حوارمع الصحفي والمعارض السوري نزار نيوف (1/2)

■ أرجح أن " التيار الإصلاحي " في سورية هو المسؤول عن اغتيال الحريري من أجل خلق ظرف يتيح له التخلص من " الحرس القديم " بدعم غربي!
■ لا يوجد حتى الآن أي قرار بإسقاط النظام السوري لأن واشنطن تعرف أن عليها حتى إشعار آخر أن تختار بين بشار الأسد والفوضى!
■ اجتماع المسؤولين الأميركيين ببعض المعارضين السوريين لا معنى له، فهو مجرد فزاعة وتعبير عن إفلاس واشنطن في استقطاب أي وجه سوري معارض يحظى بوزن نوعي أو بالشعبية في الشارع السوري
■ الأميركيون سلّموا رقبتي ضابطين سوريين للذبح حين حاولا الانشقاق، ولا يثق بهم إلا الأحمق أو بائع معلومات يدعي أنه رجل سياسة
■ الأميركيون يتصرفون كعصابة زعران، فقد طردوا زوجتي من عملها حين رفضت أن أكون حذاء لهم وأصريت على التمسك بشعار "شركاء لا أجراء"!
■ أنصح المعارضة السورية بإنشاء "حكومة ظل" والسعي لدى العالم للاعتراف بها ولو معنويا
■ إلغاء المادة 8 من الدستور سيؤدي في الحال لتشظي البعث إلى أربعة "أحزاب" أحدها سيكون أمير سورية الحديث!

اجراه سمير داغر: حين شرعت في إعداد هذا اللقاء الساخن للنشر، كانت المحطات الفضائية العربية، وبعض الأجنبية، يقطع بثه لإذاعة خبر عاجل عن انفجار في مدينة "البوشرية" الصناعية شمالي بيروت، ليكون الثالث الذي تشهده بيروت وضواحيها خلال أسبوع.تذكرت في الحال تلك اللهجة واللغة الواثقة التي طالعتنا بها بيانات "المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية" منذ الساعة الأولى لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي جاءت الوقائع اللاحقة كلها لتؤكد صحتها.. بكل أسف.

بعد أقل من ساعة على اغتيال الحريري، أصدرت المنظمة السورية المذكورة، التي أسسها الصحفي المعارض وداعية حقوق الإنسان السوري نزارنيوفوغادرها قبل عدة أشهر لأسباب تتصل بوضعه الصحي الذي انتكس من جديد وأعاده إلى استخدام العكاز (رغم أنه لا يزال يقوم بدورمستشارها الإعلامي)، بيانا أستطيع الجزم بأنه كان أول ردة فعل في العالم على الحدث. فبعد الإدانة والشجب بأقوى العبارات، والحذر ـ على غير العادة (!؟) ـ في توجيه إصبع الاتهام إلى جهة محددة، قال البيان، الذي كان نيوف هو من وضع مسودته كما عرفت لا حقا، إن الحدث هو "بمثابة ضرب برجي نيويورك على المستوى العالمي. فمثلما غيرت جريمة نيويورك الإرهابية الاستراتيجية الأميركية والعالمية في مكافحة الإرهاب وقلبتها رأسا على عقب، وأدت إلى ولادة نظرية الحرب الاستباقية التي ستغير وجه العالم إلى عقود طويلة، ستؤدي جريمة اغتيال الحريري إلى تغيير وجه لبنان وسورية والشرق الاوسط.. ربما " إلى الأبد "! وختم بالقول : " هذا السؤال [ من قتل الحريري ]الذي لن يجيب عليه بشفافية إلا تحقيق دولي مستقل، ستتم الإجابة عليه بطرق أخرى غير مباشرة خلال الأسابيع القليلة القادمة حين سيرى الرأي العام كيف أن النظام السوري سيدفع الثمن الباهظ لهذه الجريمة، حتى " وإن لم يكن " مسؤولا عنها، حين ستتساقط رؤوس كبرى من فوق كتفيه، وتخرج قواته وأجهزته مذلولة مهانة بعد أن رفضت الاستجابة لنداء المعارضة اللبنانية التي دعت النظام السوري إلى الحوار من أجل إخراج هذه القوات محفوظة الكرامة!
وحده "النبي" أو "المجنون"، كيلا نقول "ذو الرؤيا الثاقبة"، من يتجرأ ويجازف على تقويم الحدث بهذه الطريقة في الوقت الذي لم تكن سيارات الإطفاء قد وصلت بعد إلى ساحة الجريمة! (من نافل القول، بل ربما من ضروراته، الإشارة هنا إلى أن خمسة أشخاص فقط في سورية وخارجها كانوا قد اتهموا نيوف بالجنون، سواء عبر تصريحات إعلامية أو مقالات، وهم [ وعليك أن تتأمل فيما يجمعهم!] رئيس الاستخبارات العسكرية السابق حسن خليل، وزير الإعلام الأسبق عدنان عمران، و"المعارضون " هيثم مناع وميشيل كيلو وأكثم نعيسة)!!
وبين انفجار 14 شباط / فبراير الماضي، تاريخ الجريمة وتاريخ البيان المذكور،وانفجار المدينة الصناعية يوم أمس، فجّر "المجلس"، ودائما عبر المعلومات التي يستقيها نيوف من مصادره الخاصة ويضعها في تصرف منظمته التي غادرها "تنظيميا وحسب"، عددا من القنابل الإعلامية التي لم يجرؤ أحد في البداية ـ بما فيهم أنا(!) ـ على التعاطي معها بجدية، انطلاقا من الاعتقاد بأنها "ناجمة عن موقف معارض وحسب". ولكن سرعان ما بات الإعلاميون والمراسلون ورجال السياسة في لبنان يسلطون الضوء عليها :
ـ في 17 شباط / فبراير الماضي (ثلاثة أيام بعد الجريمة) : بيان يكشف عن قيام المخابرات السورية في لبنان بتوزيع عشرة آلاف قطعة سلاح على محازبين ومنظمات موالية، تبعه بيان آخر يتحدث عن أكثر من خمسين ألف قطعة سلاح. وبعد بضعة أيام نشرت صحيفة النهار اللبنانية وثيقة هي عبارة عن نموذج رخصة سلاح يقوم وزير الدفاع اللبناني بتوزيعها على أولئك المحازبين. والآن أصبحت القضية الشغل الشاغل للناس في لبنان ومبعث خوفهم من مخطط للفتنة والتفجير يقودان إلى حرب أهلية أخرى!
ـ في 23 من الشهر نفسه، وقبل أن يتطرق أحد إلى إمكانية الانسحاب السوري من لبنان، كشف " المجلس" عن الخطة التفصيلية لانسحاب القوات السورية من لبنان، وهو ما حدث لاحقا!
ـ في 26 من الشهر نفسه، وقبل أن تتحدث أسبوعية Newsweek عن الأمر، كشف " المجلس" عن تسليم سبعاوي التكريتي للعراق ووضع الآخرين تحت الإقامة الجبرية بانتظار تسليمهم!
ـ في الثالث من الشهر الجاري، كشف " المجلس " عن " اختفاء طن من المتفجرات من أحد مستودعات الجيش السوري في لبنان مشابهة لتلك التي استخدمت في اغتيال الحريري ". وجاء تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية في اغتيال الحريري أول أمس ليتحدث حرفيا عن أن زنة العبوة المستخدمة في الجريمة هي " طن واحد ". (لا يعني بالضرورة أن المتفجرات المفقودة هي نفسها المستخدمة في العملية، ولكن ليس الأمر دون مغزى)!
ـ في الخامس من هذا الشهر، تحدث " المجلس " عن أن القيادة السورية أعطت التوجيهات لحزب الله بفتح ملف القرى اللبنانية السبع التي احتلتها إسرائيل في العام 1949 إذا انسحبت هذه الأخيرة من مزارع شبعا فجأة وانتهى المبرر المعلن الذي يتمسك به الحزب المذكر لرفض نزع سلاحه. وبعد حوالي عشرة أيام تحدث قادة حزب الله عن انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا لا يعني أن الصراع قد انتهى، فهناك " القرى السبع "!
ـ في الثاني والعشرين من الشهر الجاري كشف " المجلس " عن بعض المعلومات التي " سيتضمنها " تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في قضية اغتيال الحريري. وحين نشر التقرير أول أمس فوجئ المتابعون بأن أكثر من 90 بالمئة مما كشفه " المجلس " تضمنه التقرير فعلا (بدءا من بعض التفاصيل التقنية، وانتهاء بالتوصية بتشكيل لجنة تحقيق دولية، مرورا بحكاية شريط " الجزيرة " عن الإرهابي المزعوم أبو عدس)! وقد تولت "إيلاف " نشرجميع هذه المعلومات تقريبا في حينه نقلا عن " المجلس".
ـ أخيرا، وليس آخرا، وفي العشرين من الشهر الجاري، نشر " المجلس" بيانا إثر انفجار الجديدة شرقي بيروت، أشار فيه إلى أن الانفجار " الذي وقع في وقت مبكر من صباح اليوم في حي " الجديدة " والذي ـ بكل أسف ـ لن يكون الأخير ولا الأقوى ولا الأخطر. فمن لديه " بقرة حلوب " قضى ثلاثين عاما في تعهدها بالرعاية لتدر عليه عشرات الملايين من الدولارات في النشاطات المشبوهة، لا يمكن له أن يتخلى عنها ببساطة. وسنذكر بعضنا بعضا بهذا الأمر في الأيام والأسابيع القليلة القادمة!
ومرة أخرى ـ بكل أسف ـ لم تجانب هذه البيانات الحقيقة، إلى درجة أرغمت فيه بعض الجهات الغربية حسب معلوماتنا إلى الاتصال بـ " المجلس" للاستئناس بمعلوماته التي لفتت الانتباه، وجعلت ـ بالمقابل ـ بعض متبني نظرية المؤامرة في المعارضة السورية والنظام السوري يذهبون إلى حد اتهام " المجلس " بأنه " على صلة بالدوائر الدولية التي تعمل على تفجير الفتنة في لبنان لضرب سورية، وإلا كيف بالإمكان تفسير هذه الدقة في المعلومات "، كما كتب أحد المعارضين متسائلا!
هذه الأمور وجدتها مبررا كافيا بذاته لإيراد هذه المقدمة الطويلة، فضلا عن التوجه إلى نيوف، " الدينامو الإعلامي " الذي يقف وراء منظمته التي تحولت إلى " وكالة أنباء"، وإجراء هذا الحوار معه في منزله بباريس حيث كان يتابع اتصالاته مع زميلته في إيطاليا لمعرفة آخر التطورات بشأن ترجمة ونشر الجزء الأول من كتاباته في السجن " دفاتر السجن " إلى الإيطالية، وهو بعنوان " الأمير السوري الحديث ـ مساهمة في دراسة ديناميات الانتقال من الدولة الديكتاتورية البونابرتية إلى الدولة الديمقراطية ". وفي هذا الحوار المطول، الذي تكرم الاستاذ عبد القادر الجنابي (مسؤول القسم الثقافي في إيلاف) بوضع العديد من أسئلته المحورية، يلقي نيوف الضوء على العديد من القضايا السورية الراهنة في إطار التطورات الأخيرة، والاتجاهات المحتملة التي يمكن يتخذها التغيير في سورية، وما يمكن أن يتمخض عن المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم المرتقب انعقاده في حدود شهرين من الآن. فضلا عن قضايا أخرى تتصل بدور الولايات المتحدة في التغيير والموقف من العلاقة معها، و "مراكز القوى" في النظام السوري والمسار أو المسارات المحتملة التي يمكن أن يتخذها التجاذب فيما بين هذه المراكز. إضافة لموقع الطائفة العلوية في هذا المشهد كله، والتي ينحدر نيوف منها كما هو معروف، ولو أنه يصر على التأكيد بأن " لا انتماء دينيا له ". لكن كان من البدهي أن يكون سؤالي الأول:

* من أين لك / لكم هذه المعلومات التي تنشرونها، والتي لفتت الخصوم والأصدقاء على حد سواء ؟
- لنا مصادرنا الخاصة داخل البلاد وفي العواصم التي تصنع القرار، خصوصا في الوقت الراهن. ومن المؤكد أن فهمنا الخاص الذي ننفرد به لطبيعة النظام وديناميات اشتغاله،فضلا عن السياق الراهن للمعادلات السياسية والاستراتيجية خصوصا في الشرق الأوسط وموقع النظام السوري منها، تساعدنا في تركيب وتحليل هذه المعلومات ووضعها في سياق أقرب ما يكون إلى المنطق. ولا تكفي المعلومات بذاتها للوصول إلى استنتاجات صائبة إو قريبة من الصواب. إذ لا بد من توفر منهجية معينة لذلك، وإلا يتحول الأمر إلى مجرد حرب شائعات أو حرب نفسية سرعان ما يتبين بهتانها وتهافتها.

* ولكن أحد المعارضين السوريين القوميين من دعاة حقوق الأنسان ادعى أن بعض من هم في أجهزة المخابرات السورية يسربون لكم معلومات مغلوطة كنوع من نصب الفخاخ لتوريطكم لاحقا في نشر معلومات " كاذبة "!
- لو كان الأمر كذلك لما كان 90 بالمئة مما نكشف عنه لا يتأخر أكثر من أسابيع قليلة، وأحيانا أقل من ذلك، لثبوت صحته ودقته، على الأقل في خطوطه العامة.

* وقضية الأسلحة العراقية المزعومة ؟ أعني ألم تكن فخا نصب لكم ونال من مصداقيتكم ؟
- أبدا. فنحن لا نزال نصر على صحة ما قلناه.

* حتى بعد أن صدر تقرير لجنة المسح الأميركية ـ البريطانية الذي نفى وجود هذه الأسلحة لدى النظام العراقي؟
- نعم. وعلينا أن ننتبه، وهذا للأسف لم ينل نصيبه الجدير به من الملاحظة والاهتمام، إلى أن تقرير المسح الذي أشرت إليه لم ينته إلى نتائج قاطعة، بل ترك الباب مفتوحا دون نتائج حاسمة. وفي تقديري إن الملف سيعاد فتحه حين يفتح " الملف السوري " جديا من قبل واشنطن. أعني حين سيتخذ قرار بإسقاط النظام السوري.

* ولكن ألم تكن مصلحة الرئيس بوش أن يقدم أدلة على وجود هذه الأسلحة، خصوصا في حملة الانتخابات الرئاسية الماضية حين اتهمه كيري بالكذب في قضية هذه الأسلحة ؟
- علينا أن نتذكر أن إدارة بوش الأولى كانت أسيرة تجاذب وتنافر التوجهات التكتيكية والاستراتيجية بين وكالة المخابرات الأميركية والخارجية من جهة، والبنتاغون والمخابرات العسكرية التابعة له من جهة ثانية، فيما كان البيت الأبيض يلعب دور بيضة القبان. الجهة الأولى كانت، ولا تزال حتى بعد التغيرات التي حصلت في تركيبهما إثر انتخاب الرئيس بوش لولاية ثانية، ترفض أفكار " المحافظين الجدد " ودعوتهم لإسقاط النظام السوري. فيما الجهة الثانية لا منطق لها ولا خططا يعتد بها لديها، والشيء الوحيد الذي تعرفه هو زراعة الفوضى، وما قاموا به في العراق خير دليل على ذلك. فممارساتهم وقرارتهم الغبية والمجنونة التي اتخذوها قبل إسقاط النظام وبعده هي السبب في 90 بالمئة من حالات الوضع الإرهابي الراهن في هذا البلد. وقد اعترفوا بالكثير من ذلك. وعلى أي حال، علينا أن نتذكر الوقائع التالية : الجميع يعرف أن لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة اكتشفت أواخر التسعينيات وجود 134 صاروخا مشحونا بالرؤوس الكيماوية. وقد شاهد العالم على شاشات التلفزيون تدمير عدد منها. وقد توقف الأمر بعد ذلك دون تفسير واضح. لكن هذه اللجان وعدت باستئناف تدميرها بعد التوصل مع النظام العراقي إلى اتفاق حول الفترة الزمنية التي يجب أن يستغرقها الأمر، وهذا لم يحصل أبدا. السؤال / الأسئلة الآن : أين ذهبت بقية الصواريخ التي لم يجر تدميرها وهي أكثر من مئة صاروخ ؟ أما الواقعة الثانية فتتصل بالفيلم الوثائقي الذي أعده الصحفي البريطاني الشهير روبرت كوين، وهو صديقي بالمناسبة. (هنا يقوم نيوف ويضع شريط الفيلم في جهاز الفيديو، والذي يتعلق بقضية الزئبق الأحمر الذي بيع للعراق من شركات روسية). لقد أثبت كوين بما لا يدع مجالا للشك، وعبر لقاءاته الموثقة مع خبراء وعلماء في روسيا وألمانيا وغيرهما أن قضية الزئبق الأحمر حقيقة وليست خرافة. وقد تعاطت معها كافة أجهزة المخابرات الغربية ، بما فيها الألمانية والبريطانية والفرنسية، بجدية بالغة. ولكن، فجأة تم إغلاق الملف! لماذا ؟ الواقعة الثالثة تتعلق بالتصريحات الخطيرة التي أدلى بها رئيس فريق التحقيق الأميركي في الأسلحة العراقية، دافيد كي، لصحيفة Telegraph البريطانية في الخامس والعشرين من كانون الثاني / يناير 2004. أي بعد عشرين يوما فقط على مقابلتي مع التلفزيون البريطاني حول هذه القضية، والتي استدعت ردا عاجلا عليها من كوندوليزا رايس من مكسيكو حيث كانت برفقة الرئيس بوش في زيارة رسمية، أكدت فيه أنه " سيتم تفحص ما قاله المعارض السوري بجدية ". والجميع يتذكر أن ديفيد كي أكد على أن فريق التحقيق (و هنا يخرج نيوف مقابلة ديفيد كي مع هذه الصحيفة لنقرأها معا) " حصل من تحقيقه مع مسؤولين عراقيين على وثائق تؤكد تهريب مكونات أسلحة محظورة إلى سورية ". وبعد بضعة أيام انقلب ديفيد كي 180 درجة، وراح يهاجم الإدارة الأميركية ويتهمها بالكذب! الموقف الأكثر مهزلة وسخرية أن لجنة الأمن والقوات المسلحة في الكونغرس، التي استمعت إلى شهادات حول هذه القضية، وكانت كلها منقولة على الهواء مباشرة،وقد تابعتها كلها لحظة بلحظة، لم تكلف نفسها أن تسأله ولو سؤالا واحدا عن تصريحاته للتيلغراف وانقلابه بعد عدة أيام على موقفه!

* ولكن، برأيك ما هو سر هذا الانقلاب الدراماتيكي في موقف ديفيد كي ؟
- الموضوع لا يتعلق برأيي، بل بما قالته أوساط أميركية علانية عن أن ديفيد كي " باع نفسه " لوكالة المخابرات الأميركية التي " كان يشتغل معها سرا ضد البنتاغون " وفق ما ذكرته هذه الأوساط. وكما أشرت أعلاه، كانت الخارجية والسي آي إيه، ولا تزالان (وهما بالمناسبة فريق واحد)، تعملان للحيلولة دون وضع أي معلومات أو وثائق من شأنها المساهمة في تأجيج موقف البنتاغون و " جماعة " نائب الرئيس ديك تشيني إزاء النظام السوري، وهو المتأجج أصلا. بل على العكس من ذلك تماما، حاولتا، ولا تزالان تحاولان، إقناع الجهتين المشار إليهما بأن النظام السوري يتعاون أمنيا معهما بإخلاص فيما يتصل بالملف العراقي وملف الإرهاب عموما. وهذا ما أشادت به بثينة شعبان (الوزيرة السورية) مرارا وتكرارا حين تحدثت بتبجح مقزز عن أن وكالة المخابرات الأميركية تتفهم الموقف السوري بشكل جيد. وهذا ما تحدث عنه أيضا الرئيس السوري في مقابلته اليتيمة مع النيويورك تايمز!

* ولكن الأوضاع تغيرت الآن، خصوصا بعد القرار 1559 واغتيال الحريري والانعطاف الجذري في الموقف الأميركي من النظام السوري. فما الذي يمنعهم من فتح الملف؟
- لا تقل " بشكل جذري ". الموقف الأميركي من النظام السوري ـ ورغم كل هذا الصخب الذي تراه ـ لم يتغير على الإطلاق في جوهره . ونستطيع أن نقول إنه تغير جذريا، فقط حين يتخذ قرار بإسقاطه وتبدأ الولايات المتحدة تعد العدة جهارا وعلانية من أجل ذلك. وهذا له أعراض لا تقبل الاختلاط بأعراض أخرى، أولها الشروع ببلورة بديل ملموس لنظام دمشق عبر جمع معارضين سوريين فعليين ذوي وزن سياسي واقتصادي واجتماعي، وطائفي إذا شئت، يتمتعون ولو بحد أدنى من القبول الشعبي والإرث النضالي في مقاومة الديكتاتورية، ومن ثم " إرغامهم " على بلورة " كيان سياسي " معين يتولى قيادة العملية الانتقالية. وقبل ذلك عليها أن تبدأ بما يسمى " جس نبض" النظام أو " الخلخلة الاختبارية " لمعرفة مدى تماسكه. وذلك عبر محاولة قلبه من داخله كأقصر الطرق وأقلها كلفة من الناحية السياسية والديبلوماسية والأمنية، على الولايات المتحدة نفسها وعلى المنطقة بشكل عام. وهذا كله لم يحدث منه شيء على الإطلاق حتى الآن، لأن الإدارة الأميركية تعرف جيدا أن خيارها الراهن في سورية ينوس بين " نظام بشار الأسد " و " الفوضى ". أما إذا كان خيارهم هو الثاني (الفوضى)، فبإمكانهم التحرك فورا! لكن لا أظن أن حماقتهم وصلت بهم إلى حد عدم الاستفادة مما حصل في العراق رغم كل " الاستعداد ات " التي اتخذها هناك.

* ولكن، ها هي الخارجية الأميركية تستقبل معارضين سوريين بحضور مسؤولين من البنتاغون والبيت الأبيض. أعني أن "جناحي" الإدارة كليهما اجتمعا أخيرا على الاتصال بالمعارضة السورية. ألا ترى في ذلك انقلابا استراتيجيا في موقف الإدارة الأميركية، بمختلف " تياراتها "، إزاء مسألة تقويض النظام السوري؟
- أبدا. ولا تنس أني تحدثت عن معارضين فعليين لا عن هواة سياسيين لا يعرفهم أحد، اللهم باستثناء اثنين منهم نظرا لنشاطهم الثقافي والأكاديمي. ولا يقلل هذا أبدا من قيمتهم كأشخاص وأفراد، لكن ليس كسياسيين. اللقاء كان عبارة عن " عراضة " إعلامية، كما نقول في لهجتنا السورية، أرادت منه واشنطن توجيه رسالة للنظام السوري مفادها أن الإدارة الأميركية بدأت تفكر جديا بالبحث عن بديل له. يعني مجرد " فزاعة " تضاف إلى جملة " الفزاعات " الأخرى. والنظام السوري يعرف ذلك جيدا، ولهذا ليس قلقا كثيرا، على العكس مما يزعم البعض ممن صوروا النظام وكأنه يتبوّل في ملابسه من شدة الخوف! كما أن اللقاء جاء بعد أن أفلست الإدارة الأميركية في استقطاب أي معارض سوري، سواء داخل البلاد أم خارجها، يتمتع ولو بالحد الأدنى من المقبولية أوالسمعة النضالية في الكفاح ضد النظام الديكتاتوري في سورية، سواء في الوسط اليميني أو اليساري أو حتى الليبرالي. وأكرر هنا أن هذا لا يقلل من قيمة هؤلاء المعارضين كأشخاص. ولكن هناك فرقا كبيرا جدا بين السياسة والعلاقات العامة. أو كما يقول الفرنسيون، بين " السياسة المؤنثة " La Politiqueكفعل ممارسة و " السياسة المذكرة " Le Politique كمؤسسة وبنية إدارية. لقد رفض حتى رجال الأعمال السوريون الحقيقيون الذين اتصل بهم البنتاغون داخل سورية وخارجها (أعني داخل الولايات المتحدة نفسها)، التنسيق مع واشنطن. وأعني برجال الأعمال هؤلاء، أؤلئك الذين لم يولدوا في ركاب المافيا السلطوية. ونحن نعرف ذلك جيدا، ولدينا قائمة بجميع من اتصل بهم الأميركيون، سواء في دمشق أم الخارج. جميعهم رفضوا التحاور مع واشنطن. كل لأسبابه الخاصة بالطبع. ولكن الجميع كانوا مجمعين على أن الأميركيين لا يتمتعون بأي مصداقية، خصوصا بعد أن ثبت بالدليل القاطع أنهم سلّموا رقبتي ضابطين سوريين لسكاكين النظام السوري حين حاولا الانشقاق عن النظام. وقد دفع الضابطان حياتهما ثمنا للخيانة الأميركية. أي أنهم فعلوا بهم تماما كما فعلوا سابقا بالضباط العراقيين الذين سلموا رقابهم لسكين صدام حسين حين طلبوا المساعدة من واشنطن لتنفيذ انقلاب ضده.

* ولكن هذا كلام خطير جدا. هل يمكن أن نعرف اسم الضابطين؟
- الأمر لم يعد سرا. خصوصا بعد أن فضحنا الموضوع، وقد نشرت " إبلاف " ما قلنان بهذا الصدد. فبعد إسقاط النظام العراقي، بادر اللواء مصطفى التاجر، نائب رئيس شعبة المخابرات العسكرية في سورية، إلى الاتصال بالأميركيين (في حزيران / ينيو 2003) عبر ضابط الأمن الإقليمي في السفارة الأميركية بدمشق ميشيل ماك Michael Mack الذي كان يزور اللواء التاجر بانتظام في مكتبه، على اعتبار أن هذا الأخير كان مكلفا رسميا كـ "ضابط اتصال" مع الجهات الأميركية فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب وملف حزب العمال الكردستاني. ولدي تسجيل صوتي لأحد الديبلوماسيين السوريين السابقين يؤكد ذلك (هنا ينهض نيوف ويضع قرص CD في الكومبيوتر ونسمع صوت القنصل السوري السابق في أحد الدول الخليجية(م)، الذي كان يعمل بإشراف اللواء المغدور كما يقول بصوته). ووفق ما يقوله بعض الرسميين الأميركيين، والقنصل المشار إليه، فإن التاجر قدم لميشيل ماك معلومات مفتاحية حول الأموال العراقية التي هربت إلى سورية ولبنان، وقائمة بأسماء المسؤولين السوريين واللبنانيين الذين اتهمهم اللواء التاجر بالتورط في العملية : غازي كنعان وجميل السيد (مير الأمن العام اللبناني) وكريم بقرادوني (زعيم حزب الكتائب) وإيميل إيميل لحود (النائب، ونجل الرئيس اللبناني). وفي أواخر آب / أغسطس من العام المذكور، وحين كان اللواء التاجر يقضي إجازة استراحة في مزرعة المنصورة التي يملكها في حلب،وضعت له (عن طريق أحد حراسه الذي كان يعمل مع جهاز مخابرات سوري آخر) مادة الأكونتين في كأس العصير الذي يتناوله حين يأخذ دواء خاصا بالمشكلة القلبية التي كان يعاني منها. وقد قتل بعد أن فشل مشفيان في مدينة حلب في إنقاذه. وقد أكد لنا طبيب يعمل في المشفى الثاني الذي أسعف إليه التاجر " أن جميع الأعراض التي كانت بادية عليه تؤكد أنه تجرع مواد سمية. لكننا لم نتجرأ على قول ذلك لمرافقيه، لأن نص التقرير الطبي فرض علينا فرضا ".

* هل تريد أن تقول إن غازي كنعان هو المتورط في قتله باعتباره أحد المتهمين بالتواطؤ في عملية تهريب الأموال العراقية؟
- ليس أنا من قال ذلك. ولكن هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي توصل إليه فرنسيون معنيون بالصراعات غير المرئية بين "مراكز القوى" في النظام السوري.

* ومن هو الضابط الآخر؟
- علي فاضل (ضابط من قرية عين البيضا في محافظة اللاذقية)، وقد عمل لسنوات طويلة في المخابرات العسكرية في لبنان كان في إحدى مراحلها مقربا جدا من غازي كنعان، ولديه وثائق ومعلومات تقشعر لها الأبدان عن جرائم المخابرات السورية في لبنان. وفي أيلول / سبتمبر الماضي، وبعد أن اقتنع بالهرب بالتنسيق مع كريستوف آيشام رئيس قسم التحقيقات في قناة CBS الأميركية وروبرت كوين المذكور أعلاه، اعتقلوه مع زوجته الكردية السيدة سوسن حسن. وفي 28 كانون الثاني / يناير الماضي توفي في مشفى تشرين العسكري بدعوى فشل العملية الجراحية التي أجروها له في القلب. علما بأنه ـ وكما أكد أفراد أسرته ـ لم يسبق له أبدا أن شكا من أي علة قلبية مهما كانت بسيطة!!

* ولكنكم اتهمتم في أحد بياناتكم المخابرات الفرنسية بالوشاية به، ثم عاد البعض ليتحدث عن أن فريد الغادري، الذي سبق له أن أخذ اسم الضابط منك، هو الذي أرسل رسالة فاكس للسفارة السورية في باريس (باسم فاعل خير) يخبرهم فيه بموضوع علي فاضل كي يحرمك من تسجيل كسب إعلامي ومعنوي من تدبير انشقاق ضابط ، بعد أن يئس من أن قبولك بمصالحته!
- بالنسبة لاتهام المخابرات الفرنسية، هذا صحيح. لقد اتهمناهم فعلا بذلك استنادا إلى معلومات مؤكدة بأنهم كانوا يراقبون جميع مكالماتي مع روبرت كوين وكريستوفر آيشام ولقاءاتي بهما في باريس، وكانوا (أقصد الفرنسيين) يتخوفون فعلا من انشقاق ضابط سوري لديه معلومات ووثائق عن " الملف العراقي "، لأن سجلهم هناك (مع نظام صدام) غير نظيف كما يعرف الجميع، وأنهم قايضوا مصير الصحفيين الفرنسيين المخطوفين بمصير علي فاضل. لكن تبين لنا لاحقا أن الفرنسيين كانوا يراقبون وحسب. وفي مطلق الأحوال، وهذا ما يجب التأكيد عليه، نحن لم نكن نحاول تهريب المرحوم علي فاضل لصالح جهة أمنية، ولكن لصالح القناة التلفزيونية المذكورة، من أجل إعداد أربعة أفلام وثائقية تكلفت أنا بإعداد سيناريوهاتها مدعمة بوثائق علي فاضل وشهادته، أحدها عن علاقة النظام السوري بالنظام العراقي، والثاني عن جرائم المخابرات السورية في لبنان، والثالث عن التعذيب في السجون السورية، والرابع عن سياسة التطهير العرقي ضد أكراد سورية. ولم يتم ذلك إلا بعد أن حصلت من القناة المذكورة على كل ما يكفل لجوءه مع أسرته إلى بلد أوربي، وتأمين الحياة الكريمة لهم بالاعتماد على برنامج " أمني ـ اقتصادي " تتبناه القناة ويقوم مبدؤه على ضمان كل ما يتعلق بأمن ومعاش "المصدر" حين يكون مهددا. بمعنى أن مشروعنا كان صحفيا بحتا من ألفه إلى يائه. وبالنسبة لرسالة الفاكس، فالواقعة صحيحة أيضا. ولكن لا أعتقد أن فريد الغادري كان وراءها، حتى ولو كان لديه الدافع الذي تحدثت عنه، على الأقل لأنه لم يكن يعرف سوى الاسم الأول للضابط، وقد ذكرته أمامه ذات مرة بزلة لسان، فأنا - رغم فوضويتي الذي يتهمني البعض بها ـ لا أرتكب خطأ أمنيا من هذا النوع.

* ولكن من أين حصل الأميركيون على اسمه وعرفوا أنه أحد مصادرك الأمنية، إذا لم يكن الفرنسيون أو الغادري مسؤولين عن ذلك؟
- لا أعرف، ولا يزال هذا الأمر لغزا غامضا بالنسبة لي. والواقع أني صعقت حين قدمت لي ديبلوماسية أميركية اسمه وسألتني عما إذا كان هو مصدري. ورغم هول المفاجأة، تمالكت أعصابي وتصنعت البرود مؤكدا لها أنه لم يسبق لي أن سمعت بهذا الاسم!

* ولكن، لماذا كنت حريصا على عدم إطلاع الأميركيين على علاقتك به أو بمصادرك الأمنية الأخرى؟
- للسبب الذي ذكرته أعلاه. أعني لأني أعرف جريمتهم مع الضباط العراقيين وكيف سلموا مصيرهم لصدام كي يجز رقابهم، ولأني كنت أعرف حكايتهم القذرة مع مصطفى التاجر (بغض النظر عن كونه أحد أشرس الجلادين في تاريخ المخابرات العسكرية السورية)، ولأني أعرف أنهم لا يؤتمنون حتى على مصير عنزة أو بيضة ، فهم مجرد "أرطة زعران" [ عصابة زعران ]، ومستعدون لبيع كل شيء والمتاجرة به حين تقتضي مصلحتهم ذلك. فهم لا يقبلون الآخرين شركاء لهم، وإنما مجرد أجراء. ونحن لا يمكن أن نكون "أجراء" إلا للشعب السوري، ولا نقبل أن نستبدل رجل مخابرات سوريا بآخر أميركي. شعارهم الوحيد "نحن أسياد العالم وأنتم ماسحو أحذيتنا" حسب تعبير نوعام خومسكي (بالمناسبة : ليس ناعوم شومسكي، كما يلفظ اسمه في العالم العربي). وهم (الأميركيون)، ودوما أعني بذلك الإدارة لا الشعب، يرفضون التعامل معك إلا بعد أن يقتنعوا بأنك تقبل أن تكون حذاء لهم، حتى ولو مصنوعا من جلد عنزة!

* يدفعني هذا إلى التساؤل عن سبب هذا التبدل المفاجئ في موقفك من الأميركيين، وعلى هذا النحو من القسوة، رغم أن الجميع يعرف أنك كنت أول صحفي عربي يكتب مقالا يدعو فيه الأميركيين لإطاحة صدام، منذ صيف العام 2002!؟
- موقفي لم يتبدل. كنت ولم أزل أراهم كذلك. ولكن لأني أومن بنظرية " الصفر الاستعماري " التي قال بها رياض الترك. أعني نحن جميعا ـ في البلدان التي نعيش فيها تحت نير الاستعمار الداخلي ـ وضعنا تحت الصفر، وإسقاط هذه الأنظمة، حتى ولو على يد الشيطان الرجيم، سيكون أمرا إيجابيا بالمعنى التاريخي، لأنه ينقلك إلى مستوى الصفر، ولأن هذه الأنظمة أسوأ من الشيطان في صورته عند المؤمنين(لا صورت عند جلال صادق العظم!!). وبتعبير آخر، وإذا استخدمنا تعبير هيغل، كل نظام من هذه الأنظمة عبارة عن " جوزة هند " من المستحيل الحصول على لبها إلا بكسرها بقوة خارجية عنيفة. وما لم يحصل ذلك، يتعفن اللب وتبقى القشرة صامدة. ومن ناحية أخرى، أنا لم أركب موجة ما يسمى بالتعويل على الخارج والاستقواء به. فقد كنت ـ دون أي تواضع زائف لا معنى له ـ أول من حاول التأسيس النظري لذلك منذ العام 1988، وأول من أدخل هذا المفهوم إلى العالم العربي، حين أجريت حوارا صحفيا مطولا مع المفكر المكسيكي دوس سانتوس صاحب مفهوم " الكولونيالية الداخلية "، لأحاول ـ بعد ذلك، خصوصا في السجن ـ تطوير المفهوم وربطه بـ " العامل الخارجي " كعامل " حاسم " في أي عملية تغيير بعد العام 1881 ـ التاريخ الحقيقي لبداية توحيد العالم، أو ما يسمى في الأدبيات الماركسية بـ " الإمبريالية ". وحتى قبل هذا التاريخ، كان التدخل الخارجي هو " الحاسم "، بغض النظر عن الشكل الذي قد يتخذه هذا التدخل. هكذا دمرت العبودية الأوربية وولد فيه الإقطاع بفعل غزو القبائل الجرمانية،وهكذا دمر هذا الإقطاع نفسه لاحقا بواسطة التجارة البعيدة مع الحوض الجنوبي للبحر المتوسط، وهكذا تفسخ الإقطاع جنوب شرق آسيا تحت ضربات شركة الهند الشرقية، وهكذا حصل في العالم العربي كله إما بوسائل اقتصادية أو ما فوق اقتصادية (بالعنف). وعلينا أن نعترف أن الاستبداد الشرقي، وبسبب منظومته الثقافية التي تقوم على مفهوم المشترك الجمعي Community وثنائية الراعي /القطيع، تتمتع بقدرة هائلة على الممانعة في وجه أي حركة تغيير داخلية. بمعنى أن هذا النظام (سواء في شكله الاقطاعي / الخراجي Tributary القديم، أو الرأسمالي المافيوي الراهن) يستطيع أن يعيد إنتاج نفسه إلى الأبد إذا لم يتم ضربه من الخارج، والأمثلة أمامك لا تعد ولا تحصى، بغض النظر عن حديث المادية الميكانيكية الماركسية المبتذلة عن " تراكم التغيرات الكمية الذي يؤدي تغيرات كيفية "!

* بمناسبة الحديث عن التدخل الخارجي، ورغم كل هذا الوضوح في موقفك، لماذا يصر السيد حسن عبد العظيم (الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي في سورية) على اتهامك بمناسبة ودون مناسبة (آخرها في حوار أجراه حسام شحادة ونشرته إيلاف قبل عدة أسابيع) بأنك "صنيعة الأمريكان" ؟
- لا أحب أن أرد على السيد عبد العظيم. فهو بلغ من العمر أرذله، وأنت تعرف ما يمكن للمرء أن يهذي به في هذه المرحلة من العمر، خصوصا إذا كان بعثيا أو ناصريا! ويصبح الأمر أكثر كارثية حين لا يكون المرء خارجا من معطف عبد الحليم خدام، كما هي حال السيد عبد العظيم عافاه الله من أمراضه ولوثاته القومجية!

* ولكن البعض يرجع هذا الموقف إلى إقدام الأميركيين على فصل زوجتك من عملها في راديو" سوا" بدبي!
- أنت، أو من يقول ذلك، يقلب النتيجة إلى سبب والسبب إلى نتيجة. فانتصار (العزيزي، الصحفية الأردنية التي أصبحت قصتها معروفة) فصلت في العاشر من كانون الأول / ديسمبر الماضي، بينما قطيعتي مع الأميركيين تعود إلى أواسط الشهر الأول من العام 2004، حين انسحبت من مؤتمر المعارضة السورية في بروكسل وقطعت علاقتي بفريد الغادري، واتخذت عددا من المواقف التي أزعجت الأميركيين، فلم يجدوا ما يثأرون به مني إلا فصل زوجتي، رغم أنها كانت في إجازة حين بث خبر المفقودين اللبنانيين في سورية، والذي أزعج صديقهم بشار الأسد! وهذا النوع من البلطجة لم يمارسه إلا النظام السوري حين أصدر رئيس الوزراء السابق مصطفى ميرو ثلاثة قرارات بفصل إخوتي من وظائفهم كمدرسين، و قرارا حزبيا رابعا بعزل والدي كمسؤول عن الهيئة الإدارية في بلدتنا، لمجرد أنهم رفضوا إصدار بيان وتسليمه للصحافة يعلنون فيه براءتهم مني بوصفي " عميلا للإمبريالية والصهيونية العالمية "!

يتبع