عدداً من التقارير كما نصدر نشرة الكترونية، ونتابع انتهاكات حقوق الإنسان ليس فقط لجهة الحريات العامة وإنما أيضاً لجهة البيئة والحقوق المدنية كا لمساواة أمام القانون وما إلى ذلك. ونأمل مع الأيام أن نستطيع إيجاد مقر مستقل للجمعية وطاقم عمل متفرغ ليكون العمل أفضل من الآن.

*يلاحظ في نشاط وعمل منظمات لحقوق الإنسان في سورية أنكم تخلطون ما بين السياسي والحقوقي، وهذا مستهجن، ما هي الأسباب وكيف السبيل لتقويم هذا الوضع؟.

- نحن لا نخلط بين الحقوقي والسياسي وإن كان لفظ سياسي ليس له مدلول محدد إلا إذا قلنا بأن العمل السياسي محصور في الأحزاب السياسية ودورها فإذا ذهب الواحد إلى صندوق الاقتراع للتصويت فهل يمارس عملاً سياسياً؟ إن رب العمل في عمله والتاجر في متجره والمحامي في مكتبه كل منهم يمارس سياسة مع الآخرين في مجال عمله، لذا فمدلول كلمة سياسة هو مدلول واسع. إننا في جمعية حقوق الإنسان في سورية نحرص كل الحرص على أن يكون خطابنا ضمن مفهوم الحقوق، ولكن في معرض استعمال بعض التعبيرات التي يعتقد البعض بأنها مقصورة على السياسة، فإنه قد يعتبر التعبير سياسياً وليس العمل أو قد يفسر أنه خروج عن خط حقوق الإنسان.

* كيف تقيمون وضع حقوق الإنسان في سورية خلال العام الماضي؟.

- المؤسف أن حالة حقوق الإنسان في سورية في تراجع وليس في تقدم، إذ أن الاعتقالات لا تزال مستمرة خارج القانون كما أن الأجهزة الأمنية لا تفسح المجال للناس للتعبير عن آرائهم، وما حصل في آخر اعتصام بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان 9/12/2..4 خير شاهد على ذلك. إضافة إلى التدخل في حرية الناس في التنقل والسفر ولدي عشرات القضايا أمام القضاء بخصوص منع السفر، وأنا شخصياً ممنوع من السفر منذ أكثر من سنتين فأين نحن من حقوق الإنسان؟.

* تلتقون وسائل إعلام غربية وأمريكية، ومع ذلك رفضتم اللقاء مع قناة الحرة الفضائية، ماهي أسبابكم لرفض اللقاء عبر هذه القناة؟.
- إنني اعتبر أن من حقي الاختيار في لقاء وسيلة إعلامية أو عدم لقاء وسيلة أخرى وأومن بالشفافية، ولدي رسالة واضحة أحاول إيصالها للعالم، وهي أنه حان الوقت لبحث الخلافات بصورة سلمية وخارج العنف، وعلى القوة الوحيدة في العالم الآن أن تفهم هذا الموضوع وتقلع عن استعمال القوة أو التهديد بها وأن تلتزم بالقانون والشرعية الدوليين.أما الحرة فهي قناة حكومية تديرها الولايات المتحدة وجهازها العسكري تحديداً ولذلك رأيت عدم اللقاء معها والذي قد يعطيها بعض المصداقية مع أنني لا أرفض التحدث للمسؤوليين الأمريكيين مباشرة فلا أخشى شيئاً ولدي رؤيتي الخاصة، وإذا كان الإعلام مستقلاً فأنا أرحب به شرط بث كلامي كاملاً وعدم اجتزائه.

* إذاً، لماذا قبلتم استقبال مراسل الحرة، في المؤتمر الصحفي الذي عقدته لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير؟.

- تعلمون أن لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين طلبت إليّ استضافة مؤتمر صحفي تضامناً مع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير وكان المتحدث في هذا المؤتمر هو الدكتور كمال لبواني وبالتالي لم أكن أنا الذي طلبت الإعلاميين ولم أكن أعلم من الذي دعي وبالتالي فلم أتدخل في تحديد طبيعة هؤلاء الإعلاميين.

* التعددية والاختلاف، عامل هام من عوامل التقدم والتطور كما قلت، ومع ذلك المشهد السوري فيه ما يشير إلى عكس ذلك، مثلاً الخلافات والاختلافات بين الجهات العاملة في ميدان حقوق الإنسان كثيراً ما تنتهي بالتشكيك والإتهام وحتى التخوين أحياناً.. ما هي أسباب ذلك وكيف السبيل إلى تقويم هذا الوضع؟.

- إن التعددية والاختلاف هي التي تولد الخلافات التي يشهدها المشهد السوري، وأنا أعتقد أن الآية القرآنية قد حسمت هذه المشكلة حين قالت" أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". لقد رأينا كيف أن نظاماً كاملاً في الاتحاد السوفيتي السابق قد انهار وذهب مع الريح، وهذا أكبر مثال على أن الزبد وإن شاهدناه طافياً على السطح فليس له بقاء لأنه سيتلاشى عاجلاً أم آجلاً، والاختلاف والخلاف ليس وقفاً على جمعيات حقوق الإنسان أو غيرها إذ أنه موجود منذ وجد الإنسان، إلا أن المؤسف أن الطابع العام لمجتمعنا هو إلصاق التهم دون روية ودون تحقيق. مثال وقد حذر الله تعالى في كتابه الكريم من التسرع في التهم في قوله تعالى " إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". وأنا أتوجه بهذا الخطاب لكل العاملين في الشأن العام أن يتريثوا.

* الأستاذ هيثم المالح، أنت اليوم محام وناشط في مجال حقوق الإنسان، وقبلها كنت قاض في القضاء السوري، والقضاء أساس العدل وبوابة أقامة دولة الحق والقانون.. كيف حال القضاء السوري كما عشته من الداخل، وكيف هو واقعه اليوم.. هل من تطورات إيجابية بين الأمس واليوم؟.

- القضاء هو أساس الاستقرار في كل المجتمعات إذ يشكل الحصن الحصين لملاذ الناس الآمن فإليه يلجؤون إذا ماحازبهم أمر وشعروا بظلم سواء فيما بينهم أو مع السلطات الحاكمة وقد أمر به الخالق عز وجل حين قال " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " " اعدلوا هو أقرب للتقوى " " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وفي قول شيخ الإسلام ابن تيميه " إن الله ينصر الدولة العادلة وإذا كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ".

لقد كان القضاء في أيام كنت قاضياً من أفضل القضاء في العالم العربي نزاهة واستقامة وذلك حين كان مستقلاً محصناً، إلا أنه بعد تغول النظام الاستبدادي عليه وما استتبعه من تغول السلطة التنفيذية وما فيها من أجهزة أمنية أضعف القضاء واستلبت إرادته واستقلاله وأدخلت الحزبية عليه برغم أنها بالأصل ممنوعة بنصوص قانون السلطة القضائية – إلا أن السلطات الحاكمة كانت تريد أن يكون القضاء بيدها يحكم كما تريد وهو ما أساء لهذا الجهاز الهام وآل حاله إلى انهيار كارثي مما يؤدي إلى ضعف الحصن الأخير الذي يلجأ إليه الناس للوصول إلى حقوقهم.

* كم هو عدد المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي في سورية، وكم هو عدد المفقودين والمنفيين الطوعيين؟.

- من المعلوم أنه يوجد في سورية نحواً من خمسة عشر فرعاً من فروع الأمن السرية تحت عناوين أمن عسكري، أمن الدولة، أمن سياسي، أمن جوي، أمن القصر.

ولدى كل فرع من الفروع سجنه الخاص خارج إطار القانون والرقابة القضائية وجميع هذه السجون مملوءة بالمعتقلين. كما يوجد سجن صيدنايا التابع للمخابرات العسكرية ويوجد سجن عدا وفيه جناح خاص بالأمن السياسي ويضم بين جدرانه باقي معتقلي ربيع دمشق وهم د. عارف دليلة والأستاذ حبيب عيسى والمهندس فواز تللو ود. وليد البني. كما يوجد سجن كبير في جرمانا تابع للمخابرات العامة وكذلك سجن أبو الشامات في الضمير. وكما هو معلوم فإن الشفافية معدومة ويجري اعتقال الناس ليس لأيام ولكن لشهور طويلة ولسنوات ودون أن يعلم عنهم أحد كما لا يحق للقضاء أو النيابات العامة أو حتى لوزير العدل الدخول لأي من هذه السجون والبحث في محتوياتها، ونقدر عدد المعتقلين في مختلف فروع الأمن بما يتجاوز ألفي معتقل. وكما أن الفترة التي امتدت بين عامي 198. و199. شهدت أحداثاً دامية ذهب ضحيتها آلاف المعتقلين الذين نقدرهم بنحو خمسة عشر ألف معتقل ولا تزال قيودهم المدنية بحالة كونهم ليسوا أمواتاً وبالتالي فلا يمكن تسوية أوضاعهم وإنهاء مشكلاتهم الأسرية ولا تزال السلطة ممعنة في التكتم عليهم، كما شهدت نفس الفترة قمعاً أشد أدى لهروب أعداد كبيرة من المواطنين السوريين الذين يقدر عددهم بأكثر من مائتي ألف مواطن يتوزعون على البلدان العربية والغربية ففي الأردن وحدها نحوا من خمس وعشرين ألف سوري ليس لدى معظمهم جوازات السفر ولا أوراق تثبت هويتهم.

* منذ تسلم الرئيس بشار الأسد الحكم في سورية ونحن نشهد، إفراجات دورية عن المعتقلين السياسيين.. هل تتوقعون في المدى القريب، افراجاً شاملاً وإغلاقاً كاملاً لملف الاعتقال السياسي.

- صحيح أنه تم الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين عقب وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة، إلا أنه في المقابل تستمر عجلة الاعتقالات بصورة قد تؤدي إلى توازن دائم في السجون بين المفرج عنهم والذين يعتقلون، وعلى كل حال نحن نأمل في أن يجري :

1-إغلاق ملف الاعتقال السياسي أو الاعتقال بسبب الرأي.
2-الإفراج عن سائر المعتقلين وإحالة من ارتكب جرماً للقضاء العادي.
3-إلغاء صلاحيات المحاكم العسكرية والميدانية لمحاكمة المدنيين.
4-إلغاء القضاء الاستثنائي برمته.
5-إلغاء حالة الطوارئ المعلنة منذ عام 1963.
6-وإعادة الموظفين المقصودين إلى عملهم وإلغاء آثار الأحكام العسكرية وأمن الدولة.
7-التعويض على المتضررين من العهد السابق وفي ذلك رأب للصدع ولملمة للجراح.