نشرت إحدي الصحف الحزبية هذا الأسبوع خبرا لا يبدو أنه يحمل من معني غير ما تقول به كلماته‏,‏ وهو أن أحد رجال الأعمال الأمريكيين عرض شراء‏50%‏ من أسهم قناة الجزيرة الفضائية‏,‏ وأن الرجل أجري بالفعل مفاوضات حول هذا الموضوع مع أمير قطر خلال زيارة له لقطر برفقة صديقه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون‏..‏ والحقيقة أن هذا الخبر هو أخطر ما نشر حول الإعلام العربي هذا العام‏.‏ وقد تبدأ خطورة الموضوع تتضح حين نضيف معلومة لم يتضمنها الخبر وقد نشرته جريدة الأهالي‏,‏ وهي أن حاييم صبان رجل الأعمال المعني‏,‏ يحمل الجنسية الإسرائيلية‏,‏ فقد ولد في مصر وهاجر منها إلي إسرائيل ثم ترك إسرائيل إلي الولايات المتحدة‏.‏

ويعتبر صبان أحد أكبر الأغنياء في الولايات المتحدة‏,‏ حيث تقدر ثروته بالمليارات وليس بالملايين‏,‏ لكن الخطير في الموضوع هو أنه أكثر رجال الأعمال الأمريكيين سياسة حسب ما تصفه الصحف الأمريكية‏,‏ أما سياسته فقد حددها بنفسه أخيرا في أحد أحاديثه الصحفية النادرة حين قال لجريدة نيويورك تايمز الأمريكية‏:‏ أنا رجل ليس له إلا قضية واحدة‏,‏ وقضيتي هي إسرائيل‏,‏ وتقول الجريدة إن حاييم صبان صديق شخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون‏,‏ وإنه يتحدث إليه تليفونيا بانتظام‏,‏ وكثيرا ما تمتد مكالماتهما لساعات‏.‏

ولقد حصل صبان علي ثروته الضخمة عام‏1985‏ حين كان في زيارة لليابان واشتري حقوق أحد برامج الرسوم المتحركة للأطفال‏,‏ ثم قام بترجمتها وإذاعتها في الولايات المتحدة بعد أن أقنع قناة فوكس عام‏1993‏ بتقديمها‏,‏ فحققت نجاحا منقطع النظير وكان اسمها مورفين باور رينجرز‏,MorphinPowerRangers,‏ وخلال ثلاث سنوات تراكمت أرباح صبان من هذه الحلقات فقام عام‏1996‏ بمشاركة شركة فوكس‏,‏ وفي العام التالي قامت شركته بشراء قناة الأسرة بمبلغ‏1.9‏ مليار دولار‏,‏ ثم قام في العام التالي ببيع تلك القناة إلي شركة والت ديزني بمبلغ‏5.3‏ مليار دولار‏.‏

وبجميع المقاييس كانت صفقة والت ديزني خاسرة‏,‏ لكنها مكنت حاييم صبان من أن يحقق لنفسه ربما ما قيمته‏2‏ مليار دولار بين يوم وليلة‏,‏ وهكذا وجد نفسه يمتلك قوة كبيرة لا يعرف ماذا يفعل بها‏,‏ فبدأ يتجه للسياسة لأنه ـ علي حد قوله ـ وجد أن التأييد لإسرائيل بدأ يفتر قليلا في العالم منذ أواسط التسعينيات‏.‏

ومن أجل بناء نفوذه السياسي اقترب صبان من الحزب الديمقراطي الذي كان في الحكم وقت رئاسة بيل كلينتون‏,‏ وتبرع للحزب بمبلغ‏7‏ ملايين دولار فكان ذلك هو أكبر تبرع شخصي في تاريخ الحزب‏,‏ وخلال السنوات العشر الأخيرة وصل حجم تبرعات صبان للحزب الديمقراطي إلي‏20‏ مليون دولار‏,‏ وهكذا أصبح صديقا شخصيا لبيل كلينتون الذي كثيرا ما دعاه إلي البيت الأبيض هو وزوجته تشريل‏,‏ وقد باتا الليل خمس مرات في البيت الأبيض في أثناء ولاية كلينتون‏.‏

وقد كان من الطبيعي أن يتبرع صبان لحملة المرشح الديمقراطي جون كيري‏,‏ كما أنه دعاه لمنزله حيث أمضيا السهرة سويا في محاولة واضحة من صبان لاستمالة الرئيس الأمريكي المحتمل إلي جانب إسرائيل التي لا يخفي أنه يكرس نفوذه المالي لخدمة مصالحها‏.‏

علي أن علاقة صبان بقضية الشرق الأوسط ومحاولته التأثير فيها إلي جانب إسرائيل لا تقتصر فقط علي علاقاته الشخصية بالرؤساء الأمريكيين‏,‏ فهو دائم التبرع لإسرائيل‏,‏ كما أنه تبرع في العام الماضي بمبلغ‏13‏ مليون دولار لواحد من أكبر معاهد الدراسات في الولايات المتحدة التي كثيرا ما يلجأ إليها صانعو السياسة الخارجية بالمشورة والرأي والدراسات الخاصة‏,‏ ذلك هو معهد بروكنجز الشهير الذي تأسس فيه الآن ما أصبح يعرف باسم مركز صبان للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط‏,‏ أما عن رأيه في إمكان تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهو يقول‏:‏ إن أي حل لابد سيوجب حربا أهلية علي جانبي الصراع‏,‏ فالسلام لن يتحقق دون إراقة الدماء‏.‏

ويقول الرئيس السابق بيل كلينتون‏:‏ إن حاييم صبان يتميز بالتزام لا يتزعزع تجاه إسرائيل‏,‏ وهو يؤمن بضرورة السعي نحو السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط‏,‏ كما أنه كان دائما خير الداعمين لي في الانتخابات‏.‏

ويتردد في الوقت الحالي أن صبان يعد لصفقة ستشكل صدمة للكثيرين‏,‏ لكنه يرفض الإعلان عنها‏,‏ هكذا نشرت الصحف الأمريكية‏,‏ فهل تلك الصفقة هي قناة الجزيرة العربية؟ أيا كانت‏,‏ فإن المؤكد أن حاييم صبان سيظل يلح علي تلك الصفقة إلي أن يتمها‏,‏ فهذه علي ما يبدو هي طريقته‏,‏ وهذا هو ما فعله حين اشتري حلقات الرسوم المتحركة اليابانية‏,‏ فقد ظل يلح علي بيعها إلي إحدي قنوات التليفزيون إلي أن نجح في ذلك بعد ثماني سنوات كاملة‏.‏

ويقول صبان في ذلك‏:‏ إن هوايتي الوحيدة هي العمل وخدمة إسرائيل‏,‏ فأنا لا ألعب الجولف‏,‏ ولا أجمع الطوابع‏,‏ لذلك فإن مثل هذه الصفقات هي التي تشغل تفكيري طوال الوقت‏,‏ وهو في ذلك يستخدم كل ما لديه من نفوذ سياسي‏.‏

ويروي صبان أنه حين أراد عقد صفقة إعلانات لقناته التليفزيونية فقد دعا القائمين علي هذه الإعلانات في ألمانيا إلي العشاء مع بيل كلينتون في لوس أنجلوس‏,‏ كما يروي أيضا أنه حين أراد شراء إحدي القنوات الأوروبية فقد طلب من السفير الأمريكي التوسط له لدي البائعين‏.‏

ويعتقد صبان أنه في موقف نادر من الناحية المالية‏,‏ فلديه ملايين متعددة لا يعرف ماذا يفعل بها في الوقت الذي توجد هناك بعض الهيئات والمؤسسات الإعلامية المعروضة للبيع لكن لا تستطيع أي جهة منفردة أن تدفع قيمتها‏,‏ لذلك فهو يقتنص هذه الفرص كلما سمع عنها‏,‏ وهو يسعي في الوقت الحالي مثلا لشراء قناة‏ITV‏ البريطانية لينافس بها محطة‏BBC‏ التي يقول إنها موالية للعرب‏(!!)‏

وفي موضوع نشر أخيرا عن صبان في جريدة هيرالد تريبيون الأمريكية‏,‏ نقلت عنه الجريدة أنه يقوم بمسح كامل للسوق الدولية بحثا عن صفقات تزيد من اتساع حدود إمبراطوريته الإعلامية‏,‏ وبالتالي تعمق من تأثيره السياسي‏.‏

وعلي سبيل المثال فقد نجح صبان أخيرا في شراء أكبر قناة تليفزيونية في ألمانيا‏,‏ وذلك حين استطاع أن ينتزعها من المليادير الإعلامي روبرت مردوك الذي كان يحاول شراءها هو الآخر‏,‏ لكن صبان دفع فيها أكثر مما عرضه مردوك فأصبح الآن يمتلك ما يساوي قنوات‏CBS‏ و‏ABC‏ و‏TBS‏ ونيكل أوديون الأمريكية مجتمعة‏,‏ وهو أمر غير مسموح به في الولايات المتحدة بسبب تعارضه مع قوانين محاربة الاحتكار‏.‏

وإذا كان مردوك قد ولد في استراليا‏,‏ فإن منافسه الأمريكي الإسرائيلي ولد في الإسكندرية وعاش بها طفولته إلي أن هجرها مع والديه وشقيقه وجدته إلي إسرائيل علي إثر الهجوم الثلاثي علي مصر عام‏1956,‏ وقد أقامت أسرته في تل أبيب إلي أن هاجر إلي الولايات المتحدة وصار بعد سنوات يمتلك إمبراطورية واسعة التأثير في المجال الإعلامي‏,‏ وها هو يأتينا في الوطن العربي عارضا شراء واحدة من أهم القنوات الفضائية وتطالعنا الصحف بأن رجل أعمال أمريكي يعرض شراء نصف أسهم قناة الجزيرة وأن أمير قطر طلب من شركة برايس ووترهاوس للحسابات تقويم أسهم القناة الفضائية المعروض شراءها‏,‏ فهل صار الإعلام العربي معروضا الآن للبيع لإسرائيل؟‏!‏