استقبلت فرنسا الرئيس بشار الاسد كولي عهد معلن قبل الرئاسة بفترة. ثم بدأ عهده بزيارات الى الاردن والخليج. ثم تقدم خطوة أساسية فزار بريطانيا، وقام بأكثر من زيارة الى مصر. لكنه لم يستقبل ياسر عرفات. وتذَّرع الرئيس اللبناني اميل لحود بعوادي الفضاء ونوازل الاثير لكي يمنع عرفات من إلقاء كلمته في القمة العربية التي عقدت في بيروت. وحتى وفاة ابو عمار ظلت صحف سورية ومعها كثير من صحف بيروت، تستخدم كلمة «العرفاتية» بالمعنى الخياني او الصهيوني او الامبريالي! وحز ذلك كثيرا في نفوس الفلسطينيين، فقد كان الرجل الرمز الاول في حياتهم السياسية. ولم تستكمل دمشق الاندفاع الذي بدأ مع زيارات الرئيس الشاب. فقد بردت العلاقات فجأة مع الجميع، وعادت دمشق تعطي حلفها مع بيروت اكثر من حجمه بكثير. فلبنان السياسي لم تعد له اي قيمة دولية ظاهرة. واصبح العالم يعامله كتابع لسورية، مفقود الارادة والقرار بما لا يخفى على احد، لبيبا ام لا. عندما كان اللواء غازي كنعان في لبنان، كنت اعرِّج لزيارته كلما ذهبت الى دمشق لمقابلة تلفزيونية. وكان الرجل دمثا، ويتقبل الملاحظات الصادقة بكل بساطة. بل يطلبها. وكنت اقول له، لم يعد مطلوباً ان تخافكم الناس. لقد استتبت الامور الآن واستقرت واصبحت سورية في لبنان حقيقة لا ينكرها احد. لكن المطلوب الآن ان يحب اللبنانيون سورية لا ان يهابوها. وسلوك جماعتكم في بيروت ينفر الجميع وينشر جواً ليس لمصلحة العلاقة بين البلدين.

وكان اللواء كنعان يسألني باستمرار، «لماذا لا تعمل في السياسة. بلدك في حاجة الى من هم مثلك ونحن نعرف جيداً طبقة السياسيين في لبنان. نعرفهم على حقيقتهم. ويجب الا تتدلل انت او سواك على الانخراط في العمل العام». وكنت اشكر «ابو يعرب»، وأقول له باستمرار ايضا إن الله منحني قلماً ومنبراً وسوف اضعهما في خدمة الناس بكل حرية وضمير ودون مساومة مع احد. فأنا كذلك اعرف حقيقة السياسيين في لبنان. واعرف انني سوف اصاب باليأس من اول مشهد. ولا اريد ان افقد الأمل في بلدي. وكنت اقول ايضاً للواء «ابو يعرب» وفي منتهى البساطة والصدق، ان اكبر اذى تلحقه بكم وبنا، تلك الجوقة من جماعتكم هو عندما تهددنا بانهيار السلم الاهلي كلما تأزمت المسألة بين المعارضة وبين سورية.

لا اعرف من الذي افسد العلاقة مع دمشق، اكثر من الآخر. السوريون الذين تصرفوا وكأنهم استعادوا لبنان الممتلك ام اللبنانيون الذين لم يتركوا وسيلة او نوعاً من الافساد الا ومارسوه. هناك كثير من اللبنانيين، من جميع الفئات والطبقات والمذاهب والاديان، الذين لم يتورعوا عن تقديم اي شيء لقاء الحصول على ما يريدون، وهناك كثيرون ممن قدموا لسورية قسم الولاء والطاعة. كما اظهر بعض السوريين فظاظة نكراء في معاملة اللبنانيين، لكن بعض اللبنانيين اظهروا انحطاطاً خلقياً واجتماعياً ووطنياً وسياسياً حيال بعض المسؤولين السوريين. وبسبب هؤلاء، ولو كانوا قلة نسبية، لا يعود من الممكن قيام علاقة مميزة او ممتازة او حتى غير سيئة ولقد قضت قلة من الفريقين على التقدم ضمن علاقة طبيعية ودائمة.

الى اللقاء