"انا حرة" رؤية حالمة لواقع مريع

أغنية جديدة ترسم صورة متفائلة لعراق الغد

مع المخرج
مي الياسمن تورونتو: يفرض الواقع السياسي العراقي اليوم حالة من الحيرة في تعريف وضع البلد الذي ينظر اليه البعض على أنه تحرر بفعل الأميركيين من قبضة ديكاتور تسلط على رقاب الناس طيلة ربع قرن من الزمن، وتسبب بمآس وشرور لم يعرف مثلها العراقيون من قبل.
وكانت ابرز انجازاته تحويل البلد لإقطاعية خاصة له ولحاشيته يعيثون فيها فساداً ويدمرون كل ما هو اصيل وجميل، بالإضافة لافتعال سلسلة من الحروب التي حصدت ارواح مئات الآلاف من أبنائه وحرمتهم الحق في المستقبل والحياة، ودمرت العراق شعباً واقتصاداً.
ناهيك عن المجازر الجماعية بحق ابنائه في الشمال أو في الجنوب. وتشريد ما لا يقل عن اربعة ملايين عراقي بين اصقاع الأرض ما بين لاجئ ومهاجر.
وسلسلة من الاعدامات والاغتيالات الوحشية التي تقشعر لهولها الأبدان، وحرمان الآلاف من حق التواصل مع الأهل في الداخل -وعلى الأخص ممن كانت لهم مشاكل مع النظام السابق – هؤلاء إختاروا النفي والإنقطاع الكامل عن كل صلة تربطهم بالبلد، خوفاً على حياة ذويهم الذين كان النظام السابق وعلى طريقة قطاع الطرق يعتقلهم ويساوم بهم من هرب اما على العودة وتسليم رأسه او الإجهازعلى القريب انتقاماً منه، ودون تمييز فيما اذا كان القريب المعتقل ظلماً، والدة المنفي او أخته، ابيه او عمه، أو وربما جده الشيخ المريض والعاجز.

بينما ينظر البعض الآخر الى العراق اليوم على انه بلد يرزح تحتحنود المحتل الذي يتحمل مسؤولية زرع الطاغية وتغذيته بالسلاح، والسهر على حمايته بأجهزة مخابراته طيلة عقود البطش، وأنه اتخذ منه ذريعة لإحتلال البلد ونهب خيراته الوفيرة التي حرم منها العراقيون الذين ذاقوا الفقر والذل كما لم يعرفوه من قبل وهم ابناء بلد يعد من اغنى بلاد العالم على الإطلاق. ويحملون الأميركان مسؤولية كل ما يحدث من فوضى وانفلات امني وفرقة وعنصرية.

وسواء كان الفنان من الفريق الأول أو الفريق الثاني فهذا لا يلغي حقه وحريته في التعبير عن احساسه بواقع العراق بالشكل الذي يرتأيه ويشعر به، خصوصاً من كان يقيم في الخارج ويرى انه اصبح بامكانه اليوم ان يعود ليلتئم شمله بأهله الذين فقد التواصل معهم منذ سنوات، وينظر للمستقبل بأمل وتفاؤل، ويرى ان اطياف الشعب باكملها تملك القدرة على التوحد والعيش معاً كأسرة كبيرة تحت خيمة الوطن العزيز.
والشاعر الغنائي محمد الجوراني عبر بطريقته عن مشاعره تجاه عراق اليوم وعراق المستقبل بكلمات اغنية كتبها وحملت عنوان "أنا حرة" يقول فيها:

بعد سنين ... من الاحزان
شفنا بيها... الضيم الوان
بحرقة وشوق... الم ثيابي
وارجع يم ... اهلي واصحابي
ويصبح لي... بوطني عنوان
****

بعد التيه ... وبعد الغربة
تتبدد... الايام الصعبة
وارجع اغفى ... بحضن بلادي
ما بين الجبل
وما بين الوادي
واشتمج يا اطيب تربة
****

انا حرة واعيش حرة
بارض بلادي راح ابقى حرة
انا حرة واعيش حرة
وارض بلادي راح تبقى حرة
****

بلادي الكتبت اول كلمة
ام الخير وام النعمة
باحضان الدنيا رجعت حرة
تمحي الماضي وايام المرة
تغني لباجر باجمل نغمة

****
انا حرة واعيش حرة
بارض بلادي راح ابقى حرة
انا حرة واعيش حرة
وارض بلادي راح تبقى حرة

الفنانة العراقية المغتربة ليندا جورج، قامت بتلحين وغناء كلمات الجوراني بأسلوب جميل عبر عن تناقضات حسية جمعت بين الرقة والفرح والقوة والعنفوان. لحن واداء يجبرانك على ان يقشعر بدنك تاثراً. وربما يأتي تأثري مضاعفاً وانا على عتبة زيارة العراق ، فكانت كلمات الأغنية شبه ترجمة آنية لما يعتمل في داخلي منذ ان اقتطعت تذكرة سفري على الطائرة التي ستحملني قريباً الى احضان وطن غبت عنه 13 عاماً بشكل إختياري لأنني شعرت أنه لم يعد لي فيه شيء فالنظام السابق صادر حتى الهواء الذي كنا نتنفسه، 13 عاماً لم أجد لي تربة تصلح لان امد جذوري بها حتى اليوم، فبقيت في حل وترحال مستمرين كالضائعة ابحث عن شيء ولا أدري ما هو، ومن مثلي كثر.

ليندا جورج فنانة تتمتع بمقومات صوتية رائعة وموهبة متميزة في التلحين، معروفة على نطاق محدود بين الجاليات العربية في بلاد الإغتراب، ومع غياب إعلام عراقي غير حكومي على مدى عقود كان الفنان العراقي المغترب لايجد له مكاناً ولا متنفساً، لكن رياح التغيير شملت كل شيء ومن ضمن تأثيرات التطورات السياسية الأخيرة انفتاح العالم على الفنانين العراقيين والفن العراقي، بالإضافة لاستحداث فضائيات عراقية جديدة تتيح للفنان العراقي الفرصة للتواجد والإنتشار والتعبير، بعد معاناة من الحصار والتهميش دامت قرابة الـ 15 عاماً ، وتحديداً منذ إجتياح صدام للكويت.

دالي الداخل المخرج والمنتج العراقي المقيم في أميركا جمع خيوط هذا العمل ووقعه بصورة مباشرة لكنها مؤثرة في نفس الوقت، وفق من خلالها في ترجمة معاني الأغنية، وقدم فسحة نادرة من الأمل والتفاؤل للمشاهد العراقي الذي تحاصره السوداوية من كل جانب.
كما ركز على عودة عراقيي الإغتراب من خلال متابعته لشاب مغترب يلم ثيابه ويقبل صورة ذويه شوقاً، ويستعد بأمل للعودة الى بلده، نراه يرتمي بين احضان اهله ويغرق معهم في عناق مؤثر.
وتضمن العمل ايضاً صوراً للطفولة التي ترمز للمستقبل، بالاضافة الى تركيزه على وحدة العرب والكرد مجتمعين على ارض الوطن كعائلة واحدة. العمل صور في أميركا وبإمكانيات إنتاجية متواضعة، ويحسب للمخرج والمنتج دالي الداخل جهده في تقديم هذا العمل الفني الذي عبر لنا "انه وجميع الطاقم العامل معه يعتبرونه عربون محبة ووفاء لبلدهم، ولا يخفون سعادتهم الغامرة في انه سيرى النور قريباً".

بالنهاية اتمنى ان تترجم معاني الأغنية لواقع يتيح لهذا البلد العريق بحضارته والزاخر بالخيرات ان يكافئ ابناءه بهدنة؛ تتيح لهم الحلم بالأمان، بيوم يمر دون ان تتطاير اشلاء الاطفال والنساء والرجال بتفجيرات عشوائية تغتال الأمل والبسمة.
تتيح لهم الحلم بالقدرة على التخطيط للغد.
تتيح لهم الحلم بالعمل والعيش الكريم.
فليس لنا الا ان نحلم .. ونعمل بكل طاقاتنا لتحقيق أحلامنا... لنبذ الفرقة والعنصرية التي أخذت تنهش جسد العراق منذ سقوط نظام الديكتاتور السابق ودخول البلاد في فوضى امنية لها اول ولكن لا يعرف لها آخر في ظل قوات (التحرير /الاحتلال) كل حسب رؤيته.
فهل يأتي اليوم الذي نشهد فيه تحقيق أحلامنا؟
... ربما .. من يدري؟!

[email protected]