محمد ولد المنى: على مساحة أخرى من المسرح العام الفلسطيني، برزت سهى عرفات مجددا، لتظهر إلى جانب زوجها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تناقلت وسائل الإعلام صورتها وهي تمسك بيد الزعيم "الختيار" الذي أنهكه المرض محاولة مساعدته على النهوض وبعض المشي؛ ثم انبرت للدفاع عن القائد الفلسطيني ضد رفاقه الذين قالت انهم "حفنة من المستورثين الذين يريدون دفنه حيا"... فهل شبح المحنة ومرض الرئيس عرفات "العضال" هو الذي عاد بسهى إلى رام الله، ليلتئم شمل الزوجين بعد ما كاد ينفرط؟
ما أن اشتد المرض على الرئيس ياسر عرفات وتردد حديث عن احتمال إصابته بـ"اللوكيميا"، حتى تركت سهى عرفات بيتها وابنتها في باريس وهرعت يوم الخميس 28 أكتوبر إلى زوجها في مقره بمدينة رام الله، وعادت برفقته في اليوم التالي إلى العاصمة الفرنسية، حيث تم إدخاله إلى مستشفى "بيرسي" العسكري التعليمي الفاخر في ضاحية كلامار. وبينما ساءت حالة عرفات ودخل مرحلة غيبوبة عميقة، رفض أطباؤه الإدلاء بأي بيان دون موافقة زوجته سهى، قائلين أيضا إن قرار فصل أجهزة الإنعاش عن الرئيس هو بيد قرينته فقط. أما سهى التي أقامت داخل إحدى غرف المستشفى القريبة من الغرفة التي يرقد فيها زوجها، فظلت تتلقى رسائل ومكالمات هاتفية من رؤساء عديدين وزوجاتهم، للإعراب عن تمنياتهم بشفاء الرئيس المريض.
وقد انتقلت سهى عرفات من مدينة رام الله للمرة الأخيرة في فبراير 2001، أي بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وبعد أيام قليلة من الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية على زوجها في مقره بمبنى المقاطعة. في ذلك المبنى الذي شيده البريطانيون في ثلاثينيات القرن الماضي، وآل إلى السلطة الفلسطينية بعد قيامها عام 1994، أقامت السيدة سهى ست سنوات مارست خلالها دور السيدة الفلسطينية الأولى، واستقبلت زوجات عديد من زعماء العالم، مثل هيلاري كلينتون، وسوزان مبارك، والملكة نور الحسين، وليا رابين...
لكن سهى تركت زوجها في مقره المحاصر، لتعيش متنقلة بين باريس وجنيف والقاهرة وتونس، حيث تملك منازل فاخرة ومساكن لخدمها، وحيث يقال إنها تنفق ملايين الدولارات على تنقلاتها وسفراتها وملابسها وفللها، وان السلطة الفلسطينية خصصت لها نفقات شهرية قدرها 100 ألف دولار، فضلا عن مصاريف الحراسة والسكرتارية والخدم.
ووفقا للصحافة الفرنسية فان سهى مشتبه في تلقيها أموالا "غير شرعية"، وإن محكمة باريس باشرت منذ أكتوبر 2003، إجراء تحقيق لتحديد مصادر نحو 11 مليون دولار وضعت في حسابين مصرفيين باسمها في باريس خلال الفترة بين يونيو 2002 ويوليو 2003، وهي التهم التي ألقت بظلال ثقيلة على مباحثات الاتحاد الأوروبي حول تمويل السلطة الفلسطينية في فبراير الماضي!
وبحسب تقارير صحفية أخرى نشرت أواسط عام 2003، فإن سهى عرفات أشرفت حينئذ على بناء قصر في منطقة الحمامات التونسية الراقية ليكون مقر المنفى الأخير لزوجها، وأن ملايين الدولارات أنفقت على بناء ذلك القصر الذي ترغب سهى في أن يضاهي أفخم القصور الأوروبية التاريخية ويتسع لعشرات الغرف والصالات والملاحق. وأفادت تقارير أخرى أن سهى أجرت اتصالات في صيف عام 2002 بهدف بيع الأرشيف السياسي والوثائق والصور الخاصة بالرئيس عرفات إلى جهات عربية، مقابل ستة ملايين دولار، وأن هذه الوثائق تم بيعها بالفعل!
وتنتمي سهى عرفات البالغة من العمر 41 عاما، والتي كان اسمها سهى الطويل قبل أن يتزوجها ياسر عرفات، إلى واحدة من العائلات البرجوازية الفلسطينية المسيحية؛ فوالدها مصرفي، ووالدتها صحفية ارتبطت بعلاقة طويلة مع منظمة التحرير الفلسطينية. أما سهى فتلقت تعليما فرنسيا وعملت كصحافية في بداية حياتها المهنية، وتعرف عليها عرفات من خلال زيارات مكوكية قامت بها إلى مقره في تونس، بعد أن التقته للمرة الأولى عندما كانت طالبة في السوربون.
ورغم انه عينها سكرتيرة في مكتبه بتونس في بادئ الأمر، فإن المعلومات تتضارب حول تاريخ زواجهما؛ فقد قيل إنه تزوجها سرا في أواسط الثمانينيات حين كانت منظمة التحرير مبعدة من بيروت إلى تونس عقب الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية عام 1982، بينما تؤكد معلومات أخرى انه اقترن بها سرا في عام 1990، في حين تفيد رواية ثالثة انه تزوجها علنا وللمرة الأولى عام 1992.
وقد أنجبت سهى لعرفات ابتنه الوحيدة التي ولدت في مستشفى فرنسي عام 1995، وحملت اسم والدته الراحلة زهوة، لكن وجودها لم يضع حياتهما الزوجية بمأمن عن خلافات عقدها بعض التناقض بين شخصيتيهما؛ فميل سهى إلى الملابس المتحررة وأجواء الحياة الأرستقراطية، لا ينسجم مع عادة زوجها القديمة في ارتداء بزته عسكرية وأسلوب حياته الصارم، لذلك اشتكت مرارا من أن زوجها نادرا ما يقدم لها هدايا أو تحفا، وأنه يعيش حياة عزوبية في الغالب.
وفي إجراء له دلالته، قررت سهى منذ سنتين إنهاء "أية صلة" بوالدتها ريموندا الطويل، فيما تقول انه رد على معلومات "روجتها الوالدة حول خلافات مزعومة تزعزع استقرار بيت الرئيس".
وتتمتع سهى بشخصية قوية وهادئة، لكن عنادها أدى إلى أول تصدع في العلاقة بين عرفات ورفيقه أبو مازن كما ذكرت مصادر فلسطينية، عندما رفض الأخير حضورها إلى جانب زوجها حفل توقيع اتفاق أوسلو في البيت الأبيض عام 1993، كما أن الخلاف العميق بين عرفات والعقيد محمد دحلان، تعود بعض أسبابه إلى معلومات سربها دحلان حول أنشطة مالية لسهى في مكان إقامتها بباريس!
وإن ردت سهى على أقاويل الشارع الفلسطيني جميعا بحقها، فهي لا تخفي قلقها من الذين سيخلفون زوجها في قيادة السلطة الفلسطينية، أيا كانت أسماءهم!