بغداد من جون بيرنز واريك ايكهولم: في الوقت الذي ظلت فيه الوحدات الأميركية تقاتل الناشطين الإسلاميين لتحصل على نتيجة غير واضحة في النجف، بدأت الأحداث في مدينتين سنيتين تقفان ضد الحكومة العراقية المؤقتة باتجاه معارض للخطط الأميركية الهادفة إلى بناء نظام ديمقراطي في العراق، إذ أصبحت كلتا المدينتين، الفلوجة والرمادي مع الجزء الأكبر من محافظة الأنبار خاضعة إلى الميليشيات الأصولية في وقت انحصر فيه الوجود العسكري الأميركي في قواعد محصنة بشكل جيد تقع عند حافة الصحراء. واقتصر التأثير الأميركي على غزوات حذرة تقوم بها عربات مدرعة وعن طريق القنابل الموجهة بالليزر لإلحاق الأذى بمساكن الأعداء الآمنة المشخصة من قبل المستكشفين المتغلغلين بين صفوف الناشطين الأصوليين، بل حتى الغارات الجوية أصبحت كأنها تقوي هذه الميليشيات التي تلوم الأميركيين على قتل المدنيين.
كذلك انهارت الجهود الأميركية الهادفة إلى بناء سلطة حول أعضاء سابقين في حزب البعث. فبدلا من ذلك استقال معظم هؤلاء المسؤولين الموجودين في هذه المنطقة تحت تهديد قطع الرؤوس والاختطاف والترهيب أو تحولوا إلى جانب الأصوليين أو أنهم قتلوا. كذلك وضع العاملون في أجهزة الشرطة والأمن والجيش بمن فيهم ضباط في الحرس الجمهوري السابق أنفسهم في خدمة شيوخ الأصوليين الذين تعرضوا في السابق إلى التعذيب في سجن أبو غريب. وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة تم قتل ثلاثة من الأنصار السابقين لصدام حسين كانوا قد عينوا لمناصب في الفلوجة والرمادي على يد الناشطين الأصوليين وحلفائهم البعثيين. إذ تم قطع رأس رئيس لواء الحرس الوطني في الفلوجة على يد الناشطين وهذا ما آل إلى تفكك قوات الحرس في المدينة. وفي الأنبار أجبر المحافظ على الاستقالة بعد اختطاف أبنائه الثلاثة. أما المسؤول الثالث الذي يحتل منصب رئاسة الشرطة في الرمادي فإنه عمل سرا مع المتمردين بعد تعرضه لثلاث محاولات اغتيال وقد تم اعتقاله من قبل جنود المارينز في الفترة الأخيرة.
وأجبر آمر الحرس الوطني ومحافظ الأنبار على تقديم اعترافات مهينة أدانوا فيها أنفسهم باعتبارهم «عملاء» على كاسيتات فيديو تباع حاليا في أسواق الفلوجة بأقل من دولار للنسخة الواحدة. وتظهر الكاسيتات رجالا ملثمين وهم يقطعون توسلات آمر الحرس الوطني بقطع رأسه بينما ظهر محافظ الرمادي وهو يذرف الدموع معلنا توبته عن العمل مع «الأميركيين الكفرة» ثم تمت مكافأته بإعادة أبنائه له.
وفي فيلم فيديو آخر يباع في أسواق الفلوجة يظهر رجل يعرف نفسه بأنه مصري يقوم بالركوع وهو يرتدي قميصا مزهرا ليعترف بأنه يعمل «جاسوسا مع الأميركيين» حيث كان يضع «رقائق» إلكترونية في أماكن معينة كي تكون أهدافا لاحقة للغارات الجوية الأميركية، وقال الرجل إنه دفع له مبلغ 150 دولارا لكل رقيقة كان يزرعها، وتم قطع رأسه هو الآخر بعد أن أجبره رجلان على وضعه على الأرض ليقوم ملثم ثالث بقطع رأسه بسكين بعد سحب فروة رأس المصري بيده ثم جزه تماما.
ويشكل الوضع عبر محافظة الأنبار آخر نكوص لقوة المارينز الأولى للعمليات الخاصة والتي كانت تسعى لفرض السيطرة على الفلوجة من خلال الهجوم الذي وقع على الفلوجة والرمادي في الربيع الماضي والذي ترتب عليه وقوع أكبر خسائر للأميركيين في الحرب ومقتل مئات من سكان الفلوجة بين مدنيين ومقاتلين. وانتهى الهجوم بشكل فاجع بالنسبة للمارينز حيث صدر قرار بالانسحاب من المدينتين وأمل الأميركيين بالاعتماد على بعثيين سابقين لإدارة المدينتين.
كان الاستنتاج الأميركي هو أن أي انتصار عسكري في هاتين المدينتين لن يتحقق إلا بعد مسحهما وبدا أن أفضل حل هو تسليم مواقع وظيفية مهمة في المدينة إلى أنصار سابقين للحكومة المخلوعة والذين سيعملون تدريجيا لانتزاع السيطرة على المدينتين من يد الناشطين الأصوليين الذين ظهروا من الظل لبناء معاقل قوية لهم هناك. وجاءت قمة هذا الأسلوب حينما تم تجميع ما عرف بلواء الفلوجة الذي كان يقوده جنرال من الجيش السابق ويتكون بالدرجة الأولى من جنود سابقين ومتمردين، وهؤلاء مشوا إلى المدينة في بداية مايو الماضي وهم يرتدون الملابس العسكرية القديمة ومدعومين بأسلحة ونقود أميركية.
ويتحدد مركز الناشطين الأساسي في الفلوجة بمسجد يقوده رجل دين عراقي اسمه عبد الله الجنابي، وهذا أنشأ حكما شبيها بحكم طالبان في المدينة حيث يتم اعتقال أولئك المشكوك في قيامهم بالسرقة والاغتصاب ثم معاقبتهم علنا بالجلد وفي بعض الحالات بقطع رؤوسهم. لكن يبدو أن الجنابي يعمل ضمن تحالف مع مجموعة ناشطة أصولية هي الاتحاد والجهاد التي تقول الاستخبارات الأميركية عنها إنها أداة بيد مصعب الزرقاوي الإرهابي ذي الأصل الأردني والذي له علاقة مع «القاعدة». ويتهم الأميركيون هذه المنظمة بمسؤوليتها عن الكثير من التفجيرات في بغداد التي لا تبعد أكثر من 35 ميلا عن الفلوجة وفي مدن عراقية أخرى.