بعض اللبنانيين يبدأ حديثه عن الازمة اللبنانية بقوله «والله يا اخي حرام هذا التآمر على الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي»، فاذا قلت له: على هونك، وتجربة الكويت نسيتها، رد عليك بلهجة لبنانية ساخرة «شو اللي يصير بالكويت تسميه ديمقراطية، شهو هالديمقراطية اللي ما تقدر تغير الامير، وتختار النواب على اساس عشائري ومناطقي»..

ويضيف .. «على القليله وين التجربة الحزبيه بالكويت»، و نفي صفة الديمقراطية عن التجربة البرلمانية الكويتية، ليست حكراً على بعض اللبنانيين، فأحياناً تسمعه من سوريين وفلسطينيين وعراقيين وبعض أهل الخليج، وهذا النفي زاد بعد غزو العراق لان نسبة لايستهان بها من النخبة العربية تحمل الكويت وزر الحرب وتسهيل حدوثها.

الذي ينطلق من كره الكويت في نفيه لتجربتها الديمقراطية، ليس مهماً، فهو يبني موقفه على اسس غير موضوعية، لكن المهم هو رأي بعض اللبنانيين الذي يغفل عن مثالب الديمقراطية في لبنان، ويقف عند مثيلاتها في التجربة الكويتية، ويتجاهل البعد الطائفي والتدخلات الخارجية في تجربة لبنان الديمقراطية.

تذكرت هذه المناكفة التي تثار كلما جاء الحديث عن الديمقراطية في العالم العربي خلال متابعتي للأزمة السياسية الراهنة الناشئة عن نتائج استجواب وزير الصحة الكويتي محمد الجارالله الاسبوع الماضي وارغامه على الاستقالة، وما يتردد عن نية رئيس الحكومة الشيخ صباح الاحمد حل مجلس الأمة بسبب هذا الاستجواب، وتخوفه من جلسة اليوم التي ستناقش تقرير ديوان المحاسبة حول تجاوزات مالية وادراية.

ان حل البرلمان الكويتي كان ولايزال نقطة ضعف التجربة الكويتية، فالفيتو الحكومي بحل المجلس اصاب مسيرة الديمقراطية بالوهن في مرات سابقة، لكنه ان حدث هذه المرة فربما يعيد الكويت الى مرحلة تجاوزتها منذ نصف قرن، او كما قال بعض النواب الكويتيين ستكون مفترق طرق في شأن مستقبل الوضع السياسي الراهن، فضلاً عن ان اجراء من هذا النوع سيضع الكويت وتجربتها العريقة في مصاف الدول العربية التي تدير التجربة « الديمقراطية» بطريقة مسرحية مكشوفة، وتستخدمها كوسيلة لتكريس حكم الحزب الواحد.

لاشك في ان النظام الكويتي لايستخدم وسيلة حل البرلمان انطلاقاً من رغبة في القفز على التجربة وافشالها، بقدر ما هو الحرص على تجنب ازمات سياسية قد تؤدي الى اوضاع معقدة يصعب التعامل معها من دون اثمان باهظة ، لكن رغم ذلك تبقى الظروف اليوم مختلفة، ومرحلة ما بعد التحرير فرضت واقعاً سياسياً واجتماعياً يصعب التعامل معه بالسهولة السابقة، ناهيك عن ان المنطقة اليوم تعيش اجواء مشحونة لاتتحمل مغامرة من هذا النوع.

الاكيد ان التجربة الديمقراطية في الكويت اثارت عليه غيرة الجيران، ونزقهم الذي وصل الى حد الاحتلال، والأكيد ايضاً ان هذه التجربة هي التي حررت هذا البلد الصغير من الاحتلال، ومنعت انقسام مواطنيه حول النظام السياسي الذي ارسى هذه التجربة، وقطف ثمارها في مؤتمر جدة الشهير. وحري بهذا النظام ان يلغي من قاموسه هذا الاجراء غير الديمقراطي، ويرفض مجرد التلويح بحل مجلس الأمة.