الرسالة التي يبعث بها الاسرائيليون تقول إن منطقة الشرق هي على ابواب انفراج. أذاعوها حتى قبل ان يدفن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فهل صحيح اننا امام تحول تاريخي فقط لأن عرفات اختفى؟
الحقيقة اذا كان الاعتقاد بأن غياب عرفات وحده كفيل بانهاء النزاع والاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية فاننا واهمون بل مقبلون على مشهد اسوأ. عرفات كان طرفا في المشكلة لكن الاطراف الأخرى المسؤولة عديدة، منها الاسرائيلي والفلسطيني والعربي والاميركي الذين تقاعسوا في دفع الحل الى الامام. بالتأكيد غياب عرفات يمثل فرصة ايجابية اذا بدلت الاطراف مواقفها السلبية وقبلت بان تدفع الثمن للوصول الى حل مقبول، اما اذا نقلت المسؤولية كاملة الى خليفة عرفات فانه لن يستطيع ان يتقدم بوصة واحدة الى الامام، وستسد هذه النافذة التي فتحت مع وفاة الزعيم الفلسطيني والتي يمكن ان تنهي الخلافات مع مواراته الثرى.
الاقاويل بان موت عرفات هو نهاية الأزمة محاولة تسويق رديئة كما لو ان القيادة الآتية تستطيع ان تضغط على زر فتضاء انوار ويوقع سلام. الحقيقة اننا بصدد بداية مرحلة حرجة جديدة بسبب الفراغ القيادي، لا الفراغ الاداري السياسي. فتنصيب محمود عباس لاحقا ليكون رئيسا للسلطة الفلسطينية، وتثبيت قريع رئيسا للوزراء، لن يعنيان بالضرورة اننا امام قيادة قادرة على خوض المعركة الصعبة التي مات عرفات عاجزا عن تحقيقها. ولو ظهر لاحقا اننا امام ترويكا فلسطينية تشترك في القرار السياسي فسيعني ان ظل عرفات لم يغب. الزعيم الراحل كان يراعي كل الاحتمالات وبالتالي اختار ان يخسر الفرص الثمينة من اجل ان يكسب الاجماع الفلسطيني. وفي المرات التي قبل فيها اتفاق مدريد ومشروع العودة من اوسلو وكاد ان يقبل بصفقة كلينتون كلها كانت تتعثر لاحقا بسبب حرصه على اجماع شبه مستحيل الحدوث. رجال المرحلة المقبلة قد لا يتنازلون عن الاجماع الذي لا تقدم معه. ولو تقدموا بشجاعة قد تكون البضاعة ارضا محروقة، وتسابقا فلسطينيا نحو التفخيخ والسيارات الانتحارية، ومعركة اكثر دموية مع ضعف قيادي يترك الامور معلقة بلا قرار فعال.
وما سينقل لاحقا عن دبلوماسية الجنازات وحث التجمع القيادي الفلسطيني على تفعيل المشروع السياسي ربما فيه استعجال قد يقضي على القيادة المنتظرة قبل ان تكمل الستين يوما الفاصلة بعد رحيل عرفات. فالقيادة الفلسطينية لن تنجح في أي مشروع طموح كاقامة الدولة الفلسطينية الا اذا كانت قوية على أرضها، وضعف القيادة مشكلة موروثة منذ ايام تأسيس السلطة الفلسطينية ولم تحسم بعد رغم سلاسة انتقال الحكم بدرجة ادهشت الجميع. الامتحان الدموي آت للقيادة الفلسطينية التي سيتحدى سلطتها الخارجون عليها، وستواجه عمليات تمرد داخلية، وسيارات انتحارية في تل ابيب والقدس، وقتلى اسرائيليين بالعشرات، وبيانات فلسطينية تتهمها بالخيانة، وبيانات دولية تتهمها بالعجز، ومنظمات فلسطينية تعلن عزمها على قيادة الشأن الفلسطيني والاقتتال للحصول على شعبية في الشارع الفلسطيني المأزوم والمحبط دائما.