القاهرة: داخل شقة بإحدي العقارات القديمة في وسط القاهرة يتجمع نحو‏25‏ شخصا هم سكان الشقة المستأجرة مفروشة‏..‏ التجمع ليس بهدف قضاء سهرة ولكن بهدف العيش تحت ظل سقف لمجموعة من طالبي اللجوء السودانيين في القاهرة‏,‏ والذين يضطرهم ضيق ذات اليد إلي المشاركة في السكن بهذه الصوة انتظارا لتحسن الأوضاع ووجود فرصة عمل أو توظيف في بلد ثالث لكي يبدأوا حياة مستقلة بعيدا عن أن أوطان هربوا منها ولكنهم لم يجدوا حتي الآن البديل الآدمي‏.‏
من رحم مثل هذه الظروف المعيشية السيئة تفجرت أحداث المواجهات بين قوات الشرطة والمتظاهرين من طالبي اللجوء السودانيين ظهيرة يوم الأربعاء الماضي‏.‏

وحسب بيان وزارة الداخلية فان المتظاهرين طالبوا بالغاء قرار مكتب المفوضية العليا لشئون اللاجئين الصادر في يونيو الماضي بوقف التعامل مع اللاجئين لمدة ستة أشهر‏.‏
ويمضي البيان في سرده لأحداث المواجهات بالقول إن مديرة مكتب المفوضية أجرت اتصالا هاتفيا مع مدير إدارة شئون اللاجئين بوزارة الخارجية المصرية أبلغته بعدم استعداد أي من مسئولي المفوضية للقاء السودانيين المجتمعين أمام المقر‏,‏ وطلبت تدخل أجهزة الأمن لصرفهم حيث استخدمت قوات الشرطة القنابل المسيلة للدموع في تفريقهم‏,‏ ويضيف البيان أن المتظاهرين حاولوا أكثر من مرة دخول المفوضية بالقوة وعندما تصدت لهم قوات الشرطة بادروا بالاعتداء علي رجال الأمن بإلقاء الحجارة وضربهم بقطع حديدية مما أسفر عن إصابة‏20‏ من رجال الشرطة و‏17‏ من المتظاهرين الذين حملوا لافتات بمطالبهم المتمثلة في ضرورة المعونات العاجلة والموافقة علي توظيفهم في بلاد أوروبية وأمريكية‏.‏

الطرفان في موقف الدفاع
أحداث العنف التي بددت الهدوء في شارع الفواكه بالمهندسين حيث مقر مكتب المفوضية جعلت طرفي الموضوع الأساسيين وهما اللاجئين ومسئولي المفوضية في موقف الدفاع عن النفس‏.‏
أمام نيابة شمال الجيزة التي أمرت بحبس‏22‏ متهما لمدة‏15‏ يوما بتهم إحداث شغب والتجمهر في الطريق العام وإتلاف ممتلكات الغير ومقاومة السلطات وإحداث اصابات بأفراد الشرطة‏.‏

دافع المتهمون عن أنفسهم بالقول إنهم من الطلاب والعاملين في حرف بسيطة وهم مقيمون منذ فترة طويلة في مصر وفوجئوا بقرار المفوضية بوقف صرف المعونات الي كانت تقدم لهم بصفة شهرية فتجمعوا أمام مقر المفوضية وطلبوا مقابلة المسئولين في محاولة لإرجاعهم عن القرار الذي اصابهم بالضرر إلا أنهم فوجئوا بمسئولي المفوضية يمتنعون عن مقابلتهم أو الرد علي شكواهم مما أدي إلي الاشتباكات مع أفراد الأمن‏.‏
وفي لقاء مع الأهرام يقول عبدالباقي مضوي ـ الأمين العام للاتحاد العام للاجئين السودانيين ـ إن المفوضية تماطل السودانيين من طالبي اللجوء منذ ستة أشهر وهم يعيشون في ظل ظروف سيئة‏,‏ ويضيف أنه ليس من المتصور أن يسيء اللاجئون إلي مصر أو إلي المفوضية‏,‏ ويلمح إلي اندساس عناصر من غير اللاجئين في صفوف المتظاهرين بهدف تحويلها إلي مظاهرات عنيفة تضر باللاجئين أنفسهم‏.‏

ويضيف‏(‏ ماريو‏...)‏ أننا لم نطالب بأموال ولكننا طالبنا بعدم التمييز ضد السودانيين‏,‏ كما أننا لم نبادر بالشغب‏,‏ ويشير إلي استفزازات من جانب مسئولي أمن المفوضية قادت إلي اندلاع المواجهات العنيفة‏.‏
ويكمل‏(‏ م‏.‏آدم‏)‏ قائلا إن المظاهرة كانت سلمية وأن طالبي اللجوء لم يبدأوا بالعنف الذي لا مصلحة لهم فيه ملمحا إلي دور لجهات سودانية أخري من مصلحتها الاساءة لقضية طالبي اللجوء‏.‏

ويشير‏(‏ أحمد‏...)‏ إلي أن طالبي اللجوء السودانيين يتعرضون لمعاملة سيئة من جانب مكتب المفوضية بالقاهرة‏,‏ حيث يرفض إجراء المقابلات‏,‏ مشيرا إلي أن المظاهرات كان وراءها مطالب شرعية خاصة وأن اللاجئين يعانون من مشكلات عدم وجود فرص عمل وتعليم لابنائهم فضلا عن مشكلات السكن حيث يضطرون للسكن بشكل جماعي وتعيش أسر كثيرة في شقة مشتركة‏,‏ ويتمني لو إقيمت لهم معسكرات في الصحراء تغنيهم عن الحاجة لتديبر أمر سكنهم بهذه الصورة الصعبة‏.‏
نقطة أخري يشير إليها‏(‏ معاوية‏...)‏ تتعلق بطريقة اللجوء بشكل مباشر وسريع حيث يطلب منهم وضع استفساراتهم في صناديق ملحقة ببعض الأماكن مثل الكنائس علي أن يتم الرد عليهم لاحقا وهو الأمر الذي يطيل من أمد الانتظار ويفاقم من الصعوبات المعيشية للاجئين والتي يشير لاجيء آخر إلي احداها بالقول إن أقسام الشرطة لاتعترف ببطاقة الحماية التي نحملها إذا مااضطرتنا الظروف إلي دخول الأقسام لعمل محاضر‏.‏
اشرف ميلاد ـ المحامي عن المتهمين ـ يسجل اعتراضه علي ماحدث قائلا‏:‏ إن المفترض أن يكون اسم اللاجيء سريا وألا يشترك في حملة جمع توقيعات فضلا عن المشاركة في تظاهرات‏,‏ ويضيف أن اعتراض اللاجئين كان علي تأجيل المقابلات من جانب المفوضية‏,‏ مشيرا إلي أن حدوث تغييرات في الفترة الأخيرة حيث كان السودانيون في السابق معفيين من الحصول علي الاقامة‏,‏ وهنا تبرز أهمية تحديد موقفهم من جانب المفوضية حيث يعني قبولهم عدم الترحيل‏.‏

ويشير إلي أن ملتمسي اللجوء لهم مطالب عادلة ولكن يبدو أنهم كانوا ضحية حملة تصحيح ليست في مصلحتهم والدليل علي ذلك أن تأجيل النظر في طلبات ملتمسي اللجوء إلي يناير المقبل لا يعتبر تأخيرا فهم حتي هذه الفترة يتمتعون بالحماية‏,‏ ولكن ماحدث قد يشير إلي حالة الاحباط التي يعاني منها هؤلاء‏,‏ ويضرب مثلا بأن أحد المقبوض عليهم في الأحداث الأخيرة ـ رغم قسوة الاحتجاز نفسيا ـ إلا أنه يستطيع أن يتناول ثلاث وجبات يوميا وهو الأمر الذي كان متعذرا بالنسبة له في الحياة خارج الأسوار‏.‏
مايشير إليه أشرف ميلاد يلفت الانتباه إلي أهمية أن تحظي هذه الفئة بالمزيد من إهتمام الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية بحيث تمديدها بالمساعدة لهذه الفئة التي اضطرتها الظروف إلي أن تكون في هذا الوضع‏,‏ ويضيف أنه عقد إجتماعا مع ممثلي اللاجئين لبحث مطالبهم التي تتمثل في الافراج الفوري عن المقبوض عليهم ـ بقرار سياسي ـ والسماح لأطفال طالبي اللجوء بالتمتع بالخدمات التعليمية لحين البت في موقف ابائهم‏.‏
ويؤكد أن الافراج عن المحبوسين أمر تستلزمه اعتبارات الحماية التي يجب أن توفرها الحكومة المصرية والأمم المتحدة باعتبارهما شريكين في حماية اللاجيء‏,‏ ويوضح أن بعض المقبوض عليهم حصل بالفعل علي فرصة إعادة التوطين مما يستبعد معه أن يكونوا قصدوا المشاركة في أحداث شغب لم يستفد منها اللاجئون وهناك شكوي في دوافع من حرض عليها وفي سلوكيات أطرافها‏.‏

زيادة الأعداد ونقص الموارد
انا ليريا فراننش ـ الممثل الأقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالقاهرة ـ يقول في تصريحات لـ الأهرام إن عدد اللاجئين المعترف بهم في مصر بلغ نحو‏21‏ ألف شخص العام الحالي منهم نحو‏15‏ ألف سوداني‏,‏ وقد زاد عدد اللاجئين مقارنة بالعام الماضي‏,‏ حيث كان نحو‏18‏ ألف وتضيف أنه في الفترة من يونيو وحتي أغسطس تم تسجيل نحو ألفي طلب لجوء ينتظر أصحابها المقابلة لتحديد موقفهم‏,‏ ولكن ذلك لاينفي أنه عندما يصل أحد طالبي اللجوء إلي مكتب المفوضية فانه يتم تسجيل أسمه وسبب طلب اللجوء‏,‏ وتشير إلي أنه في حالة القادمين من السودان فانه من الصعب تحديد من ينطبق عليه وصف اللاجيء أو غير اللاجيء‏,‏ فمن المعروف أن معظمهم من جنوب السودان وهناك اتفاقية سلام بين الحكومة السودانية والجنوبيين‏.‏
وتؤكد أن المفوضية رغم ذلك مستمرة في التسجيل وإعطاء البطاقات الصفراء للحماية‏,‏ والتي يتقدم حاملوها للسلطات المصرية لكي يحصلوا علي الاقامة‏.‏

حماية كاملة
وتشير إلي أن المفوضية تربطها علاقات جيدة جدا من اللاجئين السودانيين في مصر وتنفي تماما أنها أوقفت التعامل مع ملتمسي اللجوء واللاجئين السودانيين منذ أول يونيو الماضي المفوضية مستمرة في تسجيل ملتمسي اللجوء‏,‏ وتيسير اقامتهم المؤقتة بتفويض من الحكومة المصرية‏,‏ كما أنها ماتزال تواصل تقديم المساعدات للأشخاص المستضعفين الذين يدخلون في نطاق اهتمامها والقيام بعمليات اعادة التوطين في بلد ثالث للاجئين المؤهلين‏.‏
وتضيف أن ملتمسي اللجوء واللاجئين السودانيين في مصر يتمتعون بالحماية الكاملة من جانب المفوضية والحكومة المصرية‏,‏ وأنه منذ تفجر مظاهرة الاحتجاج يوم الأربعاء الماضي تم عقد سلسلة من الاجتماعات العاجلة مع ممثلي اللاجئين السودانيين والسلطات المصرية‏,‏ وتوضح أن هناك مجهودات تبذلها المفوضية بالتعاون مع ممثلي المجتمع المدني لتقديمم المساعدات للاجئين ولكن هذا لاينفي أن المفوضية تعمل في ظل موارد محدودة‏.‏ يتم توجيهها للأكثر إحتياجا‏.‏

وتضيف أن اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في مصر وضعهم لايقارن بوضع اللاجئين من إقليم دارفور‏,‏ مشيرة إلي أن عليهم أن يساعدوا أنفسهم‏.‏ باعتبار ذلك من ضمن فلسفة المفوضية فعلي اللاجئين أن يبذلوا مجهودا لمساعدة أنفسهم‏.‏
وتطالب فرانش الحكومة المصرية بتقديم المساعدات للاجئين وطالبي اللجوء خاصة في مجال الصحة والتعليم‏,‏ وتشير في هذا الصدد إلي لقاء عقدته مع وزير الصحة منذ نحو شهر بهدف تيسير حصول اللاجئين علي الخدمات الصحية الأساسية‏.‏

ومع تأكيد فرانش أن المفوضية تبذل قصاري جهدها لمساعدة اللاجئين وطالبي اللجوء وتفتح أبوابها لهم فأنها تستغرب ماحدث ظهر الأربعاء الماضي‏,‏ وتشرح تفاصيل ماجري في هذا اليوم الدامي قائلة إن هناك حوارا بين المفوضية وممثلي طالبي اللجوء‏,‏ وكان من المفترض عقد إجتماع معهم في الساعة الرابعة عصرا‏,‏ ولكن حدث التجمهر ظهيرة ذلك اليوم وأبلغني ممثلو اللاجئين في الساعة الثانية ظهرا أنهم لايستطيعون حضور الاجتماع المقرر‏,‏ وتضيف أن الموقف تطور إلي مواجهات ولا نعرف من يريد استغلالهم‏..‏
وتنفي فرانش أن يكون للسفارة السودانية علاقة بالمظاهرات‏,‏ مشيرة إلي أن علاقات المفوضية بجميع أعضاء السلك الدبلوماسي في القاهرة جيدة‏.‏

وتؤكد أنها طلبت من مسئولي وزارة الداخلية الافراج عن المقبوض عليهم الـ‏22‏ في أسرع وقت ممكن‏.‏
التدهور الذي حصل في علاقات طالبي اللجوء مع المفوضية ليس له مايبرره‏..‏ فكما تقول فرانش فإن المفوضية مستمرة في تقديم الحماية والمساعدة ولكنها لاتستطيع تغيير الواقع مما يتطلب من السودانيين أن يكونوا واقعيين ويدركوا أن المفوضية تبذل قصاري جهدها وأن حل المشكلات بحاجة إلي الثقة المتبادلة والوسائل السلمية للتغلب عليها‏.‏

لاجئون من‏33‏ جنسية
مع الأحداث الأخيرة طفت علي السطح قضية اللاجئين في مصر والظروف التي يعيشون فيها في ظل تزايد أعدادهم ونقص الاعتمادات المالية المخصصة للمفوضية لمساعدتهم‏.‏
وكما تقول آنا ليريافرانش ـ الممثل الأقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالقاهرة ـ فإن مصر التي تستضيف مايقرب من‏70‏ ألف لاجيء فلسطيني تشهد زيادة في أعداد اللاجئين من الجنسيات الأخري وزاد العدد من نحو‏16‏ ألفا في عام‏2003‏ إلي نحو‏21‏ ألفا في العام الحالي‏,‏ وتضيف أمينة القريعي ـ مسئولة الإعلام بالمفوضية ـ إن ملتمسي اللجوء يحصلون علي البطاقة الصفراء التي تتيح لهم التمتع بحماية المفوضية‏,‏ وتعطيهم الحق في الاقامة‏,‏ وإن عدد اللاجئين في مصر بلغ بحلول‏31‏ يوليو الماضي نحو‏21‏ ألف لاجيء‏,‏ وتوضح أن اللاجئين في مصر ينتمون إلي نحو‏33‏ جنسية‏,‏ إضافة إلي‏125‏ لاجئا غير محددي دول المنشأ وتشمل القائمة أفغانستان والجزائر وانجولا وبوروندي والبوسنة وبورما وجمهورية وسط إفريقيا وتشاد والكاميرون والكونجو الديمقراطية وجيبوتي واريتريا وأثيوبيا وقطاع غزة‏(215‏ لاجئا‏)‏ وكوت ديفوار وايران والعراق والكويت‏(9‏ لاجئين‏)‏ وليبيريا وليبيا ونيجيريا وروسيا ورواندا والسعودية‏(‏ لاجيء واحد‏)‏ وسيراليون والصومال‏(354‏ لاجئا‏)‏ وتونس وأوغندا واليمن‏(327‏ لاجئا‏).‏

وتشير فرانش إلي أن مصر بانضمامها إلي اتفاقية اللاجئين عام‏1951‏ والبروتوكول الخاص بها قد أعلنت التزامهعا باستقبال اللاجئين وإدماجهم في المجتمع المصري‏,‏ وتضيف أن اندماج اللاجيء عملية ثنائية تتضمن حقوقا والتزامات من جانب اللاجيء والمجتمع المضيف مايعني أن الاندماج يتضمن فكرة المشاركة والتنوع والتعددية‏.‏
وفي دراسة مسحية أعدتها المفوضية وهي عبارة عن نتاج تحليلات مستقلة لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظرها فإن عائلات اللاجئين المعترف بها تحصل علي بعض المساعدات المالية من المفوضية من خلال منظمة‏(‏ كارتياس‏)‏ والتي لايتجاوز ماتتطلبه مقومات المعيشة كما تغطي مساعدات المفوضية بعض الاحتياجات الطبية والتعليمية إضافة إلي التسهيلات التعليمية التي يتم تقديمها بالمشاركة مع خدمات الغوث الكاثوليكية وكنيسة القلب المقدس وكاتدرائية كل القديسيين‏.‏

وتسجل الدراسة غياب المعونات من جانب الحكومة المصرية والجمعيات الأهلية المحلية ووكالات التنمية التابعة للأمم المتحدة و غيرها من منظمات التنمية‏,‏ وتوضح أن قدرة المفوضية علي توفير المساعدات تأثرت بسبب تنامي أعداد اللاجئين مع تضاؤل الموارد المالية‏.‏
لقد كشفت الأحداث العنيفة في الحي الهاديء عن الأزمة الحياتية التي يعيشها اللاجئون وطالبوا اللجوء‏,‏ وأن كان هناك اختلاف مع الطريقة التي تم اتباعها فإنه لا خلاف أن مشكلة هذه الفئة بحاجة إلي نظرة موضوعية شاملة من جانب الأطراف المعنية‏,‏ كما أن الظروف المعيشية السيئة لهذه الفئة تستلزم الاهتمام من جانب الهيئات الخيرية بهم‏..!‏